رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابن ذوات.. عمر خيرت يجيب عن السؤال: لماذا تزوجت 5 مرات؟

عمر خيرت
عمر خيرت

حجز بموهبته الحقيقية وإحساسه المرهف وفنه العظيم مكانًا فى تاريخ مصر الثقافى، بدأ رحلته مع الموسيقى منذ نصف قرن تقريبًا، وصعد سلم النجاح والشهرة بسهولة ويسر، كأنه يتنقل بأريحية كبيرة بين السلالم الموسيقية، ليعزف لنا لحنًا لا يجيد عزفه سواه، ويقدم أمامنا أوركسترا لا تستجيب لحركات غيره، إنه الموسيقار الفذ، عمر خيرت.
وما بين البداية عازفا على «الدرامز» فى فرقة «القطط الصغيرة»، وتحوله إلى أشهر موسيقار فى منطقة الشرق الأوسط ومن بين الأفضل فى العالم، شهدت حياة عمر خيرت كثيرًا من الأسرار والحكايات تلقى «الدستور» الضوء عليها فيما يلى.

صالون عائلته استضاف أول لقاء يجمع بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب
ولد الموسيقار الكبير فى ٣٠ شارع «خيرت» بمنطقة السيدة زينب عام ١٩٤٨، لعائلة فنية رائدة فى الثقافة والأدب والعلوم، أبرز أفرادها جده محمود خيرت، الذى كان يعمل رسامًا وموسيقيًا ونحاتًا وشاعرًا وأديبًا ومترجمًا ومحاميًا وسكرتيرًا بمجلس الشيوخ فى عهد سعد زغلول.
كان «خيرت» الكبير يعقد أسبوعيًا فى منزله صالونًا يجمع رموز الفن والثقافة فى ذلك العصر، أمثال فنان الشعب سيد درويش ومحمود مختار والمنفلوطى، واستضاف هذا الصالون أول لقاء يجمع بين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وهما فى مرحلة الشباب، حيث غنا معًا أوبريت «العشرة الطيبة».
ويعتقد كثيرون أن شارع «خيرت» سمى بهذا الاسم نسبة إلى عمر نفسه، بعد نجاحه اللافت كموسيقار، إلا أن الحقيقة هى أن سبب تسمية الشارع بهذا الاسم يرجع إلى الجد الأكبر للعائلة، عبيدالله خيرت، الذى كان يعمل نحاتا وخطاطا، واشتهر بسرعة تخطيطه على الأختام.
وفى عهد الخديو توفيق، طلب منه أن ينحت «زراير بدل» ضباط الجيش المصنوعة من الذهب الخالص، ويكتب عليها اسم الخديو، وبالفعل انتهى من عملها فى وقت قياسى، وذهب إلى القصر وأعطى للخديو «الزراير» وبقايا الحفر، فأعجب «توفيق» بأمانته، وأهداه منطقة «بركة الفيل» بالسيدة زينب، التى تبدأ من مستشفى الحوض المرصود حتى شارع خيرت بالمبتديان. عمر خيرت له ٣ أعمام، حيث أنجب جده ٤ أبناء، هم: أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلى «والده»، واختار هذه الأسماء تيمنًا بالخلفاء الراشدين، وغرس فيهم حب العلم والفن منذ الصغر، وأهداه الملك فاروق شهادة «البكوية».
ويمثل عمه أبوبكر خيرت عبقرية خاصة، جمعت ما بين الهندسة والموسيقى، وكان أول مؤلفاته وهو فى عمر الـ١٠ سنوات، عبارة عن مقطوعة بيانو، استخدم فيها العلوم الموسيقية، حتى إن إحدى الصحف وقتها نشرت عنه مقالا بعنوان «مولد موتسارت عربى جديد». وبالإضافة إلى ذلك فهو مهندس معمارى، حصل على شهادته وكان الأول على دفعته عام ١٩٣٠، وبعدها انتقل إلى باريس، وهناك حصل على بعثة لدراسة الهندسة المعمارية وتخطيط المدن، وبعد عودته صمم مبنى جامعة الملك فاروق «جامعة القاهرة حاليًا»، ومبنى أكاديمية الفنون بأكمله، وكان عميد معهد «الكونسرفتوار»، وأول عربى يؤلف سيمفونيات يستمع إليها العالم. أما عمه الآخر عمر، الذى سمى على اسمه، فكان أستاذا فى علم البكتيريا، وله اكتشافات عالمية فى مجال الميكروبات، وكان يعمل مع ألكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين، علاوة على نبوغه فى مجال التصوير الفوتوغرافى، وكان من ضمن الفنانين العشرة الدائمين فى «صالون لندن».
والده «على خيرت» كان مهندسا معماريا متخصصا فى العِمارة الإسلامية وبناء المساجد، وأيضا عازفا للبيانو، ودائمًا ما كان يصطحب نجله «عمر» وهو فى الخامسة من عمره إلى دار الأوبرا القديمة، لحضور الحفلات الموسيقية.

زامل أبوعوف وشنودة.. فاتن حمامة «وش السعد عليه».. وقدم موسيقى ٢٠٠ عمل فنى
بدأت علاقة «عمر» بالبيانو فى معهد «الكونسرفتوار»، بدفعته الأولى عام ١٩٥٩، وقتما كان عمره ٩ سنوات، وهناك درس العزف على البيانو، على يد البروفيسور الإيطالى «كارو»، إلى جانب دراسته النظريات الموسيقية، وانتقل بعدها لدراسة التأليف الموسيقى فى كلية «ترينتى» بلندن، إلى أن اكتملت ملامح شخصيته الموسيقية المستقلة كمؤلف محترف يصوغ رؤاه الخاصة بجمل موسيقية مميزة، تتسم بالعمق والثراء والتدفق.
وفى يوليو ١٩٦٧، انضم إلى فرقة لى بتى شاه، وترجمتها «القطط الصغيرة»، كعازف «درامز»، والتى كان لها أثر واضح فى مؤلفاته، مثل: «الخادمة» و«رابسودية عربية»، ومن هنا نشأت بينه وبين الفنان عزت أبوعوف علاقة صداقة قوية، لأن الأخير كان زميله فى الفرقة، عازفًا على الأورج، أما باقى الفرقة فتكونت من فريدى رزق وبيرج أندرسيان، كعازفى جيتار، وهانى شنودة على الهاموند، ووجدى فرانسيس وصادق قللينى مغنيين. انضم لهم عمر خورشيد على الجيتار فى فترة من الفترات، وتغير بعض أفراد الفرقة على مدار السنوات، إلى أن انفصلت نهائيا فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، وبعد تكوين فرقة «فور إم»، انضم إليهم عمر خيرت مرة أخرى، ثم اتخذ مسلكا جديدا لنفسه، ليبحر فى عالم موسيقاه الخاص، ولكنه كان دائم التواصل مع عزت أبوعوف، «صديق الكفاح»، كما يطلق عليه. يقول «عمر» إن نقطة التحول فى حياته عندما التقى سيدة الشاشة العربية، الفنانة الراحلة فاتن حمامة: «كانت تربطها علاقة وطيدة بعائلتى، وذات مرة سمعتنى فى إحدى الحفلات الخاصة، وسألتنى: إيه المعزوفة دى؟، وكنت حينها أعزف ارتجالا، فأخبرتها بذلك، فقالت لى: وليه مش بتقدم الأعمال دى فى الدراما أو السينما؟، فأجبتها: مش عارف، حينها طلبت منى خلفية موسيقية لأشعار برنامج (قطرات الندى)، التى كانت تلقيه بصوتها فى الإذاعة المصرية». ويضيف: «شعرت برهبة وسعادة غامرة، والحمد لله كان شيئًا موفقًا جدًا، ومن بعدها طلبت منى موسيقى فيلم (ليلة القبض على فاطمة)، الذى تم عرضه عام ١٩٨٣، ومكنتش مصدق نفسى وقتها، وكانت هى البداية الحقيقية بالنسبة لى، لذلك أعتبر فاتن حمامة (وش السعد) علىّ».
ألّف «خيرت» ووزع الموسيقى التصويرية بعد ذلك لأكثر من ٢٠٠ عمل فنى، منها أفلام: «إعدام ميت، وخلى بالك من عقلك، والإرهابى، والنوم فى العسل، وسكوت ح نصور، والسفارة فى العمارة، وعسل أسود» وغيرها، ومسلسلات: «البخيل وأنا، ويوميات ونيس، والجماعة»، ومسرحيات: «كارمن، وكعب عالى»، وفوازير: «مانستغناش، وجيران الهنا، والحلو ما يكملش».
كما تعاون مع باقة من ألمع نجوم الطرب فى تلحين أغانيهم أمثال محمد منير، وعلى الحجار، وأنغام، وحنان ماضى، وهانى شاكر، ولطيفة.

ابنه عمر درس الإخراج السينمائى.. شيرين تعيش بأمريكا.. وحفيده اسمه آدم
تزوج عمر خيرت ٥ مرات، الأولى كانت وهو ابن ٢٢ عامًا، ولم تستمر سوى عامين، وبالنسبة إليه فإن «تكرار الزواج ضرورى للغاية، فلا غنى عن المرأة فى حياة الرجل، والفنان فى النهاية رجل»، ويضيف: «أنا رجل أسرى، أحب الحياة الأسرية وإخوتى كلهم كذلك، وتربيت وعرفت أهمية الدفء العائلى». وعن سبب انفصاله عن زوجاته الدائم، اعترف بأنه الفن، ويوضح: «زوجاتى يعتبرن الفن ضرتهن، أما أنا فأعتبره حياتى، ودائما ما كنت أتوقع شريكا متفهما لطبيعتى كفنان، حتى يدفعك لأحضان فنك ولا يبعدك عنه، لكن للأسف الست المصرية غيورة بطبعها، وتزداد غيرتها مع الفنان». ويخلص إلى أن «حياة الفنانين والمبدعين الأسرية غير مستقرة دائمًا، وهذا ليس مقصورا على مصر وحدها، فأغلب المبدعين الأجانب يعانون ذلك أيضًا»، مضيفًا: «رغم ذلك سأظل أبحث عن الحب، فأنا أحب الموسيقى، والموسيقى تحب الجمال، والجمال موجود فى السيدات». لدى «عمر» ابن وابنة، هما «عمر» و«شيرين»، وهو على تواصل دائم معهما، كما رزقه الله بحفيد من ابنته اسمه «آدم»، وحاليًا يعيش بمفرده متفرغًا لفنه فقط.
ويتابع: «تزوجت فى السابق من الفنانة جالا فهمى، وأنجبت منها عمر، وهى التى أصرت على اختيار اسمه على اسمى، من كثرة حبها لى، وتخرج منذ فترة فى إحدى الجامعات الخاصة المصرية، ثم سافر لدراسة الإخراج السينمائى فى أستراليا، أما شيرين فتخرجت فى الجامعة الأمريكية، وتعيش حاليًا فى الولايات المتحدة مع زوجها، وتعمل فى مجال التدريس». ويعيش عمر خيرت حاليا فى حى الدقى، وهو دائم الحفاظ على الصلاة ويحرص على سماع القرآن يوميًا قبل النوم، ويحافظ على وزنه ويبتعد عن الدهون والنشويات، وليس لديه وقت فراغ، لكن حينما يتوفر بعض الوقت يسافر إلى الإسكندرية أو الغردقة. واعتاد أيضا لقاء الأوركسترا الخاصة به لإجراء البروفات الموسيقية، خاصة أنه يقيم حفلات شهرية بأسعار رمزية داخل دار الأوبرا المصرية وساقية الصاوى، بالإضافة إلى جولاته المستمرة فى الدول العربية والأوروبية.
ورغم كل هذه السنوات فى عالم البيانو والموسيقى والعزف، إلا أن الرهبة تتملكه كلما صعد إلى المسرح، ودائمًا ما يحرص على قراءة الفاتحة والمعوذتين. يقول: «قبل‭ ‬بداية‭ ‬أى‭ ‬حفلة‭ ‬أفضل‭ ‬أن أكون‭ ‬بمفردى، ‬لأننى ‬أكون (‭‬هايب)‭‬ الجمهور‭ ‬وقلقا، فأنا بصراحة أخاف من أى فشل بعد كل ما قدمه لى الجمهور من حب وتقدير وثقة، فكل حفلة أكون شديد القلق والحرص على النجاح».
ولم تخل حياة عمر خيرت من الأزمات، فحين التحق بمعهد الكونسرفتوار كان عمه أبوبكر خيرت هو عميد المعهد، وتعمد رسوبه فى عام دراسى كامل بسبب خطأ فعله فى أحد الاختبارات. ويوضح: «عزفت مقطوعة موسيقية بشكل جيد جدا، إلا أنها لم تكن من المقرر، فطلبنى فى مكتبه، وطلب منى عزف المقطوعة أمامه، وبالفعل عزفتها مرة أخرى، وبعدها قال لى ممتاز لكن لن تنجح هذا العام، وأعطانى ٥ جنيهات، وعندما سألته لماذا؟ رد عشان أنا عمك وعميد المعهد فى نفس الوقت».