رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة دبلوماسية.. وتعاون عسكري!


غير الشعارات، والكلام الذي يخاصم الواقع، لم يصدر عن الرئيس التركي، إلى الآن، أي رد عملي أو ملموس، على ما وصفها بأنها «مؤامرة سياسية» أمريكية ضد تركيا، كما وعد. ولم يقم بأي فعل، على الأرض، يجعلنا نقتنع بأن التحالف بين تركيا والولايات المتحدة صار على المحك، كما هدّد!.

على خلاف ذلك، ستقوم القوات المسلحة الأمريكية بتدريب القوات التركية على القيام بدوريات وعمليات مشتركة في شمال سوريا، خلال الأيام الثلاثة المقبلة، أو كما أعلن جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي، الجمعة، في حديثه للصحفيين: «قريبًا جدًا.. في غضون ٧٢ ساعة. ويمكن أن يكون أقرب من ذلك»، بعد تأكيده على أن المعدات الأمريكية اللازمة للتدريب موجودة حاليًا في قاعدة «إنجرليك»، القاعدة العسكرية الأمريكية التي تستضيفها تركيا، وكذلك الضباط الذين سيتولون مهمة تدريب القوات التركية.

بمجرد اكتمال عملية التدريب، من المفترض أن تقوم القوات، الأمريكية والتركية، بدوريات وعمليات مشتركة داخل الأراضي السورية، تنفيذًا لبنود خريطة الطريق التي سبق أن اتفقت عليها الدولتان. ومع ذلك، لم تمر ساعات على تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، إلا وظهر أردوغان، خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم بأنقرة، السبت، ليطلق تصريحات نارية جديدة، كرر فيها مزاعمه بأن الاقتصاد التركي «يتعرض إلى مؤامرة» وأكد أن «تركيا لم ولن ترضخ لأولئك الذين يتظاهرون بأنهم شركاء استراتيجيون» ويهددونها بالاقتصاد والعقوبات وأسعار الصرف والتضخم. والأكثر من ذلك هو أنه هاجم من قال إنهم «أسسوا نظام رخاء لأنفسهم من خلال استغلال العالم»، وقال لهم «كشفنا مؤامراتكم ونتحداكم».

أرأيت أو «شفت بقى»؟! اتهمهم باستغلال العالم، وقال لهم «كشفنا مؤامراتكم ونتحداكم»، بينما هو مستمر في التعاون العسكري معهم، أو بشكل أكثر دقة، تواصل قواته تخريب إحدى دول المنطقة، بتدريب وتحت إدارة أمريكية. ولا يشكك هذا التناقض الفج في قواه العقلية، بقدر ما هو تأكيد جديد على أن الأزمة السياسية بين واشنطن وأنقرة أو العقوبات التي فرضتها الأولى ضد الأخيرة، بسبب قضية القس الأمريكي المعتقل أندرو برانسون، ليست أكثر من مجرد «غلوشة» أو محاولة لإبعاد الأنظار عن سياسات أردوغان الفاشلة، وعن القرارات المتخبطة وغير المدروسة التي يتخذها صهره ووزير ماليته.

الإشارة هنا مهمة إلى أن تركيا التي زعم رئيسها أنها «لم ولن ترضخ»، سبق أفرجت عن صحفي ألماني تركي، بمجرد أن طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وأطلقت سراح مواطنين فرنسيين بعد أن طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. كما أفرجت أيضًا عن جنديين يونانيين. وكل هؤلاء كانوا يواجهون اتهامات، لا تقل خطورتها عن الاتهامات الموجهة إلى القس الأمريكي، الأمر الذي يجعل كلام أردوغان عن عدم الرضوخ، ليس أكثر من محاولة لإطالة أمد الأزمة الدبلوماسية، المفتعلة، حتى يخفي أو «يغلوش» بها فشل سياساته الاقتصادية، كما سبق أن أوضحنا في مقال «براءة العقوبات الأمريكية من دم الليرة التركية». وكما أكد أيضًا كمال كيليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري.

المعارض التركي البارز، قال إن ما يقوم به أردوغان «محاولة لإخفاء الفشل الاقتصادي بتقديم قضية القس الأمريكي كذريعة للأزمة»، موضحًا أن الرئيس التركي لم يتخذ الإجراءات الضرورية لوقف انهيار العملة المحلية، ومؤكدًا أن الجميع كان يتوقع أن تؤدي مصاعب الاقتصاد التركي إلى صعود الدولار، وأن أردوغان «قرر الذهاب إلى انتخابات مبكرة حتى يحمي نفسه من الوضع الاقتصادي المتردي». وسأل: «هل تعتقدون أن الليرة سترتفع وتحقق مكاسب أمام الدولار لو تم الإفراج عن برونسون؟ هل سيؤدي ذلك إلى انخفاض الديون التركية؟»، ثم أجاب: بالطبع لا، لأن تركيا تحتاج إلى إجراءات جدية حتى تخرج من الأزمة، التي سبق أن حذر منها الاقتصاديون وتناولتها الصحافة التركية. مشيرًا إلى أن الديون التي يتوجب على تركيا دفعها في غضون سنة تصل إلى نحو ٢٤٠ مليار دولار، ومؤكدًا أن اقتصاد البلاد يحتاج إلى خطوات هيكلية لا مفر منها.

كل المعادلات المنطقية تقول إن تركيا لن تتمكن من تجاوز أزمتها، أو أزماتها، إلا بقرارات اقتصادية، سياسية، ودبلوماسية متزامنة، لكن مع استسهال أو استهبال «أردوغان» لم يعد أمام الأتراك، شعبًا وسياسيين، أي فرصة «سياسية» لإنقاذ بلدهم من الأزمات المتكررة التي تعيشها داخليًا، أو لفتح صفحة جديدة مع دول العالم، وتحديدًا دول المنطقة. وحال عدم حدوث ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية لن يتمكنوا من تطهير البرلمان ومؤسسة وكرسي الرئاسة، وسيظل أردوغان محكمًا قبضته على السلطة إلى ما لا نهاية، أو حتى يموت ويخلفه مَن يكمل سيناريو السنوات الخمسمائة الذي حاولت جماعة الإخوان تنفيذه في مصر.

بهذا الشكل، لم يعد أمام الأتراك، حتى تنتهي أزماتهم، ويتعافى اقتصادهم، إلا التخلص من أردوغان، قبل أن يقرر بيعهم، كما فعل نادي «جولسبور» التركي، الذي ذكرت شبكة «سي إن إن ترك» أنه باع ١٨ لاعبًا من فريق الشباب، واشترى بثمنهم ١٠ رؤوس من الماعز!.