رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا شيرى كونى مثل صفاء




الفارق ما بين صفاء وشيرى كالفارق ما بين بلقيس ملكة سبأ ومريم المجدلية.. نعم المال زينة الحياة الدنيا، لكنه غواية فعندما تتقدم الأموال على باقى الرغبات والأهداف تتراجع وتتقهقر أشياء أجل للوراء وتعود للمؤخرة ‏بل لخلف الخلف وإن جملت باسم الحب والشعور بالأنوثة أو ما يدعون أنها حمية الذكر الحر والغيرة على أهل البيت!.‏
هذا ما لم تفعله ولم ترضخ أو تنبطح له صفاء أبوالسعود وأغلب بنات جيلها فعندما تقدم للزواج منها الرجل الثرى.. هى من أملت عليه شروطها- أو بعبارة أدق- أرست معه قواعد لحياتهما المستقبلية، وكانت أول قاعدة ‏‏«أن تبقى كما هى» تغنى وتمرح وتجوب البلدان وتقف أمام الكاميرات لا وراءها ولا تجلس فقط على كرسى الإدارة بل تبدع وتشدو كما كانت وستظل رغم أن زوجها كان- وما زال- هو «الشيخ صالح كامل» الذى ‏أسس فى عهد ليس ببعيد قناة أطلق عليها اسم «اقرأ» فى حين أن من يشاهدها كان يستمع فقط لآراء الدعاة فيها بوصفها حقائق ومسلمات بل بديهيات! ترفع أمامها الأقلام وتجف الصحف! هذا أيضًا ما فعلته الفنانة الراحلة ‏صباح التى تزوجت من الإعلامى الإسلامى أحمد فراج وما فعلته إسعاد يونس وعفاف شعيب وميرفت أمين وشيريهان- التى أعاقها المرض فقط عن استكمال مسيرتها لا زوجها العربى شديد الثراء والذى لم يشترِ منها ‏شهرتها بل ثمّنها وتركها كما هى تفعل ما تريد، ولم يضعها خلف أسوار قصره قعيدة لخبائها بلا حول ولا طول. كلهن تزوجن ودخلن فى زيجات ناجحة طويلة استمرت دون أن تؤثر على مشوارهن الإبداعى أو قناعاتهن ‏أو منظومة القيم التى شكلتهن وشكلنها لأنفسهن.. فكان الزوج يمنح المال دون قيد أو شرط ودون أن يقايض شريكته، ويجعلها تختار ما بين الزواج والحجاب أو الفن المشروط.‏
صمود ومنظومة قيم غالبية ذلك الجيل سرعان ما تكسرت على يد جيل جاء بعد ذلك، واستطاعت الأموال وأحيانًا عمليات غسل المخ الممنهجة ابتزازه ومساومته على طريقة «إما أو» فسقطت الفنانة الشابة «حلا ‏شيحة» فى تلك الخية الماكرة وغسل عقلها بالكامل من قبل زوجها السلفى وأصدقائه وعشيرته حتى أفاقت أخيرًا بعد عزلة سنوات، ورحب بعودتها المتنورون، فى حين نظمت ميليشيات السلفيين والأصوليين بكائيات على ‏مواقع التواصل الاجتماعى تطالب حلا بالعودة لأحضانهم بوصفها أحضان الدين والصلاح والفلاح على طريقة «عودى يا لميس»! وقبلها أو فى توقيت متقارب تحجبت واعتزلت حنان ترك ثم عادت ثم تختفى وتعود ‏وتجرب وهكذا دواليك بعد حياة متشظية.. مليئة بالأحداث السيكوباتية والدرامية فاهتزت حنان فكريًا ونفسيًا وما زالت.. فهشاشة روحها وبنيانها الثقافى المحدود جعلاها لا تصمد، ولم تتحمل إكمال المسير ما جعلها تراوح ‏بين محطات عدة فى حياتها وتتنقل ولم تستقر بعد، واعتزلت بالكامل «جيهان نصر» بعد أن قطعت شوطًا كبيرًا، وحققت نجومية وشهرة٫ ما حدث يمكن تفسيره بالحافز المادى، فالمال الكثير يستطيع أن يشترى الكثير.. ‏تستطيع بالمال شراء الشوارع والجزر والنوادى الرياضية والأشخاص والذمم والولاءات، وتستطيع أيضًا تمرير الأيديولوجيات والخطط بل تشعل حروبًا- إن أردت- وتذكى صراعات وتؤجج خلافات وتختلق قضايا ‏للإلهاء، ويمكنك أيضًا تجميد نجاح هذا وإخراس ذاك كى يعلو صوت هذا على ذاك، ويصبح المشهد مليئًا بحالات الصدام والتشظى فى شتى الاتجاهات المعاكسة وعندما يسكب هذا من ماله.. يضطر ذاك لوضع أضعاف ‏ما وضع الأول ليربح المجال ويفرغه من غيره ليستمر وحيدًا، ويكون هو المسيطر والصوت الأوحد.‏
وتشترك دول فى تلك المبارزة والمصارعة الحرة الخالية فعليًا من أى ضوابط أو محاذير أو أخلاقيات، وبالطبع لا سقف لها سوى السقف المحدد لها سلفًا فتلمع أسماء لم نكن نسمع عنها من قبل وتختفى أخرى وتقوض ‏أصوات ثالثة وهكذا دواليك.. وبمرور الوقت تفقد مصر من رصيدها الكثير.. فقد ضربوها فى قواها الناعمة وما زالوا يفعلون! ضرب مصر لن يكون بالسلاح ولا بالقنابل.. إسقاط مصر يتطلب إسقاط قواها الناعمة. ما نظنه ‏تافهًا ثانويًا هو بيت القصيد، وهو الذى يجب حمايته والدفاع عنه ضد من يريد سلبه أو تحطيمه أو إخراسه.. الفن والثقافة والرياضة لم تعد ترفًا أو رفاهية وأصحابها لم يعودوا مجرد دمى، ولم يكونوا أبدًا كذلك رغم سطحية ‏وغبن النظرة لهم دومًا.. ما تظنهم دمى هم أقوياء وبأسهم وتأثيرهم شديد أكثر فى قوته وشدته ومفعوله مما تظن.‏
الحروب لم تعد فى ساحات القتال، الحروب أصبحت الآن على الشاشات، الحروب تستهدف الآن العقول وتفسد البصائر والضمائر وتخنق الأرواح، حروب اليوم أصبحت أكثر تعقيدًا ومكرًا وخبثًا مما نظن، وبالفعل ‏نعيش اليوم حروبًا على أكثر من صعيد، مصر تُحارِب وتُحارَب، ولتنتصر يجب الحفاظ على قواها الناعمة، فبالنعومة سننتصر على سموم الأفاعى والحواة المدربين على حمل الثعابين.‏
رسالة أوجهها من هنا إلى كل «شيرى» فى هذا الزمان الردىء: كونى مثل فاتن وميرفت ونجلاء وبوسى وهند، كونى مثل صفاء ولا تكررى مأساة «حلا شيحة» و«فضل شاكر» و«شمس البارودى» و«هناء ‏ثروت» و«نسرين» و«حنان ترك».. استوعبى الدرس جيدًا واستخلصى العبر واحترسى.. ولا تكونى مثل «جيهان».‏