رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أرواح بلا دية».. تحقيق يكشف ضياع تعويضات ضحايا حوادث المترو وتسجيلهم «منتحرون»

جريدة الدستور

بأرقام المحاضر والدعاوى القضائية.. أهالي ضحايا نهب التعويضات يتحدثون لـ«الدستور»

شقيق «عيسى» توفى ولم يأخذ تعويض.. ومحسن: «رفضوا بحجة مرور تلات شهور على الحادث»

تعويضات المترو «تحت التسوية».. والمخصصات تكشف فائض 80 مليون جنيهًا في أموال التعويضات


في منتصف العام 2012، تقدم خالد عيسى، 30 عامًا، إلى مجمعة التأمين من أخطار حوادث المترو؛ بغرض الحصول على 20 ألف جنيهًا، قيمة التعويض الذي تعطيه المجمعة لأهالي المتوفيين في حوادث مترو الأنفاق، إلا أنه رغم استيفاؤه الشروط والأوراق المطلوب، لم يأخذ التعويض القانوني إلى الآن رغم مرور 5 سنوات على حادث وفاه شقيقه تحت عجلات المترو.

وقتها أكد له الموظف المختص بالمجمعة التأمينية، أن شقيقه لا تنطبق عليه الشروط، بدعوى أنه هو المخطئ؛ لوقوفه في محطة عين شمس بالخط الأول للمترو وهي مزدحمة، بحسب ما يقوله خالد في شهادته الموثقة لـ"الدستور".

شقيق "خالد" لم يكن الضحية الوحيدة الذي يتوفى تحت عجلات المترو بلا تعويض أو مقابل للأهل، والذي ينص عليه بروتوكول وقعّ فى مارس من عام 2002، بين رئيس هيئة السكك الحديدية وهيئة الرقابة على التأمين، بشأن التأمين من حوادث القطارات ومترو الأنفاق، وكان من بنوده تسديد شركات التأمين مبلغ وقدره 20 ألف جنيهًا كتعويض في حالة الوفاه أو العجز الكلي المستديم لمرتادي مترو الأنفاق، وفقًا لشروط محددة، قبل زيادتها بنسبة 50% من قبل الرقابة المالية خلال العام الحالي.

التحقيق التالي، يكشف عن وجود ضحايا توفوا أو أصيبوا جزئيًا أو كليًا في حوادث بمترو الأنفاق، ولم يتم إعطاء ذويهم التعويض المادي القانوني من قبل المجمعة التأمينية وشركات التأمين وفقًا للبروتوكول السالف ذكره، ولم يتم تبليغ الأهل ممن لا يعلمون بأن لهم تعويض مادي، ما أدي إلى ضياع حقوقهم، في وقت بلغ فيه فائض تعويضات خلال عام 2015 نحو 80 مليون جنيهًا بحسب محمد أبو اليزيد رئيس المجمعة التأمينية.

شقيق«عيسى» توفى تحت عجلات المترو بلا تعويض.. ومحسن يصاب في رأسه والمجمعة لا تعطيه مقابل
شقيق "عيسى" كان شابًا 25 عامًا، دهسته عجلات مترو الأنفاق في محطة عين شمس، وقضى نحبه في الحال، وحرر له محضر رقم 3141 إداري، وعانا أخيه على مدار السنوات الماضية؛ ليحصل على تعويض المتوفيين من المجمعة التأمينية.

يقول عيسى أنه أقام دعوى قضائية ضد رئيس مجلس إدارة المترو وقتها، لعدم قدرته على صرف التعويض، وتعاقبت فيها الجلسات على مدار السنوات الماضية دون أن تفضي إلى شيء، ولم يحصل إلى الآن على التعويض الخاص بحادث شقيقه.

الأمر نفسه حدث مع محمد محسن، 34 عامًا، والذي رفضت المجمعة التأمينية منحه التعويض المادي القانوني، بعد تعرضه للإصابة في حادث بمترو الأنفاق خلال منتصف عام 2014، وقعت على قضبان محطة مترو فيصل، حين شعر بدوار وهو على الرصيف الخاص بالانتظار.

سقط مغشيًا عليه بشكل مفاجىء على قضيب المترو؛ ما أدى إلى إحداث جرح قطعي في رأسه، وانتشله العاملون بالمحطة سريعًا ونقلوه إلى مستشفى بمنطقة فيصل، بعدما حرر له محضر رقم 20383 قسم شرطة ثالث مترو الأنفاق.

بعد ثلاثة أشهر من الإصابة، حمل الشاب صورة من المحضر الذي يثبت وقوع الحادث في المترو، وصورة من التقرير الطبي الذي يقر بصحة إصابته، طالبًا التعويض إلا أن الموظفين قالوا إنهم لا يصرفون تعويضًا لأي مصاب مرّ على حادثه ثلاثة أشهر، وهو شرطًا غير منصوص عليه في لائحة المجمعة التأمينية.

آلية عمل المجمعة التأمينية وشروط الحصول على التعويضات
المجمعة التأمينية، هي هيئة حكومية تجمع بين مجموعة من شركات التأمين، أُنشئت عام 2002، بعد حادث قطار الصعيد الذي أودى بحياه قرابة 350 راكبًا، بغرض توفير مظلة تأمينية للمتضررين من حوادث قطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق، وبموجبه وقعت اتفاقية بين الهيئة المصرية للرقابة على التأمين، والهيئة القومية لسكك حديد مصر ومترو الأنفاق، وفقًا لموقع المجمعة الإلكتروني.

بروتوكول التعاون، ألزم الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو بسداد تعويضات مالية للراكب في حالة تعرضه للإصابة أو الوفاة خلال تعامله مع المرفق في خطوطه الثلاثة، فمنذ دخول الراكب محطة المترو يكون مؤمن عليه بشكل كامل، ويصرف له تعويض مالي إذ تعرض لحادث نتج عنها إصابة أو وفاة من قبل المجمعة التأمينية.

ومن شروط المجمعة للحصول على تعويض في حالة الوفاة ضرورة تقديم شهادة الوفاة، وإعلان الوراثة، ومحضر الشرطة، الذى يثبت أن المتوفي كان واحدًا من ركاب المترو، أما الإصابة فلا بد من محضر رسمي للإصابة في المترو وتقرير طبي من مستشفى حكومي، وأن يكون الخطأ من المترو وليس من الراكب بألا يعبر القضبان مثلًا أو يكون قاصدًا الانتحار تحت عجلاته، ويسقط التعويض بعد مرور ثلاث سنوات على الحادث في حالة الوفاه.

ويُصرف للراكب في حالة الإصابة -بعد تحرير محضر رسمي-، تعويضًا يبدأ من ألفي جنيهًا وحتى 20 ألف جنيهًا، حسب نوع الإصابة التي تعرض لها الراكب، و20 ألف جنيهًا في حالة الوفاة وذلك خلال أسبوعين من وقوع الحادث، وفقًا لوثيقة مجمعة التأمين التي تشمل قطاعات وزارة النقل سواء في الطرق السريعة أو قطارات السكة الحديد أو المترو.



حملات مكثفة لتعريف المصريين بحقوقهم
لا يقتصر الأمر على عدم إعطاء الضحايا حقوقهم المادية، ولكن الكارثة الأكبر هو أن نسبة كبيرة من المصريين لا يعلمون بوجود تعويضات خاصة بحوادث مترو الأنفاق، بحسب المستشار سامي مختار، رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الحوادث، الذي شدد على ضرورة وجود حملات مكثفة لإعلام المواطنون بتعويضات حوادث مترو الأنفاق، مثل المنشورات التي تم توزيعها من قبل.

يقول: "مبلغ التعويض في حالة الوفاه لم يعد كافيًا، كما أن التعويض يعتبر حق مدني لأي مصاب لا يسقط عنه بمرور ثلاثة سنوات على الحادث كما تشترط المجمعة، ولا يمكن للمصاب السعي في إجراءات الحصول على التعويض بعد مرور إسبوعين على الحادث، فهناك وقت للتعافي".

"لجأ إلينا عدد من المواطنين بعدما رفضت المجمعة إعطائهم حقوقهم المادية"، سامي يوضح أن جمعية حماية المصابين ليس أمامها سوى اللجوء إلى التقاضي بناء على طلب المتقدم بالشكوى.

فائض 80 مليون جنيهًا في أموال التعويضات
المهندس محمد أبو اليزيد، رئيس المجمعة التأمينية، كشف عن أرقام التعويضات التي صرفتها المجمعة مع المترو خلال عام 2015، في بيان سابق له، قائلًا: "بلغت المخصصات الفنية للمجمعة الخاصة بحوداث المترو والقطارات فقط خلال عام 2015 نحو 85.3 مليون جنيهًا، تم صرف 5.7 ملايين كتعويضات، والفائض يتم ترحيله للعام القادم في بند تحت التسوية".

وعن المخصصات المالية لعام 2016، يشير إلى أنه تم صرف تعويضات بمبلغ 5 ملايين جنيهًا من أصل 89 مليون جنيهًا، والفارق لازال تحت التسوية، أي أن هناك مخصصات مالية لتعويض المتضررين لم تصرف حتى استكمال أوراقهم واستيفاء الشروط".
"حوادث مترو الأنفاق".. آرواح بلا ديه
لا يوجد إحصاء رسمي دقيق عن حوادث المترو في مصر كل عام، لكن وفقًا لآخر إحصاء خرج من منظمة الصحة العالمية منتصف عام 2016، فمصر تعد الأولى عالميًا في حوادث وسائل النقل سواء الطرق أو القطارات أو مترو الأنفاق.

في نفس الوقت، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إحصاء قال فيه أن عام 2016، شهد 20 حالة وفاة وإصابة ناتجة عن حوادث المترو، وقل العدد خلال عام 2017، وبلغ نحو 6 حوادث فقط.

وبحسب البيانات الرسمية التي كانت تخرج من شركة المترو عن تلك الحوادث، فإنها كانت ترجعها إلى حالات انتحار، وهو أحد شروط المجمعة السالف ذكرها بأنها تسقط حق الضحية في التعويض.

بند التسوية إهدار لحقوق الضحايا
يقول الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ النقل والتخطيط بجامعة الأزهر، أن الشركات لا تقوم بإعلام المواطنون عن حقهم في التعويض حتى لا يطالبها أحد بتلك الأموال، مشيرًا إلى أن الشروط الموضوعة للحصول على التعويض غير منطقية، وتعتبر تعجيزية بشكل كبير.

ويشرح بند التسوية الذي تحدث عنه رئيس المجمعة التأمينية سالفًا، بأنه يعني أن يُحل الأمر وديًا ويحصل الضحية على ربع أو نصف تعويضه المقرر بسبب مخالفته لأحد الشروط، وهو يعتبر إهدارًا لحقه في تلك الأموال من الأساس.

خلال عام 2014، أعلنت هيئة الطرق والكبارى بفسخ تعاقدها مع المجمعة التأمينية، وهددتها برفع دعوى قضائية ضدها لكونها لم تصرف التعويضات المقررة للمتضررين، بحسب خبير النقل.

لا رقابة على المجمعة التأمينية
يؤكد حسني عبدالله، نائب رئيس هيئة السكة الحديد للشئون المالية، ورئيس قطاع التشغيل والموازنات بوزارة النقل، أن المجمعة التأمينية ليس عليها رقابة من وزارة النقل أو هيئتي المترو والسكك الحديد، وإنهم يقوموا بدفع القسط السنوي فقط وهي من تقوم بتعويض الضحايا.

"السكة الحديد وهيئة المترو يدفع كل منهما 11 مليون جنيهًا قسط سنوي للمجمعة التأمينية لتعويض متضرري الحوادث" حسني يوضح أن وزارة النقل لا تقوم بتمويل المجمعة، ولكن إيرادات تذاكر المترو والقطارات يخصم عليها 15% ترسل إلى المجمعة سنويًا بعد حسابها وتجميعها، بمعنى أن أي مواطن يملك تذكرة مترو أو قطار فهو مؤمن عليه.

حاولنا الحصول على رد من شركة المترو، بداية بالمهندس علي فضالي، رئيس مجلس إدارة شركة المترو، ونائبه خالد صبرة، والمتحدث الإعلامي المهندس أحمد عبدالهادي، لكنهم لم يردوا على اتصالالتنا المتتالية، وتحفظ "عبدالهادي" عن الحديث في تلك الأمور.