رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين دعم المجرم وعقاب المجنى عليه


لا شك أن متخذ القرار فى الوقت الحالى يجد نفسه فى ظروف أقل ما يقال عنها إنها معاكسة للمنطق والعقل، وإذا كان هذا ليس غريبًا على السياسة، فإنه فى زمننا الحالى بعيد عن أى منطق، ولا شك أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب تجعل الأمر أكثر صعوبة بقراراتها الهوجاء، وكان توقيع الرئيس الأمريكى على القانون الخاص بالميزانية مثالًا واضحًا لذلك.
الرئيس الأمريكى لم يكتف برفع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية إلى ما فوق السبعمائة بليون دولار وهو أعلى رقم لهذه الميزانية فى تاريخها، بل إنه أضاف إليها رفع المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى ما قارب أربعة بلايين دولار فى السنة خاصة بإضافة مائة مليون دولار قيمة مساهمة الولايات المتحدة فى مشروع تطوير نظم الدفاع الصاروخى الإسرائيلية «القبة الحديدية» «وأرو ٣».
والعجيب فى ذلك، أن تأتى الزيادة فى وقت ترتكب فيه إسرائيل الجرائم بالجملة وتقتل من الفلسطينيين بالمئات ويستنكره العالم باستثناء الولايات المتحدة، التى لم تستنكر ولم تبد أى رد فعل يمكن تفسيره بأن الولايات المتحدة تحترم القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، كما تتفهم الرأى العام العالمى، وتقدر ما صدر عن مجموعة الدول التى أدانت الإجرام الصهيونى حيال الشعب الفلسطينى. وقد كان يمكن لإدارة ترامب أن تراجع مواقف اتخذتها الإدارة الأمريكية فى أوقات سابقة حينما امتنعت إدارة رونالد ريجان عن تمويل مشروع الطائرة الإسرائيلية «لافى»، وكذا حينما امتنعت إدارة أوباما عن استخدام حق النقض ضد قرار يدين الاستيطان الإسرائيلى.
يأتى التصرف الأمريكى والتصرفات الإسرائيلية فى زمن مضطرب حيث تتفكك الروابط داخل حلف شمال الأطلنطى وتخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، بينما تعيش جامعة الدول العربية ظروفًا تهدد وجودها كما تهدد وجود شعوبها، نتيجة لما أصابها على أيدى العصابات الإرهابية، ولا تلتزم بالتشاور فيما بينها قبل اتخاذ الإجراءات التى يمكن أن تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا وهو المطلب الذى يؤدى إلى ما سبق أن خطته ووافقت عليه الدول العربية حينما وقعت على معاهدة الدفاع المشترك باعتبار أن أى اعتداء على دولة عربية يعتبر اعتداءً على الدول العربية كلها. وهكذا نجد مواقف الدول العربية حيال الأزمات فى سوريا وفى ليبيا وفى اليمن مختلفة وهى كذلك بالنسبة لإيران وكانت كذلك فى أزمة العراق. وكان الله فى عون الأمين العام لجامعة الدول العربية الذى يعتبر مسئولًا عن العمل على استعادة التضامن العربى وتوحيد الصف العربى إزاء المواقف المختلفة.
هنا لا بد من العودة إلى الموقف فى فلسطين، حيث يتعرض الشعب الفلسطينى لجرائم من قوات الاحتلال الإسرائيلى، ويصبح الدعم الأمريكى لقوات الاحتلال الإسرائيلى اشتراكًا فى الجريمة، وتصبح دعوة الولايات المتحدة لأن تتخذ موقفًا عادلًا يدين المجرم والجريمة واجبًا على كل ذى عينين، لكن الظروف الحالية تجعل من تحقيق الواجب والالتزام بالقانون أمرًا ضروريًا، ويتطلب دعمًا للشعب الفلسطينى المجنى عليه وإدانة سلطات الاحتلال الصهيونى، بل يتطلب أن يكون الدعم للشعب الفلسطينى على أعلى درجة ممكنة لكن الموقف الأمريكى فى الظروف الحالية يجعل من القيام بهذا الواجب مخاطرة تتطلب الاستعداد لها، خاصة أن الموقف الدولى لا يجد عنصرًا موازنًا للموقف الأمريكى فرغم أن روسيا تتخذ موقفًا معاكسًا للموقف الأمريكى إلا أن روسيا الاتحادية تختلف عن الاتحاد السوفييتى السابق وردود فعلها مختلفة وأقل قوة من المواقف السوفييتية، كما أن الموقف العربى المتفرق يجعل هذا الدعم نوعًا من المخاطرة غير المحسوبة، أما الموقف الداخلى ومشروعات التنمية فتتطلب أكبر قدر من التهدئة، وتنذر بخسائر كبيرة فى حال التوتر وعدم الاستقرار وهى عوامل كلها تساعد العدو الصهيونى وتشكل ضغطًا على صاحب القرار العربى عموما- إذا كان هناك قرار عربى- والقرار المصرى بصفة خاصة باعتبار أن مصر تمثل الركيزة التى يمكن أن يستند إليها قرار عربى ويكفى أن نتذكر أن نغمة الأمن القومى العربى عادت إلى الأذهان أثناء زيارة الرئيس اليمنى لمصر، حيث لم يكن الخطاب الإسلامى مناسبًا لمواجهة الموقف باعتبار أن إيران دولة إسلامية هى الأخرى.
هكذا يمكن القول إننا فى الظروف الحالية يجب أن يكون لنا موقف يدعم الشعب الفلسطينى المجنى عليه فى مواجهة قوات الاحتلال فى حدود ما تسمح به القوة، وهذا يتطلب موقفًا داخليًا موحدًا، والعمل على استعادة التضامن العربى قدر الإمكان، وبناء القوة الذاتية على نحو يمكننا من القيام بدعم الشعب الفسطينى، وأن نعمل بالتعاون مع آخرين على تشكيل موقف عالمى مدعم للحق والعدل والقانون.