رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال بخيت: تعلمت القراءة على يد أبى الأمّي.. ورفضت استكمال الثانوية بحجة «أنا شاعر أكمِّل تعليم ليه»

صورة ارشفية
صورة ارشفية

- أبى أنجب 12 ابنًا تعلموا بالمجان فسمّانى على اسم «عبدالناصر»
- زوجتى إماراتية.. أم كلثوم مطربتى المفضلة.. وحققت 75% من طموحاتى
- بيرم شاعرى المفضل.. وقرأت للحكيم ونجيب وإدريس وأنا فى التاسعة


هو واحد من شعراء العامية المميزين، أحب بيرم التونسى كشخصية وكشاعر، وقرأ لكبار المثقفين وهو فى الابتدائية، أبوه الذى لم يتعلم القراءة والكتابة كان له التأثير الأكبر و«الأغرب» فى حياته، ويدين بالفضل فى تكوين شخصيته المصرية لنشأته فى حى مصر القديمة.
إنه جمال بخيت، الذى نزحت أسرته من الصعيد لتسكن فى أحد أعرق أحياء القاهرة، ليصبح ابنها معبرا عن الهوية المصرية كلها من الجنوب إلى الشمال.
«الدستور» حاورت «بخيت» عن طفولته ونشأته الثقافية والمطربين والممثلين المفضلين له والنادى الذى يشجعه وكم حقق من طموحاته.

■ بدايةً حدثنا عن طفولتك.. كيف كانت؟
- وُلدت فى حى مصر القديمة فى ١٩٥٤ لأسرة نازحة من الصعيد من قرية «الصوامعة شرق»، التابعة لمركز أخميم بمحافظة سوهاج، وفى هذه الفترة كان كل من يهاجر من القرية يأتى إلى مصر القديمة. اسمى «جمال» على اسم الزعيم جمال عبدالناصر، وأسرتى كانت كبيرة العدد، ١٢ أخا وأختا، واستفدنا من مجانية التعليم وكل قوانين ثورة يوليو فى العدالة الاجتماعية.
الثقافة العامة فى ذلك الوقت كان لها تأثير كبير على تكوينى، مثل الإذاعة وبعدها التليفزيون، والتوليفة التى نشأت بها تتكون من كل الثقافات التى كانت محيطة بى فى حى مصر القديمة الذى يكاد يكون أقدم حى فى القاهرة، لما به من كنائس وأديرة.
تربيت فى الفسطاط، وهناك ميزة لهذه المنطقة، وهى أنها تتوسط مناطق شعبية مثل المدبح والسيدة زينب والخليفة إلى آخره، ومن جهة ثانية أحياء راقية مثل الروضة والمنيل وجاردن سيتى، ما أضاف لى حالة الامتزاج الطبقى.
■ هل كان للوالدين دور فى تكوينك الثقافى؟
- الوالد كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لكن الحقيقة كان له دور غريب جدا، فقد كان يسمع النشرة فى كل أوقاتها، ما أكسبه نوعا من حب التعليم والثقافة، هذا الأب كان يحفظ بيت شعر لا أعلم كيف وصل له، وكان دائمًا يردده أمامى وهو «العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف». وكان والدى يمر بعد صلاة الفجر على بائع الجرائد على ناصية الشارع، ويشترى منه كل الجرائد والمجلات، حتى «ميكى» وأجلس بجانبه وأنا فى سن التاسعة وأقرأ له ولكن لم أكن أعرف معنى الكلمات.
كنت أقرأ له مقال «بصراحة» لمحمد حسنين هيكل، كل يوم جمعة، كنا نمثل مزيجًا؛ هو يفهم ولا يستطيع القراءة، وأنا أقرأ ولا أستطيع الفهم، ومع الوقت بدأت أفهم بعض المعانى مثل أن «إسرائيل» كلمة سيئة و«الإمبريالية» كلمة سيئة، وبدأت أكتشف أن «الوحدة العربية» كلمة جيدة، وأن الدولة والشعوب العربية تدعو لها، ومن هنا اكتسبت الوعى السياسى.
بعد ذلك بدأت أفتح صفحات الأهرام وأقرأ مقالات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والدكتور زكى نجيب محمود، وبدأت أكتشف الشخصيات التى أقرأ لها، وأستعير الكتب من المكتبة العامة، وبعدها رحت أشترى الكتب، وكانت المتعة لى فى هذه السن اقتناء الكتاب، مكتبتى التى تحتوى الآن على أكثر من ٨ آلاف كتاب بدأت فى جمعها منذ أن كنت فى الصف السادس الابتدائى.
■ هل تتذكر أول كتاب قرأته فى حياتك؟
- من أوائل الكتب التى قرأتها قصة حياة بيرم التونسى، وله تأثير فى حياتى، ولكنى لا أتذكر أول كتاب قرأته، لأن فكرة الكتابة تشكلت مبكرا وأنا فى خامسة ابتدائى، فكنت أحب قول «السجع»، يعنى أى كلمة تقال أحب أقول قافيتها.
وكما قلت، قصة حياة بيرم التونسى شكلت لى معنى الشاعر، كما يجب أن يكون، بأن يقف أمام كل أمراض المجتمع وأمام الاحتلال والقصر والإقطاع والرأسمالية المستغلة ويقف أمام الشعب نفسه عندما يكون الشعب جاهلا، ورغم كل هذا كان بيرم التونسى رقيق المشاعر، وكلنا نحفظ الأغانى، التى كتبها لأم كلثوم، لكنه كان حادًا جدًا فى النقد وفى كل الأحوال لديه استعداد أن يدفع ثمن مواقفه، لدرجة أن تم نفيه لمدة عشرين سنة بسبب قصيدة.
■ وكيف نضج تكوينك الثقافى بعد هذه البدايات؟
- كانت هناك نقلات سريعة فى حياتى، تقريبًا فى مرحلة دخولى الثانوية العامة قرأت كل كتابات يوسف إدريس ونجيب محفوظ ويوسف السباعى وإحسان عبدالقدوس، كنت فى ليلة واحدة أمسك رواية أنتهى منها، وأتذكر أننى قرأت «فساد الأمكنة» لصبرى موسى فى ليلة واحدة، كان عندى نهم شديد جدا للقراءة، وهذه الحكاية أوصلتنى لرفضى استكمال الثانوية العامة مع أنى كنت متفوقًا فى الدراسة.
القراءة جعلتنى أتمرد على التعليم، «أنا شاعر أكمل تعليم ليه»، كنت ناقما على التعليم الذى يخلق قوالب ونماذج متكررة ولا يخاطب الإبداع، بل يخاطب أقل قدرات الإنسان وهى القدرة على الحفظ وكل الذى يقوله الآن الدكتور طارق شوقى أنا كنت أقوله من ٥٠ سنة.
القراءة فضحت لى المناهج، وكانت هذه نقلة كبيرة فى حياتى، دفعت ثمنها ٣ سنوات من عمرى فى صراع مع الأسرة، إلى أن بكت أمى الحاجة «حياة» فشعرت بهزة نفسية فدخلت الامتحان وكان مجموعى قليلا فحزنت، وقررت أن أعيد الثانوية مرة أخرى لأدخل كلية الإعلام قسم صحافة، وأعمل فى مجلة «صباح الخير». كنت محددا أهدافى، وذلك بفضل القراءة فقرأت وقتها كتابًا مهما جدًا لأحمد حسين المحامى هو «الطاقة الإنسانية» كان يتكلم عن أن أى إنسان يستطيع تحديد هدفه وكانت النتيجة أننى حققت أهدافى.
مجلة «صباح الخير» احتضنت الجيل اللى قبل منى، كنت أقرأها وأنا فى الإعدادية والثانوية، وتابعت فيها ظهور حركة شعر العامية المصرى وأهم رموزها فؤاد حداد وصلاح جاهين وفواد قاعود، والثلاثة كانوا يعملون فى المجلة.
■ هل تتذكر أول ديوان شعر قرأته؟
- من المبكرين الذين قرأت لهم بيرم التونسى بالإضافة إلى النصوص، التى كنا نأخذها فى المدرسة، وكنت أحفظها كلها من مجرد القراءة الثانية، كنت أقرأ الشعر العباسى والعامية والفصحى والحديث، لم أترك بابا فى الشعر إلا وقرأته.
■ من هو الشاعر الأكثر تاثيرا فى حياتك.. ولماذا؟
- «بيرم»، لأنه خلق لى صورة رومانسية جدا للشاعر، وفى الوقت نفسه هو شخص جبار، يحسب له أنه لم يقدم أى تنازلات فى حياته وقضى عشرين سنة فى المنفى لم ير فيها أولاده، وعندما رجع إلى مصر هاربًا على إحدى السفن التى كانت تمر فى ميناء بورسعيد، رجع متخفيًا.
■ ممن تتكون الأسرة الصغيرة لجمال بخيت؟
- المدام جميلة مطر، إماراتية الجنسية، وحاليًا هى وزير مفوض فى الجامعة العربية، وعندى «خالد» فى السنة الأخيرة من الجامعة، و«ضى» فى الثانية الجامعية.
■ لو سألتك عن مطربك المفضل.. من يكون؟
- هذه فى منتهى الصعوبة، أنا طول حياتى عايش مع المطربين، ومطربتى المفضلة أم كلثوم، وكتبت ديوان شعر عن ٣٠ مطربا ومطربة منهم «أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وفايزة ونجاة وعبدالمطلب والكحلاوى ومحمد رشدى». وأنا كشاعر كنت طالع مع جيل على الحجار ومحمد منير ومدحت صالح ومحمد الحلو ومحمد ثروت وهو أعظم الأجيال فى تاريخ الغناء ومن بعدهم أنغام وماجدة الرومى ولطيفة.. أنا كل حياتى غناء وحب.
■ وممثلك المفضل؟
- كثيرون، أنا أحب أحمد السقا وأحمد حلمى وكريم عبدالعزيز وعمرو سعد، ولكن لا أحب أن أجيب عن الأفضل والأقرب لأنى جزء من الحركة الفنية، أنا صانع ولست متفرجًا فقط.
■ ماذا عن كرة القدم فى حياتك؟
- الفريق القومى رقم واحد إلى تسعة عندى، ورقم عشرة يأتى النادى الأهلى.
■ أخيرًا.. حققت كم فى المئة من طموحاتك؟
- أحمد ربنا لأنى حققت الكثير، يعنى أكثر من ٧٥٪ من طموحى.