رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجورنالجي محمد توفيق: وهبت نفسي للصحافة.. عصير الكتب قدمني لأحمد رجب.. وهذه حكايتي مع الخال (حوار)

محمد توفيق والزميل
محمد توفيق والزميل حمدين حجاج

«غوّاص في بحر الصحافة، أجاد نسج خيوطها، وبرع في رسم خطوطها، إذا حاورته حسبته مؤرّخًا ضلَّ طريقه إلى صاحبة الجلالة، أو صحفيًا أَسَرُته ندَّاهة التأريخ، وإن لم يكن هذا أو ذاك، فيكفيه شهادة الكبار في حقّه، عندما اعتبروه الامتداد الحقيقي لمدرسة الموهوبين في الصحافة المصرية».

كاتب صحفي موهوب قلمًا وكلمة، يُعْرف بين أصحاب الجّلالة بموثّق تاريخ الصّحافة، هو محمد توفيق الذي التقته «الدستور» في حوار خاص سرد فيه التفاصيل الخفية التي حامت وأحاطت بالجزء الثاني من كتابه «الملك والكتابة»، والتي حملت عنوان «حب وحرب وحبر»، والتي يرصد خلالها صراع السُّلطة والصحافة في النصف الأول من القرن العشرين.

جبرتي العصر الحديث كشف في حديثه أيضًا عن رحلة «الشهد والدموع»، التي خاضها بعقله وقلمه في رحلة الوصول للقمة، إضافة إلى الحديث عن مشاريعه الصحفية والأدبية المستقبلية ودارت عجلة الحوار.





◘ بدايًة.. كيف استطاع محمد توفيق أن يكون كاتبًا يمتلك قلمًا ذا نَكْهة خاصة؟

○كل النجاحات الأدبية والصحفية التي حققتها في مسيرتي كان للأقدار الدور الأكبر في دفعني تجاهها دون قصد أو تخطيط مُسبق من جانبي، وفي تلك حكاوي وحكايات سأقُصّها عليك لاحقًا.

ثانيًا، منذ أن امتهنت العمل الصحفي كان هدفي هو الإلمام بكافة تفاصيل الصنعة، لذا لم أدع بابًا من أبوابها إلاّ وطرقته، فمثلًا تجدني من القلائل الذين عملوا في الأقسام الصّحفية كالتعليم والحوادث، وصولًا للتصوير والإخراج.

كل هذه العوامل أضافت لي المزيد من الخبرات، وأضفت على كتاباتي الكثير من المهارات الفنية، التي نجحت في توظيفها في مؤلفاتي الخاصة.

◘ تقول إنّ الأقدار لعبت الجزء الأكبر في مسيرتك، فهل هي ذاتها من قادتك للعمل ببلاط صاحبة الجلالة؟

○ لا، فندّاهة العمل الصحفي كانت قد جذبتني وأَسَرتني مبكرًا، ومنذ عامي الجامعي الأول، كنت قد بدأت العمل في العديد من الصحف والمجلات، ووقتها أيضًا بدأت العمل متدربًا في صحيفة «أخبار اليوم».

وأذكر أنه خلال تلك الفترة، نجحت في حصد أحد الجوائز من تلك المؤسسة العريقة، وحينها كنت متواجدًا في مدينة قنا، وكان من الصعب حضور الاحتفال، فتم توفير طائرة خاصة لأجل استلام الجائزة البالغ قيمتها 100 جنيه، قالها ودخل في نوبة من الضحك.

◘ متى حانت اللحظة التي طرق فيها محمد توفيق أبواب مدرسة الاحتراف الصحفي والمهني؟

○ كما قلت لك بدأت العمل مبكرًا في العديد من الصحف، لكن لحظة الميلاد الحقيقية، بدأت خلال أحد الندوات التي نظمتها جامعة قنا، وكان يحاضر خلالها الدكتورة عواطف عبد الرحمن، والدكتور محمد الباز، وكنت أحد المتحدثين خلالها.

وبعد أن فرغت من كلامي وانتهت الندوة، وجدت الدكتور الباز يدعوني للقائه، وعندما التقيته وجدته يعرض علي العمل في صحيفة «صوت الأمة»، وهو ما وافقت عليه في الفور، لتبدأ من حينها رحلتي الصحفية في الدوران بصورة فعلية وحقيقية.

◘ متى بدأ الارتباط الفعلي بينك وبين المُلهم الأكبر في مسيرتك الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي؟

○ منذ أن جَرت في عروقي عشق صاحبة الجلالة، ودائمًا ما كنت حالمًا بأن ألتحق وأتعلم على أيدي مدرسة صحفية، فأنا لدىَّ هوس شخصي بتلك المدارس، ودعني أقُر وأعترف بأن إبراهيم عيسي هو آخر تلك المدارس الصحفية في مصر، وتلك نقطة.

أما النقطة الأخرى، قبل أن أبدأ صفحة العمل مع عيسي، كنت حينها في «صوت الأمة»، وكنت قد أجريت وقتها تحقيقا عن طلبة جامعة الأزهر، وبمجرد نشره، وجدت عيسى يحدثني: « الحلقة الثانية ستكون على صفحات «الدستور»، والتي كان يرأس تحريرها آنذاك، وبالفعل، وافقته فيما طلبه وتم نشر التحقيق على صفحات «الدستور»، ومن هنا بدأت الدخول في مدرسة إبراهيم عيسي.
◘ بالرغم من سنك الصغيرة نسيبًا، لكنك نجحت في اقتحام مجال تأليف الكتب مبكرًا، فكيف بدأت فصول تلك الراوية؟

○ أولًا، أرغب بأن أسجل اعترافي بأن إصداري لكاتبي الأول أيام صلاح جاهين، لم يكن مخططا الصدور في 2009، فقد كنت مقررًا بداخلي على أن يوافق تاريخ صدور أولي مؤلفاتي 2018، لكن ترتيبات الأقدار لم توافق رغباتي، وحدث ما حدث.

وفصول الراوية بدأت عن قمت بإعداد ملف شامل عن جاهين على صفحات «الدستور»، وعندما تم نشره، نجح في أن ينال حينها إشادات جمَّة من أطراف مختلفة، لأجد إبراهيم عيسي يُطالبني وقتها بإصداره في كتاب.

وبالفعل ذهبت أسعي إلي أحد دور النشر، وكانت كل الأمور مُيسرة بصورة كبيرة، وقمنا بتوقيع العقود سويًا، ولم يمض وقتًا طويلًا، إلاّ وكان الكتاب موجودًا في الأسواق، وكانت بمثابة شهادة الميلاد الحقيقية لاسم محمد توفيق داخل أروقة الصحافة وعالم الأدب.

◘ أنت من الصحفيين القلائل الذين صادقوا وكتبوا عن أعلام الفن والصحافة كالخال عبد الرحمن الأبنودي وساحر وساخر الكلمات «أحمد رجب».. كيف لك أن تجمع بين كل هذه الأمور؟

○ محاولات الاجتهاد دائمًا ما تفتح أمامك أبواب ونوافذ قد تُظنها مغلقة بالضبة والمفتاح، فأنا لو أتيحت أمامي فرصة الفخر والتباهي بشيء ما، فالمؤكد أن أواصر الود التي ربطتني بالساخر الكبير أحمد رجب، ستكون أول ما أزهو به.

الأمر ذاته يتكرر أيضا مع الخال، فقد جمعتني به هو الآخر علاقة خاصة، وصل مداها أحيانا لدرجة جعلتنا نتبادل الاتصالات الهاتفية 3 مرات يوميًا، وأذكر أنه عندما قررت أن أعُيد اكتشاف الوجه الآخر لشخصه وجدت نفسي موضوعًا أمام تحدي كبير، لولا أن أعانني الله عليه ما كان ليظهر للنور كتابي عنه.

◘ هل من الممكن أن تسرد قطوفًا من غمار ذلك التحدي؟

○ التحدي في علاقتي مع الأبنودي كان يتجسّد في كونه شخصية على المَشاع، قربه من الجميع ومتاح للكل، وبالتالي ليست هناك أيّة تفاصيل خفية أمامك قد تسبر أغوارها، لأجل استخراج كنوزها، لذلك كان هدفي هو جذبه في اتجاه مغاير فمثلًا طلبت منه أن يقول روايته ورؤيته الخاصة تجاه كوكب الشرق «أم كلثوم» ونزار قباني ويوسف إدريس، وخلال تلك الأحاديث اكتشفت الثراء الكبير في عالم الخال، لدرجة جعلتني مؤمن بأنه من الشخصيات الصالحة لأن تكون موضوعًا مطلوبًا للنشر في كل زمان ومكان، وخلال مرحلة متقدمة من عمري لا استبعد إصدار مؤلف جديد يتناول سيرة مختلفة عن جوهرة الصّعيد الجّواني.

◘ هذا عن «الأبنودي»، فماذا عن علاقتك بالكاتب الساخر أحمد رجب؟

○ علاقتي بأحمد رجب بدأت وقت استضافتي في برنامج «عصير الكتب»، الذي كان يقدمه بلال فضل على أحد الفضائيات، وعندما سألني عن مشروعي القادم، أخبرته بأنني بصدد إعداد كتاب عن صاحب 12 كلمة الأخبار الساخر الكبير أحمد رجب، لكنني علقت ذلك على شرط موافقته.

وحينها لعب «فضل» دور همزة الوصل بيني وبينه، قبل أن يفاجئني «رجب» باتصال شخصي، في مفاجئة ألجمت لساني وجسدي وسلبت عقلي، وحدد لي موعدي لمقابلته في مكتبه بـ6 شارع الصحافة، حيث مقر صحيفة «أخبار اليوم» الأسبوعيّة.

يضيف توفيق كانت الرهبة قد تملكت مني بصورة كبيرة أثناء ذهابي للقائه، وامتد اللقاء بيننا لما يقارب ساعة ونصف، اطلع خلالها على الكتاب، ووجدته يخبرني بموافقته، وكان ذلك بمثابة سطر جديد في حياتي الصحفية.

◘ كيف استقبلت الأوساط الثقافية والصحفية كتابك عن الساخر الكبير أو الظاهرة نادرة التكرار؟

○ وجدت ترحيبًا وتقديرًا لم أرَ مثله في حياتي، وأذكر أنه خلال ذلك العام فاز أحمد رجب بجائزة الصحافة العربية، واختارني هو لاستلام الجائزة بدلًا عنه.

وعلى مدار ثلاثة أيام قضيتها في دبي، يمكنني القول بإنني عشت ليال وأيام من ألف ليلة وليلة، فما زال صدى الإشادات بذلك الكتاب يتردد في أذني، فلا يمكن لقلبي وعقلي أن يتناسى مديح الكبيرين سمير عطا الله وجهاد الخازن.

◘بعيدًا عن ذكريات الخال وجلسات أحمد رجب.. هل محمد توفيق صحفي جذبته ندّاهة التاريخ أم مؤرخ ضلَّ طريقه إلى صاحبة الجلالة؟

○ دون تفكير أجاب: أنا صحفي، وفخور بأني صحفي، ودائمًا ما أقول بأنني وهبت نفسي للصحافة، ولن أكون بعشقها شقيا؛ فهذه المهنة بحق صاحبة جلالة، وتأثيرها الإيجابي في تاريخ الدولة المصرية إن لم يكن في المرتبة الأولي، فالمؤكد أنها ستحتل المرتبة الثانية وبجدارة، فهي مهنة مقدسة لكننا، فقط، مَن أهانها.

◘ كيف صاغ عقلك فكرة تقديم تاريخ الصحافة في صورة كتاب يحمل «الملك والكتابة»؟

○ فكرة الملك والكتابة ليست مجرد مشروع راودتني فكرته أمس ونفذته اليوم، بل هو حلم قديم بدأته منذ 2002 وقت دراستي بالجامعة، وهناك فقرات كاملة قمت بصياغتها حينها.

وعندما بدأت في تسطير صفحات ذلك الكتاب كان هدفي وقتها هو محاولة البحث عن قصة الجلالة، فأنا أمتلك شغف قد يصل لحد الجنون بذلك الأمر، وهو ما يجعلني أبذل من الجهد دائما أضعاف ما أستطيع.

◘ من أين يأتي محمد توفيق بذلك الأرشيف الضخم والثري الذي يُشكّل المادة الخصبة لكتاباته؟

○ فكرة اقتنائي للأرشيف سيطرت على شخصي منذ العام الأول لدراستي الجامعية، وجعلتني أتردد بصورة منتظمة على دار الكتب ومكتبة الإسكندرية وسور الأزبكية، ونجحت خلال تلك الزيارات في اقتناء جواهر نفيسة لا تقدّر بثمن، فأنا أمتلك أعداد أصلية من مجلة «ألف صنف» لبديع خيري، ومذكرات اللورد كرومر، والنسخة الأصلية لكتاب جورجي زيدان تاريخ مصر الحديث.
◘ لكن لماذا اخترت أن يكون عنوان الجزء الثاني من الكتاب «حُب وحبر وحرب» بدلًا من اسم «الملك والكتابة»؟

○ لسببين؛ أولاهما عائد إلي الرغبة في عدم وقوع القارئ في فخ التكرار، والثاني نابع من كون اسم «حُب وحبر وحرب» اختيار مُعبر عن علاقتي بالصحافة، فهذا العنوان يُمثل شُجوني وجنوني واشتباكي الدائم مع صاحبة الجلالة.

◘ تُرى.. ما هو أوجه الاختلاف بين الجزء الأول والثاني من كتابك؟

○ الجزء الأول هو جزء النجوم اللامعة، بينما الجزء الثاني هو جزء النجوم المجهولة.

◘ ولماذا اخترت أن تقول للعمل الصحفي اليومي هذا فراق بيني وبينك؟

○ طبيعة عملي الآن لم تعد تناسب العمل الصحفي اليومي فأنا مقتنع بأن صناعة الصحافة ماتت، وإن كان مازال هناك أمل في الصنعة، شغفي الدائم بالكتابة أصبح أكبر من شئ آخر، فالكتابة بالنسبة لي هي عبارة عن جنة المأوي التي أنعم في رحابها، وربما لهذا السبب رفضت أن أكون رئيسًا للتحرير، باعتبارها عمل مهلك، يأخذ من الكاتب أكثر مما يُعطيه، ودائما ما اعتبرها «شغلانة» مؤقتة ولو طالت.

◘ لو طلبت منك وضع تعريف لمعني «الكاتب الحق» ماذا تقول؟

○ الكاتب لا بدّ وأن يكون مُجيدا للكتابة، وفي الوقت ذاته قادرًا على إضافة معلومة جديدة للقارئ، وعدا ذلك يصبح وجوده في الدنيا «غلط»!

◘ تقول إن صناعة الصحف ماتت.. هل تستطيع أن تشير بأصابعك إلى الجّاني؟

○ أسباب تراجع الصحافة عائد إلي بعض الظروف السياسية، وتضاؤل مناخ الحريات بجانب افتقادها للكفاءات القادرة على الابتكار، إضافة إلى عدم التعامل معها باعتبارها صناعة تُدر ربحًا على أصحابها وصحفيها كان من العوامل المؤثرة، التي أوردتها المهالك.

◘ هل يوجد أمل في إخراج صاحبة الجلالة من عثرتها أم نستعد لتشييعها إلى مثواها الأخير؟

○ ما زال نهر الأمل يجري في شريان صاحبة الجلالة، لكن ذلك معقود على رغبة أبنائها في تطويرها، ولتكن البداية من عند صحفيي التحقيقات، فهم دون غيرهم الأقدر على تقديم محتوي مختلف ورائق، يُزيد من جلال المهنة ورونقها، إضافة إلى ذلك فلا بدّ من الاعتماد على اقتصاديات إدارة الصحف، مثل التوجه نحو الاشتراكات، ودعم فكرة الصحف المتخصصة التي تخاطب شرائح معينة من الجمهور.

◘ باعتبار أنك ضربت بقلمك في جذور الصحافة المصرية قديمها وحديثها.. فمَن هو أستاذ الصحافة المصرية الأعظم؟

○ محمد التابعي هو الكاتب الصحفي المصري الأعظم، فهو أبو الصحافة المصرية وأستاذ الأساتذة، بينما يبقي الأستاذ هيكل أعظم صحفي فرد في تاريخ الصحافة المصرية.

◘ هل مشروعك الأدبي القادم سيكون عبارة عن الجزء الثالث من ملحمة «الملك والكتابة»؟

○ لا، كتابي القادم سيكون مذكرات تحية كاريوكا، والتي نجحت في العثور عليها في حق حصري يختص به محمد توفيق، بينما سيتم تأجيل الأجزاء الباقية من الملك والكتابة إلى حين الوقت المعلوم.

◘ مَنْ هي الشخصية الذي يحلم محمد توفيق بإعادة تقديمها واكتشافها من جديد؟

○ إحسان عبد القدوس، فهو الصحفي الذي لم يُكتشف بعد ولدىَّ مشروع عنه يحمل عنوان «إحسان 54» أتمني تقديمه الفترة المقبلة.

◘ أخيرًا.. ما هي أمنية صاحب «الملك والكتابة» لصاحبة الجلالة خلال الفترة المقبلة؟

○ أتمنى أن تعود صاحبة الجلالة قائدة لا مُنقادة، فما تمر به الصحافة الآن من أزمات عاصفة سبق وأن تجرّعت مثله من قبل، فقط، على الجميع البدء في تطوير أدواتهم المهنية والصحفية، فالصحافة بشقيها الورقي والرقمي مطالبة بخوض مغامرة التطوير، وعلى عاتق أبنائها تقع المسئولية الأكبر، فإرادة الصحفي هي مَن تصنعه ولا شئ آخر.