رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محكمة الإنترنت


الجريمة الإلكترونية، طبقًا لتعريف المنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، هى «كل سلوك غير مشروع أو غير أخلاقى أو غير مصرح به، يرتبط بالمعالجة الآلية للبيانات أو بنقلها». والآن، الآن فقط، أصبح لدينا قانون لمكافحة هذا النوع من الجرائم وفق محددات الأمن القومى المصرى، قدم تعريفًا أوسع لـ«جرائم تقنية المعلومات».
التداعيات العالمية لإساءة استخدام الإنترنت، فرضت على المجتمع الدولى مسئوليات كبيرة تجاه وضع أُطر وقواعد تحكم الاستخدام الآمن لشبكة الإنترنت. وبعد التوسع فى تداول المعلومات والبيانات، عبر الشبكة، وكذا تزايد تداول الأموال، وانتشار التجارة الإلكترونية، أصبحت هناك ضرورة ملحة لإصدار قوانين تحمى المستخدمين، وبالإضافة إلى أسلحة أخرى متطورة، لمواجهة مرتكبى هذا النوع من الجرائم الذين يطورون أدواتهم واستراتيجياتهم للحفاظ على موقع متقدم فى مواجهة الأدوات أو الأسلحة الدفاعية.
فى مصر، كما فى كل دول العالم، نتجت عن التطور التكنولوجى مجموعة من الجرائم تهدد الأمن القومى والاجتماعى وتهدر حقوق المواطنين. وحتى يومين ماضيين، لم يكن لدينا إطار قانونى يحمى المواطن من تلك الجرائم. واكتفينا طوال ١٦ سنة بالحديث عن ضرورة إصدار قانون، لكن لم يتم اتخاذ خطوات جدية إلا منذ ثلاث سنوات، حين أعدت وزارة الاتصالات مشروع القانون، ثم وافق عليه مجلس الوزراء وتمت مراجعته من مجلس الدولة، قبل إحالته إلى مجلس النواب الذى أقره منذ شهور. وأخيرًا، وفى عددها الصادر السبت الماضى، نشرت الجريدة الرسمية تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى، على القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات المعروف إعلاميًا بـ«مكافحة جرائم الإنترنت».
القانون يحقق التوازن بين مكافحة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات، وحماية البيانات والمعلومات الحكومية والأنظمة والشبكات المعلوماتية الخاصة بالدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة من الاعتراض أو الاختراق أو العبث بها أو إتلافها أو تعطيلها بأى صورة. كما يوفر القانون أيضًا الحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة التى كفلها الدستور، ويمنع إفشاءها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مُسبّب. وعليه، تكون مخطئًا، لو قمت بتلخيص القانون فى أنه «يقضى بتشديد الرقابة على الإنترنت» كما فعل الموقع العربى لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، ومواقع أخرى تحت مستوى الشبهات.
بتصديق الرئيس على القانون، قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، نكون قد امتلكنا سلاحًا مهمًا، لكن لن يمكننا أن نخوض به الحرب ضد مرتكبى تلك الجرائم إلا بتفعيله. ومن محاسن الصدف أن يكون يوم التصديق على القانون، ١٨ أغسطس، هو اليوم الذى أنشأت فيه الصين، منذ سنة، أول محكمة للإنترنت مختصة بالتعامل مع القضايا المدنية، مثل نزاعات العقود المتعلقة بالتسوق عبر الإنترنت والخدمات والقروض الصغيرة وقضايا انتهاك حقوق الطبع والنشر ونزاعات أسماء النطاقات والتشهير عبر الإنترنت وبعض الدعاوى الإدارية.
تعد الصين أكبر سوق للتجارة الإلكترونية فى العالم، بنسبة تتجاوز ٤٠٪ من إجمالى قيمة تعاملات التجارة الإلكترونية فى العالم، بعد أن كانت تلك النسبة لا تتجاوز ١٪ فقط قبل عشر سنوات. وبنهاية ٢٠١٧ بلغ عدد مستخدمى الإنترنت فى الصين حوالى ٨٠٠ مليون شخص. ومع العدد المتزايد من النزاعات الإلكترونية، وفى سعيها لمواكبة اتساع نطاق استخدام التليفون المحمول والتجارة الإلكترونية، تم تأسيس تلك المحكمة، محكمة الإنترنت، بمركز التجارة الإلكترونية بمدينة «هانج تشو» بمحافظة تشيج يانج شرقى البلاد، حيث تقع مجموعة «على بابا» العملاقة للتجارة الإلكترونية، التى بلغت قيمتها السوقية ٤٧٢.٤ مليار دولار، وخلقت أكثر من ٣٦.٨ مليون وظيفة خلال العام الماضى، وتستهدف توفير ١٠٠ مليون وظيفة خلال العشرين عامًا المقبلة.
جميع الإجراءات القانونية بدءًا من تقديم الشكاوى إلى نظر القضية وتداولها، وحتى صدور الحكم النهائى، تتم من خلال موقع المحكمة الإلكترونى، كما ستعقد جلسات الاستماع بين القاضى والشاكى والمتهم «أون لاين» من خلال بث مصور مباشر، تستغرق كل جلسة إلكترونية ٢٥ دقيقة. ولا يكون مطلوبًا من أطراف النزاع غير تأكيد هوياتهم عن طريق تطبيق على التليفون المحمول للتعرف على ملامح الوجه قامت إحدى الشركات بتطويره بضوابط محددة وضعتها وزارة الأمن العام الصينية. وبهذا الشكل، تم توفير حل فعّال وقليل التكلفة لحل هذه الأنواع من النزاعات، لا يجعل فقط الإجراءات القانونية فى غاية السهولة، بل أعطى التجارة الإلكترونية أيضًا درجة الحماية القانونية نفسها، الممنوحة للتجارة التقليدية. وتكفى الإشارة إلى أن المحكمة نظرت خلال عامها الأول أكثر من ١١ ألف قضية، وبلغ متوسط مدة المحاكمة ٣٨ يومًا.
مع أول اختراق لشبكة الإنترنت سنة ١٩٨٨ تم إعلان الحرب على الجرائم الإلكترونية، وبدأ سباق تسلح، كانت البرامج الأمنية والقواعد وضوابط قانونية، بين أدواته. وبصدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، نكون قد امتلكنا سلاح القانون، ويكون علينا أن نمتلك أسلحة أخرى متطورة بنفس درجة تطور هذا النوع من الجرائم، وأبسطها إنشاء محكمة متخصصة كتلك التى أثبتت نجاحها فى الصين.