رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرهبنة بين الخاص والعام


الآن نرى للأسف صراعًا ليس بين القديم والحديث فقط ولكنه صراع بين أتباع مدارس كنسية ممثلة فى أتباع البابا شنودة والأب متى المسكين
لا شك أن حادثة قتل رئيس دير أبومقار فى وادى النطرون قد أحدثت ردود أفعال غير عادية، سواء كان ذلك على المستوى الديرى والرهبانى والكنسى، أو بين المصريين المسيحيين أو على مستوى الرأى العام المصرى، بل لا نبالغ لو قلنا على مستوى العالم. ذلك لأن مثل هذه الحوادث وبهذه الطريقة، وفى مثل هذا المكان تدخل فى إطار الاستثنائى والخاص، فما هى حكاية الخاص والعام هنا؟
نريد هنا أن نركز بعيدًا عن أى حديث عن الذات وبشكل شخصى، ولكن هذا فى إطار ما هو مثبت ومسجل، سواء كان فى مقالات متعددة فى أغلب الصحف والمجلات، أو فى برامج تليفزيونية فى كثير من القنوات أو فى كتب مثل «من يمثل الأقباط الدولة أم البابا» وكتاب «إنى أعترف.. كواليس الكنيسة والأحزاب والإخوان المسلمين»، وباعتبارى ابنا من أبناء الكنيسة وقد تربيت فيها نتيجة ذلك المناخ الطائفى الذى يوعز على الهجرة داخل الكنيسة والاحتماء بمجتمع الكنيسة بديلا للمجتمع، الشىء الذى جعل من الشأن الكنسى بل الشأن القبطى باعتباره شأنًا مسيحيًا خاصًا لا علاقة له بالآخر ولا علاقة للآخر به.
ولما كنت مارست العمل السياسى والحزبى والبرلمانى كمواطن مصرى فقط بعيدًا عن التعريف الدينى أدركت كل الإدراك أن هذه الهجرة والعزلة والتقوقع فى مجال الخاص هى أهم الأسباب لنشر وتكريس المناخ الطائفى الذى ينتج فرزًا طائفيًا يقسم الوطن بين مسلم ومسيحى، مما يهدد سلامة الوطن ويترك الفرصة للمتربصين، داخليًا وخارجيًا، ولا يوجِد سلامًا أو حلًا لمشاكل الأقباط الطائفية، لأنها تحدث وتناقش وتحل على الأرضية الطائفية، مما يجعل هذه الطائفية تتحكم وتستشرى ثم يقابلها بالطبع سلوك طائفى مقابل، وندخل فى إطار الدائرة المغلقة، ولما كان متاحا لى علاقة خاصة وقريبة بالبابا شنودة الثالث جعلتنى على معرفة بكواليس مهمة فى الكنيسة هنا اتخذت موقفًا كان صعبًا فى البداية، حيث إن كسر شوكة أى بداية هو الأصعب والأقسى، وقد كان وقد دفعت وما زلت أدفع الثمن إيمانًا بموقفى الذى لا يهدف إلا لصالح الوطن بكل مواطنيه. تحدد دورى فى المطالبة بعدم تدخل الكنيسة والبابا فى السياسة، حيث إن هذا يسقط حق المواطنة للمصريين المسيحيين وكأنهم ليسوا تابعين للوطن بل تابعين للكنيسة، فمثلا عندما تحدث حادثة لأقباط تقوم الدولة بتعزية الكنيسة بديلا من أن تعزى الدولة فى مواطنيها.
ثانيًا حاولت كسر الحاجز النفسى والمعلوماتى بحجب أى معلومات كنسية أو مسيحية عن المجال العام، وكأن هذه المعلومات وهذا المجال الكنسى الخاص لا علاقة له بمصر ولا بالمصريين، مع العلم أن الشأن الإسلامى بأخباره وبمعلوماته وبقضاياه معلن فى وسائل الإعلام لكل المصريين، حتى إننا كمصريين مسيحيين لدينا حدود لا بأس بها بالشأن الإسلامى والثقافة الإسلامية الخاصة. بدأت الحديث فى كل الوسائل للتبشير بهذه الأفكار والدعوة إلى العودة للوطن بعيدا عن الهجرة إلى الكنيسة وألا تتدخل القيادات الكنسية فى السياسة، فلها الشأن الدينى فقط كما أننى قد طرحت القضايا الكنسية والأخبار والمصطلحات الكنسية حتى تتراكم معلومات متبادلة بين المصريين تساهم فى عملية التوافق والتوحد المصرى.
كان ذلك فى الإطار العام الكنسى وليس فى إطار الخلافات العقيدية أو الكنسية، ولكن فيما يخص سلوك ومواقف الأشخاص من رجال الدين ذلك السلوك وتلك المواقف وهذه الأفكار التى تشكل فكرًا دينيًا يؤثر فى الشخصية المصرية المسيحية وبالتالى يحدد بشكل مباشر أو غير مباشر علاقة المواطن المصرى المسيحى مع المصرى المسلم، بما يؤثر سلبا وإيجابا على مجمل شئون الوطن. تحدثت فى المشاكل بين البابا شنودة والأنبا أغريغوريوس وبين البابا والأب متى المسكين، وهذا بعد حوارات امتدت لعشرات الساعات مع البابا لإنهاء هذه الخلافات التى وصلت إلى حد توجيه الاتهام بالهرطقة، ومنع تداول كتبهما وغير ذلك كثير، الشىء الذى أثر ولا يزال يؤثر على المناخ الكنسى والفكر المسيحى الصحيح، مع العلم أن هذه الخلافات كانت وما زالت بين تابعيهم خلافات شخصية وذاتية تغلف الأنا وحب الذات بغلاف دينى، وكأن الخلاف عقائدى، وكل منهم يدعى ويعلن أنه هو المحافظ على تعاليم الكنيسة والآخر طبعا العكس حتى يضمن مزيدا من التابعين، حتى تحولت الساحة الكنسية إلى جماعات متصارعة بشكل لم يسبق له مثيل بدلا من وحدة الإيمان ووحدة الكنيسة، وكان الحل بسيطا، حيث طلبت من البابا شنودة قائلا إذا كان الأنبا أغريغوريوس والأب متى خرجا عن الإيمان الصحيح فلماذا لا يقدمان لمحاكمة كنسية، حيث إنك رئيس الكنيسة ومسئول عن صحة الإيمان وهنا سيتحول الخلاف إلى منطقة الحسم الكنسى الصحيح بعيدًا عن الذاتية والصراع الشخصى، ولكن وبكل وضوح فالكنيسة مؤسسة من مؤسسات الدولة، والأقباط مواطنون مصريون، ينسحب عليها وعليهم ما ينسحب على كل المصريين، ولذا رأينا ونرى ذلك الصراع السلطوى وإن كان فى إطار السلطة الدينية والكنسية، وهو صراع الحرس القديم والحرس الجديد، رأينا صراعا بين ما كان من المجمع بعد نياحة الأنبا كيرلس، حيث يحاولون تثبيت الأمور كما هى وكما يريدون وبين من جاءوا على يد البابا شنودة حتى انتهى حرس البابا كيرلس، وكانت السطوة الكاملة للبابا شنودة. الآن نرى للأسف صراعا ليس بين القديم والحديث فقط ولكنه صراع بين أتباع مدارس كنسية ممثلة فى أتباع البابا شنودة والأب متى المسكين حتى رأينا بعد نياحة متى المسكين يقوم البابا شنودة بمحاولة إعادة صياغة لدير أبومقار لمحو فكر ومدرسة متى المسكين حتى وجدنا من هم تلاميذ المسكين والمتمسكون بفكره وبين من أتى بهم البابا شنودة لاستبدال الأمر بفكر شنودى آخر. هذه هى البداية ولذا فما حدث فى أبومقار سيكون له رد فعل مستقبلى بلا شك يهم الجميع كمصريين بعيدا عن الشأن الخاص الكنسى.. وسنكمل المقال المقبل.