رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقد حان وقت الإصلاح الكنسى


الكنيسة المصرية مؤسسة تاريخية مصرية وطنية، والدور الوطنى للكنيسة لا علاقة له ولا تداخل بينه وبين دورها الدعوى والروحى أو السياسى.. وما ينسحب على مصر والمصريين طوال التاريخ من حوادث وأحداث ومتغيرات تؤثر على المصريين فهى أيضًا تؤثر على الكنيسة، باعتبار أنها جماعة المؤمنين من المصريين المسيحيين.
الكنيسة هى البشر قبل الحجر، ولما كان البشر، أيًا كانوا، لا يملكون الحقيقة المطلقة، فالبشر كلهم فى الموازين مهما كانت درجة إيمانهم وقدرتهم الروحية، ولكن هم بشر، أعمالهم وأقوالهم تخضع للصواب وللخطأ، كما أن الأقوال والأفعال والتفسير تتأثر بالمكان والزمان وبكل المعطيات الاجتماعية والثقافية لكل مرحلة زمنية.
نعم النص الإنجيلى لا يتغير، وهو النص الإلهى، ولكن تفسير البشر لهذا النص هو الذى يتغير ويختلف بين جماعة وأخرى، وإلا ما كانت هناك طوائف وملل فى كل دين، مع العلم أن كل طائفة أو جماعة تعتقد بصحيح نظرتها وصحيح تفسيرها، وهذا يعنى أنه من الطبيعى أن تشاهد الكنيسة وأن يسجل التاريخ كثيرًا من ظهور بدع وهرطقات وتفسيرات ترفض وأخرى تقبل، أن نرى قيادات كنسية كبيرة تبتعد عن الإيمان الصحيح. ولذلك تصبح مهمة المجامع القيادية للكنيسة هى المنوط بها حماية الإيمان الصحيح دون تجمد، والتمسك بالتراث والموروث دون تكلس.. وفى إطار معرفة الواقع ودراسة المتغيرات العصرية التى تسارع إيقاعها بشكل تصعب معه الملاحقة. ولذلك وبالرغم من وجود هذه الأخطاء وتلك الهرطقات لم تسقط الكنيسة ولن تسقط، كما أنه لم تؤثر هذه الممارسات على المسيحية، فالدين هو الحجة على من يؤمن به وليس العكس، مهما كان موقع هذا المؤمن وقدرته وشخصيته، كما أن الحديث عن الكنيسة، خاصة بعد حادثة مقتل رئيس دير أبومقار لا يخص المسيحيين فقط، خاصة عندما لا يخص العقيدة والإيمان المسيحى، فهو يصبح شأنًا عامًا مصريًا يخص الجميع، حيث سيؤثر على الرأى العام المصرى، ويشكل نوعًا من الفكر الدينى الذى يسعى الجميع إلى تصحيحه، هذا الفكر الذى يشكل شخصية ووجدان المصرى أيًا كان دينه، الشىء الذى يؤثر بشكل مباشر فى العلاقة بين المصريين وبالتالى يؤثر فى الشأن العام الوطنى والمصرى، ولذا فلا خجل ولا مداراة ولا مداورة لقضية القتل.. فالراهب بشر ليس معصومًا من الخطأ، والحادثة، وغيرها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وليس المقصود القتل، ولكن المقصود تلك الممارسات البشرية الضعيفة التى لا تليق بالمكانة وبالمكان الذى يجب أن يكون مقدسًا وقدوة للآخرين، ولذا وعلى ذلك كانت قرارات البابا لإصلاح الحياة الديرية والرهبانية، وهذا يعنى أنه قد أصبح الآن هناك نوعًا من الشفافية وعدم التستر أو تجميل الصورة غير الجميلة، تصورًا أن هذا فى صالح الكنيسة، ولكن السكوت على الخطأ خطيئة ولا يصح غير الصحيح.. وليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو الشرير.فبعد إعلان قرار الاتهام، قد أصبحت الأمور تستحق وقفة حقيقية لمواجهة هذا الخلل الذى تراكم من سنين وسنين، ونحن نتعامل معه بأسلوب التستر، وبمقولة لا تنشر غسيلنا الوسخ. ونحن لا ندرى أن عدم نشر هذا الغسيل ستنسحب وساخته على كثير من الأشخاص والممارسات والمواقع، بما لا يليق بجلال وقدسية الكنيسة ورجالها.
وما حدث وما تعنيه القرارات الـ١٢ يعنى أن هناك خللًا تراكم وزاد، ولا بد من المواجهة، حفاظًا على الكنيسة، وهذا هو دور البابا والمجمع. نعم الرهبنة اختيار شخصى ودستورها وضعه الرهبان لأنفسهم، ولكن كان هذا فى زمن وظروف غير هذا الزمان وهذه الظروف. فهل وضع الأديرة والرهبنة الآن بكل ما وصلت إليه من إيجابيات وسلبيات هى ذات الرهبنة أيام تأسيس أنطونيوس لها؟.. لا بالطبع لأسباب كثيرة معروفة وعددناها كثيرًا كنوع من التقييم للإصلاح وليس للتشهير، كما يتصور البعض من المعترضين والمتسترين. هنا وجب الإصلاح الكنسى. وهنا نريد أن نفرق بين تعبير الإصلاح الكنسى الذى ارتبط بالحركة اللوثرية ١٥١٦، وبين ما نقصد من إصلاح، تأكيدًا للحفاظ على الكنيسة وعقيدتها بعيدًا عن سلوكيات البشر الضعفاء أيًّا كانت مواقعهم. والإصلاح يعنى إعادة الالتزام والبُعد عن الانحراف بالإيمان مع عدم الاستبداد بالرأى، ولكن بالحوار والإقناع والتعليم، كما أن الإصلاح لا يعنى الإيمان فقط، ولكن هل سلوكيات البشر الخاطئة لا تؤثر على الإيمان فى إطار الممارسة والقدوة؟.. هل الانحراف السلوكى والمالى لراهب أو كاهن لا يؤثر على إيمان المسيحى وعلى صورة الكنيسة ويهز مبدأ القدوة؟. لذلك نعتبر ما حدث وما اتُخذ من قرارات فرصة مهمة للبابا أن يقوم بهذه العملية، بل الثورة، إذا جاز التعبير، للتصحيح وفى كل المجالات. وهذا الإصلاح متعدد الأوجه، فالجانب المالى الآن وبعد المتغيرات الكبيرة جدًا أو بعد دور المهجر المالى للكنيسة وسفر كل الأساقفة لجمع المال، كلٌ على رأسه ولا علاقة لأحد معه، لا الكنيسة ولا الشعب فى سابقة لم تحدث فى تاريخ الكنيسة. وبعد اتجاه الكنائس والأديرة إلى امتلاك آلاف الأفدنة وامتلاك المشروعات الاقتصادية التى تدر أرباحًا بلا حساب ولا مراقبة حقيقية، فالإيبارشيات جزر معزولة لا حساب مع الأسقف. هناك مزارع لكل إيبارشية، حتى تصورنا أن الكنيسة الآن قد أصبح من مهامها جمع المال الذى هو أصل لكل الشرور. فلماذا لا يكون هناك نظام مالى مركزى للأديرة والكنائس، خاصة أن الرهبان والأساقفة وهم رهبان قد ماتوا عن العالم وقد اختاروا الفقر الاختيارى؟ لماذا لا تنفق هذه الأموال فى إقامة مشروعات خدمية وليست ربحية تقدم خدماتها لكل البشر بعيدًا عن الدين؟ لماذا لا يكون هناك دور خدمى واجتماعى للكنيسة بانفتاح مثل الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية؟.. وهل المستشفيات الخمس نجوم والمدارس الأجنبية التى تقيمها بعض الإيبارشيات تخدم الفقراء الذين هم جوهر المسيحية التى دعت إلى خدمتهم؟ الأمر ليس سهلًا، خاصة أنه يوجد شبه انقسام لا نتجاهله بين مدارس تُنسب إلى أشخاص وليس إلى الكنيسة، الشىء الذى يصّعب من مهمة البابا. خاصة أن المجمع هم الأساقفة الذين يملكون هذه المشروعات. الكنيسة شأن عام والحفاظ عليها يهم كل المصريين. وعلى البابا أن يعتمد على الله ويقوم بالإصلاح، فهذا دوره الروحى والتاريخى.