رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسماعيل راغب باشا.. رئيس وزراء مصر "المخطوف"

إسماعيل راغب باشا
إسماعيل راغب باشا

رغم ثراء سيرته الذاتية، لم يوثق منها إلا القليل، وكأنه أراد أو أريد له أن تبقى سيرته مسألة غامضة، لكن ما عُرف عنه في ظل غياب التفاصيل كان كفيلًاَ بأن يشبع نهم الحروف للأوراق في أحضان مدونات عدة، إنه إسماعيل راغب باشا، رئيس وزراء مصر المكلف بتشكيل الحكومة في 17 يونيو 1882، والتي استمرت 64 يومًا، لسقوطها في 21 أغسطس 1882.

مولده ونشأته خارج القطر المصري لم يسجل عنها المؤرخون الكثير، رغم أن في ثناياها مغامرات عدة جديرة بالتوثيق، حيث وُلد إسماعيل بن أحمد بن حسن بني يني الملقب بـ"راغب"، في مدينة المورة باليونان، في ١٨ أغسطس ١٨١٩، وهناك تذوق الطعم الأول للعلوم التمهيدية واللغات، وعندما اشتد عوده، جُهز للانتقال إلي الأناضول لاستكمال علومة المعرفية.

رحلته للأناضول كانت بمثابة انطلاقة شديدة الصعوبة في حياة الشاب اليوناني، تعرض الطفل الصغير للخطف من رجال الأستانة، وقضى في كنفهم فترة لم تكشف عنها الوثائق التاريخية، ولكن تبين أن راغب باشا فقد حريته وأصبح عبدًا لدى الدولة العثمانية، وتم إرساله إلي مصر مملوكًا لإبراهيم باشا عام ١٨٣٠.

ولكن قد يكمن الخير في الشر، فرغم صعوبة الاختطاف، إلا أن العلم كان له قدسية لدى العثمانيين، إذ سُمح للشاب اليوناني - المملوك - أن يستكمل علومه بالمكتب الأميري، وحصل على الشهادة العليا بعد 4 أعوام من وصوله لمصر.

نبوغه وتميزه في تحصيل العلوم، جعله متقدمًا في صفوف المماليك، وذاع صيته بين القادة، فحصل على ترقية من محمد علي باشا إلى رتبة ملازم أول، ثم تولى رئاسة قلمي المحاسبة والإيرادات بعد إنهاء دراسته العليا بعامين، في عام 1836.

تدرج راغب باشا في الرتب العسكرية، ومنحه محمد علي نحو 500 فدان كـ"منحة تميز"، أعقبها اعتزاله العمل في عهد الخديو عباس حلمي الأول، وبعد مرور 18 عامًا، عاد لتدرج المناصب النظامية مرة أخرى، وعُين رئيسًا لديوان الخديو عام 1856.

في مطلع ستينيات القرن التاسع عشر، بدأت رحلته مع تولي المناصب النظارية، فترأس نظارة المالية والجهادية، وانتدب لنظارة الداخلية عام 1864، ثم عُين ناظرًا لها عام 1865، ولم تتوقف رحلة الشاب اليوناني، أو المملوك المخطوف، عند النظارة فقط، بل امتدت لرئاسة مجلس النواب في 25 نوفمبر 1866، حتى 24 يناير 1867، وفي ظل رئاسته تكفل بمشاركة شريف باشا بتكلفة ترجمة الدساتير واللوائح الأجنبية الخاصة بالمجالس الأوروبية، للاستفادة منها في تنقيح لوائح مجلس النواب المصري، وقام بهذه الترجمة الكاتب والصحفي السوري أديب إسحاق، بعدها تولى للمرة الثانية نظارة الداخلية عام 1867، وكان رئيسًا للمجلس الخصوصي عام 1868، فناظرًا للزراعة والتجارة عام 1875.

بعد سقوط وزارة محمود سامي البارودي، شكل راغب باشا وزارته قصيرة العُمر، ورغم موقفه المؤيد للثورة العرابية، إلا أنه كان أحد الأذرع الأساسية المساهمة في إضعاف موقف أحمد عرابي، بسبب وشايته لقائد الأسطول الإنجليزي بالإسكندرية في 17 يوليو 1882 بمخالفة عرابي لأوامر الخديو، فيما يقوم به من وسائل الدفاع.

ظل يعمل 28 عامًا مصابًا بالشلل النصفي، وترك 13 ألف فدان في مناطق السكاكيني وغمرة والظاهر في القاهرة، وراغب باشا بالإسكندرية، وقصر البراموني وسان ستيفانو، كما ترك 200 ألف جنيه ذهب مودعة في بنك "كريدي ليون"، و30 ألفًا في بنك "منشة وشركاه".