"الدستور" ترصد حكايات المريدين على جبل حميثرة

"لبيك ياساكن حميثره جئناك طالبين رضاك فاشفع لنا" تلك الكلمات التي يرددها مريدو أبو الحسن الشاذلى، الذين جاءو عميق تلبية لدعوته،"هنا جبل حميثرة الحج الأصغر، إذا قمت بزيارته مرتين متتاليتين تحتسب حجة صغرى، أقل إجراء من الحجة الكبرى، وهي زيارة بيت الله الحرام"، هكذا يقول مريدين الشاذلي.

على بعد مايقرب من 450 كيلو مترا جنوب مدينة الغردقة، يقع مقام الحسن الشاذلي، وآل حميثرة، يلقبه مريدية بـ"قطب الأقطاب" ساكن قلوب البسطاء، حكايات وروايات تعيشها بين قمة جبل حميثرة.

«الدستور» رصدت بعض تلك الحكايا، ورحلة حج الغلابة على قمة جبل حميثرة، داخل جبال مدينة مرسي علم، مابين متعلمين وأميين، جاؤا اعتقادا منهم انه سيشفع لهم، ويلبي طلباتهم، وتترك على بابه الهموم والأحزان كما يتوهمون.

من هو والي حميثرة قطب الاقطاب أبو الحسن الشاذلى

ولد الإمام عام ١١٩٦ ميلادية، في إقليم مغارة بمدينة سبتة المغربية، ورحل منها إلى تونس سالكا طريق التصوف والزهد، واتجه إلى قرية شاذلة في تونس، ثم عائدا إلى مصر عام 1244 ميلادية، وأسس مدرسة الشاذلية الصوفية في الإسكندرية، وبعدها ذاهبا إلى جبال مرسي علم، لينتهي به المطاف ويدفن بين ثنايا جبالها.

كيف بدأت رحلة الامام الشاذلي، وماهي أشهر مقولات وآخرها في حميثرة
كان أبو الحسن الشاذلى يحج في كل عام ليسلك طريقه للحج من ناحية صعيد مصر، ليقيم بمكة من شهر رجب وحتى انقضاء موسم الحج، لتكون أخر مطاف لرحلته في حميثرة، وفي طريقه للحج عام 656 هجرية، طلب من أحد خدامه أن يصطحب معه فأسا وقفة، وأداوات للحفر وكل مايحتاجه الميت، فسأله خادمه لماذا ياسيدي؟، فأجابه أبو الحسن قائلا: «"عند حميثرة سوف ترى".

لم يكن يعرف وادي حميثرة قديما سوي طريق للحجيج يقع بين محافظة قنا ومدينة القصير جنوب البحرالأحمر، ليذاع صيته وشهرته بوجود ضريح "أبوالحسن الشاذلي" حيث وافته المنيه قبيل منطقة حميثرة ليدفن هنا، ويجعل من الجبل القاحل مزارا لكل المريدين والمحبين لمذهب التصوف من كل الأقطار.

كيف يستقبل مقام الشاذلي ابوالحسن مريديه واتباعه
يبدأ الأحتفال بأحياء ذكري مولد سيدي أبو الحسن الشاذلي، في الأول من شهر ذي الحجة حتى يوم وقوف حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفة، هناك يقف الحجاج على جبل عرفات، وهنا يقف مريدين أبو الحسن الشاذلي على جبل حميثرة، الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من 300 مترا عن الأرض، ليقطع الآلاف من المريدين والمحبين مئات الكيلومترات في طريق بين الجبال والمدقات الوعرة، وصولا إلى وادي حميثرة مقام قطب الاقطاب وإمام الصوفية "الشيخ أبو الحسن الشاذلي".

كيف تحول مقام الشاذلي من ضريح ولي الأولياء إلى ضريح للطواف على اعتابه
ما أن يصل مريديه إلى ميدانه الصغير أمام ضريحه لينعزلون عن العالم، تاركين أسرهم وأعمالهم إلى التضرع إلى الله والصلاة، في ساحته تبدأ رحله الزوار بالطواف، أول ماتطأ اقدامهم ارضه تبدأ رحلة الطواف والتهليل، رافعين ايديهم إلى السماء تدرعا إلى الله، وتوسلا بقطب الأقطاب والي حميثرة، وما إن ينتهي الطواف؛ يصعد المريدون إلى جبل "حميثرة" الشهير في ذلك الوادي، وبعد أن يتم الطواف حول الضريح والدعاء والإلحاح ليكون شفيعا لهم في مطالبهم، وما أن ينتهي الصعود إلى جبل حميثرة ليستعد المريدين من حجاجه في النزول إلى خيام الاعتكاف، وهي خيام من الصوف والقماش يقيم بها الوافدين لتري مالم تراه من جنسيات عربية وغير عربية من دول مختلفة، حيث لايقتصر زواره على فئة معينة أو طبقة ما؛ فمن بين هؤلاء الزوار القاضي، الطبيب، والمهندس وأساتذة الجامعة، وسياسيين ونواب في البرلمان، أتوا إليه حبا وتقربا.

طبيب قلب بجامعة سوهاج يتخلي عن عمله ليتفرغ لعلاج المجاذيب بجوار ضريح الامام
كان لوجهه تعببرات كثيرة، يرتدي سماعته وفوقها عمامة خضراء، وبيدة شنط جلد مكتوب علها طبيب الأولياء.
سرد الدكتور محمد، والذي رفض أن يتحدث للكاميرا، أو حتى ذكر اسمه كاملا:" لقد تخرجت من كلية الطب جامعة سوهاج وبعدها تخصصت في أمراض القلب، وما أن تعمقت في دراستي وتفوقت فكرت في نهاية حياتي كيف ستكون، بعد هذا الجاه والتقدم العلمي والمكانة الاجتماعية، فما إن قررت أن أزهد حياتي واتركها لأذهب بين يدي الله متخذا من أولياؤه وسطاء لقبولي".

و تابع طبيب المجاذيب:"لا أريد من الدنيا سوي كلمة طيبة، ودعوة من شخص محتاج، وأنا أداوي المريدين حبا في من يحبون، لعها تكون الشفاعة".

كما لم يقتصر زوار الحسن الشاذلي على المصريين فقط، ولكن هناك من لم ينطق العربية، من أثيوبيا والصومال ونيچيريا، إلى جانب زواره العرب من السعودية والإمارات، وأبرزهم المغاربة.

يقول عبدالله بن عزيز، مغربي الجنسية وأحد زوار الضريح، إنه يأتى إلى مصر كل عام لزيارة الشاذلي لتحل عليه بركاته، تاركا عمله وكل مالديه تلبية لدعوته قائلا:"من ذاق حبه لايرتوي هوا جدنا وليس لنا سواه محب".

وعلى الرغم من أن تلك المنطقة الجبلية المنعزلة عن العالم تبعد عن الحضر مئات الكيلو مترات، إلا أنها تعيش في هذه الأيام رخاءا كبيرا، حيث أن المولد حدث كبير يستقطب زواره ومريديه من كل محافظات مصر، وعلى العادة التي جرت على مر السنين، يزور محافظ البحرالأحمر جبل حميثرة، للوقوف على إجراءات التأمين للمكان في أيام الموسم، فعند زيارة محافظ البحر الأحمر للمنطقة، يأتي بسيارات مياه يصطحبها معه لخدمة زوار المقام، كما يزور المقام أو الضريح ليلتف حوله زوار المقام، ويخطب فيهم، كما يتوجب عليه ذبح رأسين من العجول، كأمر جرت عليه العادة ممن سبقوه من المحافظين لتبقي عادة، وتقوم الطرق الصوفية، وبعض الزوار بإحضار كميات كبيرة من المشروبات والأطعمة والمواشى والأغنام، التي تقدم كقرابين لذبحها في أيام المولد ليأكل منها كل مريد.

"حكايات وروايات مابين أساطير ووقائع تاريخية يرددها مريدي قطب الأقطاب ولي حميثرة"
يقول الشيخ حسن سنجاب، شيخ الطريقة الشاذلية بمنطقة الشاذلي، إن دراسة رحلة ولي الصحراء الإمام الشاذلي، ضرورة لكل من يريد أن يفهم معاني الزهد، قائلا:"أن التصوف ليس هو الجلباب المهلهل أو زي معين، التصوف يظهر في الأخلاق والتعامل ".

وأضاف شيخ الطريقة الشاذلية، أن الإمام الشاذلي قدوه لجيل من المتصوفين المعتدلين من الشباب والكبار، مشيرا إلى أن مريدين الإمام الشاذلي من كل الدنيا، من الهند والمغرب والصومال ونيجيريا، وغيرها من زواره.

وما أن تبدأ رحلة الصعود إلى جبل حميثرة تظهر عادات وأفعال لم تكن تراها بمكان آخر، حيث يعتقد زواره أنه لا بدَّ من جمع اكوام من التراب حال صعود الجبل، ظننا منهم أنه سيعود لدعوتهم العام المقبل، أو أنهم يرون المدينة المنورة كما يعتقدون، ويتركون رسائل مكتوبة تحت هذه الأكوام، طلبا منهم أن تلبي أمانيهم وتحقق.

أهل سوهاج عزوة الإمام وأكثر الوفود حول ضريح الإمام
مابين خيمة وآخري، تنظر حولك لتخطف الاأنظار لافتات مريدي الإمام، عليها "أهل سوهاج عشاقك ياولي الله"، ويضاف إليها اسم الطريقة التي ينتمي إليها سكان هذه الخيمة.

يقول الشيخ أبوالمعاطي السوهاجي، أحد مشايخ الطرق الصوفية بسوهاج، قائد رابطة الطرق الخلوتية بمولد الشاذلي أبو الحسن، إن حب الأولياء يورث للنشء في بلادهم، والتصوف بالنسبة لهم سنة يتبعها الأبناء ميراثا عن الأباء، قائلا:" إن التصوف أفضل من قضاء الوقت في أشياء لا معنى ولا قيمة لها، التصوف هو حب النبي وآل بيته ليس لحاكم ولا مسؤول فأهله مع الله".