رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إرادة السلام لدى النبى «1-2»


لم تكن الحرب هى الخيار الدائم للنبى، صلّى الله عليه وسلم، كما كان يفعل العرب عند أى خلاف، أو كما يجنح المتطرفون الآن، لأنه يُعلم البشرية أن السلام هو الأصل، وأنه هو البديل للصراع، والدليل صلح الحديبية الذى توصل إليه النبى مع قريش، وهو أقوى رد على المستشرقين الذين يزعمون أنه انتصر بالحرب والصراع، والمتطرفين الذى يؤمنون بالصراع.
على سبيل المثال، فإن أوروبا دخلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتجاوز إجمالى عدد القتلى ٢٠ مليون قتيل.
البداية كانت عندما رأى النبى فى المنام أنه يدخل المسجد الحرام محلقًا رأسه، ورؤيا الأنبياء حق، بشّر أصحابه بالرؤيا، فخرج معتمرًا ومعه ١٤٠٠ من الصحابة، وساق الهدى ليؤكد أنه ما خرج إلا معتمرًا وليس محاربًا.
فبعد ثلاث حروب «بدر وأحد والخندق»، تجمد الصراع، فقد أدركت قريش أنه ليس بوسعها أن تخوض الحرب مجددًا ضد النبى والمسلمين، لكن هذا لا ينفى حقيقة أن النفوس مليئة بالغل والصراع.
تغيّرت المعادلة لصالح المسلمين لأول مرة، وصارت قريش فى موقف ضعف يجعلهم يقبلون التفاوض والسلام.. جاءت الرؤيا من الله كإشارة على كسر حواجز الصراع، وإذابة جليد الجمود، ودفع النبى لاتخاذ خطوة إيجابية لتحريك الأحداث نحو السلام.
اكتسب المسلمون قوة دعم كبيرة بإسلام سيد من كبار اليمامة، وهو ثمالة بن آثال، الذى كان المورد الأساسى للحبوب إلى مكة، أقسم: «والله لا أرسل لكم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله»، فاستغاثوا بالنبى يقولون: الله الله والرحم.. يا محمد أُمر بن آثال يرسل لنا الحبوب، فأرسل له يطلب منه ألا يمنعهم إياها لأنهم أهله.
عندما خرج النبى قاصدًا العمرة، أرسل عينًا له من قبيلة خزاعة اسمه بشر بن سفيان، وكان غير مسلم، فقد كان يثق بالناس بناءً على أخلاقهم وليس تدينهم، حتى يأتيه بخبر قريش، قال له: إن قريشًا جمعت لك جموعًا أراهم مقاتليك وصاديك عن البيت، ومانعيك، وقد لبسوا جلود النمور.
فسلك بالمسلمين طريقًا وعرًا بين الشعاب حتى وصل إلى مكان يسمى بـ«الحديبية»، على بعد ١٥ ك من مكة، بركت به ناقة النبى القصواء، فقال الصحابة: خلأت القصواء، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، لكن حبسها حابس الفيل»، يدافع عن الناقة وأخلاقها.
النبى يقول: «والذى نفسى بيده لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات الله (صلة الرحم) إلا أعطيتهم إياها»، ثم زجرها، فوثبت فأقام فى الحديبية ولم يكمل الطريق إلى مكة.. فهم النبى أنها عندما بركت أن ذلك رسالة ربانية.
بدا النبى أكثر ميلًا للسلام، ومستعدًا لقبول أى عرض ستعرضه عليه قريش حتى لو فيه تنازل عن جزء من حقه، من أجل السلام، ولأنه لا يرضى الأذى لوطنه، فعلى الرغم من أنه فى موقف قوة، وعادة القوى هو من يفرض شروطه، لكنه فعل العكس، كان لديه الاستعداد أن يتنازل من أجل الناس والسلام.
الوقت يمر، وقريش لم توافق على الفور على مبدأ الصلح، بسبب كبر قادتها، ولأنه ليس فى ثقافتها حل النزاع بالسلام، فاضطرت لإرسال وسطاء يتحدثون إلى النبى لجس النبض، ومنهم بديل بن ورقاء الخزاعى، وكان رجلًا ذا عقل، لكن ليست لديه سلطة عليهم.
يقول النبى: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِى وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَر، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِى هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِى، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ».
فلمّا رجع «بديل»، لم تثق به قريش لأنه من «خزاعة»، فأرسلت مكرز بن حفص، فلما رآه النبى قادمًا نظر فى وجهه، وقال هذا رجل غادر، وقال له نفس الكلام الذى قاله لبديل.
أتى حليس بن علقمة سيد الأحابيش، وكان ممن يعظم شعائر الله، قال لهم النبى ابعثوا الهدى فى وجهه حتى يراه، ففعلوا واستقبلوه يلبّون، عاد ولم يكلم النبى وقال: سبحان الله ما ينبغى لهؤلاء أن يصدّوا ويمنع عن البيت ابن عبدالمطلب، هلكت قريش ورب البيت إن القوم أتوا معتمرين!!
أرسلت قريش خالد بن الوليد فى ٥٠ من الفرسان، وكانت صلاة الظهر، فقرر أن يهجم فى الصلاة التالية، لكن فى صلاة العصر قسّم النبى الجيش قسمين، فقلت: الرجل ممنوع، فوقع فى قلبى الإسلام يومها.