رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. مصطفى العبادى وإحياء مكتبة الإسكندرية


وُلد مصطفى عبدالحميد العبادى بالإسكندرية فى ١٠ أكتوبر ١٩٢٨. ونشأ فى بيت عريق من بيوت العلم، فوالده العالم الجليل والمؤرخ القدير عبدالحميد العبادى، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية وعميد كلية الآداب الأسبق، حصل مصطفى العبادى على ليسانس الآداب من قسم التاريخ جامعة فاروق الأول «الإسكندرية حاليًا» عام ١٩٥١، وحصل على درجة الدكتوراه فى الحضارة اليونانية والرومانية من جامعة «كمبريدج» الإنجليزية عام ١٩٦١. تدرج فى وظائف هيئة التدريس إلى أن حصل على درجة الأستاذية عام ١٩٧٢. تولى منصبى رئيس القسم عام ١٩٧٢ ووكيل كلية الآداب لشئون الطلاب فى الفترة «١٩٧٦ – ١٩٧٩».

انضم إلى العديد من الهيئات العلمية منها: المجمع العلمى المصرى بالقاهرة، رئيس جمعية آثار الإسكندرية، الهيئة الدولية للدراسات البردية، ومقرها مدينة «بروكسل» ببلجيكا، الجمعية الأمريكية للدراسات البردية ومقرها مدينة «نيويورك» الأمريكية، عضو مراقب بالمجلس الدولى للدراسات الفلسفية والإنسانية، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية «١٩٧٧ – ١٩٧٩»، عضو بالجمعية المصرية للآثار القبطية، عضو اللجنة التحضيرية لمشروع إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة، عضو اللجنة القومية لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة، عضو اللجنة العليا للتاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو اللجنة الدائمة للآثار.
استغرق منه مشروع «إحياء مكتبة الإسكندرية» سنوات طويلة، وظل صابرًا ومثابرًا من أجل أن يخرج المشروع للنور، وبالفعل تمكن من رؤية هذا المشروع حقيقة واقعة أمامه فى أكتوبر ٢٠٠٢. وعن بداية فكرة إحياء مكتبة الإسكندرية، قال مستشهدًا بما قاله د. طه حسين فى افتتاح جامعة الإسكندرية فى أكتوبر ١٩٤٢ حينما ألقى كلمة مهمة أمام الملك فاروق، وكانت الحرب العالمية على أشدها، ومنها فقرة هامة حيث قال: «وقديمًا يا مولاى قال هيرودوت مصر بلد العجايب، وها نحن فى خضم حرب عالمية وقوات الحرب على مرمى منا، تتصارع عند العلمين ونحن نؤسس جامعة من أجل المعرفة والمستقبل والسلام». موضحًا أن بلد العجايب، الذى تحدث عنه هيرودوت ومن بعده طه حسين استطاع تنفيذ مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية.
بدأت فصول إحياء مكتبة الإسكندرية فى نوفمبر ١٩٧٢ فى محاضرة عامة بنادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية بدعوة من د. لطفى دويدار، رئيس الجامعة، قال فيها د. العبادى: «إذا كانت جامعة الإسكندرية تريد الاستنارة والاستزادة علميًا وفكريًا فلا بد أن تؤسس مكتبة، لأن ظروف الحرب أثناء افتتاح جامعة الإسكندرية لم تجعل هناك فرصة لعمل مبنى خاص للمكتبة». وتحمس للكلمة وقتها د. محمد فؤاد حلمى، أستاذ الهندسة المعمارية، ونائب رئيس الجامعة وقتها، وكانت هذه المحاضرة بمثابة اللبنة الأولى للمشروع. فبدأ العبادى ولطفى دويدار وفؤاد حلمى فى البحث عن أرض لتنفيذ هذا المشروع، وكان هناك ٣ أماكن: أرض «كوته»، ومكان المكتبة الحالى، وأرض مصطفى كامل، وكانت تابعة للجيش، وبها أكشاك للجنود الإنجليز. واقترح العبادى وقتها أرض مصطفى كامل، ولكن وجود الجيش بها وظروف الحرب حالت دون ذلك، وكنا وقتها فى عام ١٩٧٤، وتم اختيار الموقع الحالى للمكتبة، نظرًا لأنه أكبر مساحة من أرض «كوته»، وكانت ملكًا للجامعة. ومرت سنوات توقفت فيها الفكرة بسبب ظروف البلد، وفى أوائل الثمانينيات أعيد فتح الموضوع مرة أخرى، وفى عام ١٩٨٤ قام د. فريد مصطفى، رئيس جامعة الإسكندرية وقتها، بتكوين لجنة ثلاثية لدراسة مشروع إحياء المكتبة، وتكونت اللجنة من مصطفى العبادى، ود. لطفى دويدار ود. محسن زهران، أستاذ العمارة، لأن د. فؤاد حلمى كان قد توفى. وكانت اليونسكو تريد خطابًا موجهًا من الحكومة لتتم دراسته بشكل جدى. وهنا ظهر الدور الحيوى للدكتور مصطفى كمال حلمى، وزير التعليم الأسبق، حيث أخبر د. العبادى بأن هناك وزراء فى الوزارة ضد المشروع، لأنهم يرون أننا يجب ألا نطلب من اليونسكو المساعدة فى إنشاء المكتبة، وهنا طلب د. مصطفى حلمى من د. العبادى أن يكتب صيغة الخطاب وسوف يقنع المجلس بإرساله لليونسكو، وننتظر رد اليونسكو. وكانت المفاجأة أن اليونسكو أخذت الموضوع بشكل جدى. وفى عام ١٩٨٦ كان مدير اليونسكو إفريقيًا من السنغال هو «أحمد مختار امبو»، حضر إلى مصر لمقابلة اللجنة، ووصف اللجنة «بأنهم أصحاب مشروع إنسانى وفكرى رائد فى تاريخ الإنسانية». وفى يونيو ١٩٨٦ وافق ٤٩ عضوًا من ٥١، هم أعضاء المجلس التنفيذى لليونسكو، على المشروع وتم وضع حجر الأساس فى عام ١٩٨٨ بإشراف اليونسكو. وفى نفس العام طلب اليونسكو من د. العبادى تأليف كتاب عن مكتبة الإسكندرية بثلاث لغات، الإنجليزية والعربية والفرنسية. كما أن من مؤلفاته الأخرى: مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربى، كما قام بترجمة كتاب القاهرة مدينة الفن والتجارة، تأليف «جاستون فيبت». ومن مقالاته: نشأة فكر التاريخ وتطوره «عالم الفكر - الكويت – ٢٠٠١»، ديمقراطية الأثينيين «عالم الفكر – الكويت – ١٩٩٢».
حصل على جائزة كفافيس فى الدراسات اليونانية «١٩٩٧»، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية «١٩٩٨»، وجائزة النيل للعلوم الاجتماعية «٢٠١٣».
وفى هدوء تام مثل شخصيته التى امتاز بها طوال حياته، رحل فى ١٣ فبراير ٢٠١٧ بمدينة الإسكندرية.