رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد أبوحامد: إذا لم نعِ ضرورة تجديد الخطاب ‏الدينى سنتحول إلى دولة مصدرة للتطرف

محمد أبوحامد
محمد أبوحامد

قانون الأزهر الحالى لا يوجد به سطر واحد يتحدث عن مراجعة المناهج أو تطوير الخطاب الدينى

وزارة الأوقاف اتخذت خطوات جادة لضبط الفتاوى والسيطرة على المنابر



اتهمَّ محمد أبوحامد، عضو مجلس النواب، قيادات الأزهر الشريف بالتسبب فى تعطل جهود تجديد الخطاب الدينى.‏
وحمَّل «أبوحامد»، فى حواره مع «الدستور»، الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مسئولية عدم أداء المؤسسة الأزهرية دورها المنتظر منها فى قيادة جهود الإصلاح والتجديد، داعيًا الدولة لفرض ‏مواد قانونية تلزم المؤسسة بتطوير خطابها وتنقية مناهجها الدينية.‏
وكشف أنه بصدد تقديم مشروع قانون جديد إلى البرلمان فى دور انعقاده المقبل، يعمل على تنظيم المؤسسة الأزهرية وإعادة هيكلتها، مشيرًا إلى وجود «لوبى» برلمانى يسعى لعرقلة جهوده الساعية ‏لإنفاذ هذا القانون. ‏


‏■ ما تقييمك لحالة الخطاب الدينى فى مصر حاليًا؟
‏- الخطاب الدينى فى مصر يشوبه كثير من العوار، ما سبب فجوة كبيرة بينه وبين حياة الناس ومشكلاتهم واحتياجاتهم، وخلق لدى المواطنين حالة من عدم الاهتمام به، نظرًا لانعزاله عن ‏الموضوعات التى تهمهم فى حياتهم.‏
كما أن الخطاب الدينى يحوى كثيرًا من الأفكار التى تهدد السلم والأمن الاجتماعى، وتتبنى خطابًا طائفيًا يحض على الكراهية، كما شهدنا فى الأعوام الماضية، وهو ما لم ينجُ منه حتى علماء ‏الأزهر، فوجدنا شخصًا مثل الدكتور سالم عبدالجليل يتبنى خطاب كراهية ضد الإخوة المسيحيين.‏
‏■ البعض يرى أن الخطاب الحالى مسئول عن انتشار ظاهرة الإلحاد بين الشباب.. فكيف ترى ذلك؟
‏- هذا صحيح، فالفجوة الكبيرة بين الخطاب الدينى وأولويات المواطنين أدت إلى زيادة نسبة الملحدين بين الشباب فى الآونة الأخيرة، وهذه نتيجة طبيعية مترتبة على هذا الخطاب الذى يتحدث فى ‏بعض الأحيان عن أشياء تتعارض مع العقل والمنطق.‏
فخطابنا منذ قرون لم يخضع لأى تجديد حتى أصبح غير ملائم لمصالح الناس، ما سمح للبعض فى العقود الماضية بإدخال بعض الأفكار الخبيثة إلى الدين نفسه، مثل: تكفير الآخر، ومعاداة غير ‏المسلمين.‏
لذا فعملية التطوير والتجديد أصبحت ضرورة لاستبعاد مثل هذه الأفكار، ويجب ألا ترتبط فقط بظهور تنظيمات مثل «داعش» أو «القاعدة»، بل علينا أن نجعل التطوير عملية دائمة لتجديد الفهم ‏والتفاعل مع أى متغيرات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تؤثر على حياة الفرد المسلم.‏
‏■ فى رأيك.. هل تأخرنا فى اتخاذ خطوات فعلية فى مسألة تجديد الخطاب الدينى رغم دعوة الرئيس إليها منذ سنوات؟
‏- بالتأكيد، فنحن تأخرنا كثيرًا، وهناك دول مثل المغرب والسعودية تبنت فكرة تجديد الخطاب الدينى خلال الفترة الماضية، وقطعت فيها أشواطًا كبيرة فى الوقت الذى لم نتحرك فيه بعد، وإذا لم نعِ ‏ضرورة تجديد الخطاب الدينى سنتحول إلى إحدى الدول المصدرة للتطرف الفكرى.‏
‏■ من المسئول عن انتشار هذه الحالة؟
‏- هناك تقصير واضح كالشمس من المؤسسات الدينية، وفى مقدمتها الأزهر الشريف، وأعنى بذلك الأشخاص القائمين عليه حاليًا لا المؤسسة نفسها، فهم أكثر من يتحمل المسئولية المباشرة عن ‏الحالة القائمة، لكونهم يصدرون أنفسهم على أنهم أوصياء على الخطاب الدينى، لذا فهم على رأس المقصرين فى مراجعته وتطوير مناهجه.‏
ويأتى بعدهم الدولة نفسها، لتأخرها فى إعادة ضبط هذه المؤسسات الدينية وهيكلتها بشكل متطور، حتى تستطيع تأدية دورها على أكمل وجه، وهو ما تجلى مثلًا عندما تحدثنا داخل البرلمان عن ‏قانون لتنظيم إصدار الفتاوى، وساعتها وجدنا صراعًا بين الأزهر والأوقاف يسعى فيه الأزهريون لإخراج علماء الأوقاف من قائمة من يحق لهم الفتوى.‏
‏■ ألا ترى أنك تتحامل على الأزهر؟
‏- جميع المؤسسات التعليمية والفكرية خاصة المتعلقة بعلم الاجتماع وعلم النفس السياسى لها دور ومهمة فى تصويب الخطاب الدينى، لكن الأزهر الشريف هو الأساس، كما أن القائمين عليه هم ‏من جعلوا المهمة خاصة بهم وحدهم، لأنهم وقفوا عقبة أمام الجميع، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على كل المؤسسات ما دام تعلق الأمر بالدين. ‏
حتى إن مناهج الدين الإسلامى التى تدرس فى وزارة التعليم لا بد أن تمر على مجمع البحوث الإسلامية قبل ذلك لاعتمادها منهم قبل تدريسها، وهذه الوصاية بدت جلية أثناء الصراع مع وزارة ‏الأوقاف حول قانون إصدار الفتاوى، فما بالنا لو طالبنا بإدخال وزارة الثقافة مثلًا فى مسألة تجديد الخطاب الدينى؟ فكيف سيكون رد الأزهر ساعتها؟
‏■ ما الحل لتجاوز ذلك فى وجهة نظرك؟
‏- الحل هو خضوع مؤسسة الأزهر -مع كامل الاحترام لها ولشيخها الإمام الأكبر أحمد الطيب- للدستور والقانون مثل غيرها من مؤسسات الدولة، فشيخها موظف عام يتقاضى راتبًا عن مهمته ‏حتى إذا كان يتبرع به بعد ذلك.‏
ولإدراك أهمية المسألة يمكننا النظر إلى قانون الأزهر الحالى الذى لن نجد فيه سطرًا واحدًا يتحدث عن مراجعة مناهج الأزهر أو حتى تطوير الخطاب الدينى أو مواجهة المتشددين فى هيئات ‏التدريس بالمعاهد الأزهرية أو الجامعة، لذا عندما طلب منهم رئيس الجمهورية تطوير الخطاب الدينى خضع الأمر إلى تقديرهم ومدى استجابتهم الشخصية نظرًا لعدم وجود نصوص ملزمة لهم.‏
وبناء عليه يجب أن تكون لدينا نصوص قانونية ملزمة للمؤسسات الدينية فى مسألة تطوير المناهج ومراجعتها وتطوير الخطاب ومراجعة أعضاء هيئة التدريس، الذين يتصدون لتدريس المواد ‏الشرعية، وإلا سيكون الأمر مجرد دعوات فقط تكون الاستجابة لها حسب الأهواء.‏
وهنا علينا مثلًا أن نراجع حديث الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب فى أكثر من مناسبة عن كون الخطاب الدينى متطورًا تلقائيًا، ولا يحتاج تصويبًا كما يدعو البعض، فهذا يلخص وجهة نظرهم فى ‏الأمر.‏
‏■ هل تعتقد أن الأزهر بشكله الحالى قادر على قيادة جهود التطوير؟
‏- إذا بقى الأزهر كما هو فلن يستطيع القيام بدوره فى تطوير الخطاب الدينى، فكما قلت القانون القديم لا يلزمه، لكن فى حال إقرار قانون ملزم، سيكون الأزهر ساعتها قادرًا على تنقية المناهج ‏الدينية ومراجعتها، باعتباره المؤسسة العلمية الأولى فى هذا المجال، أما حاليًا فأعتقد أنه غير قادر على تلبية متطلبات الشعب والدولة المصرية والعالم.‏
‏■ لماذا يصور البعض جهودك فى قضية تجديد الخطاب الدينى كأنها صراع مع شيخ الأزهر نفسه؟ ‏
‏- هذا أمر عار تمامًا عن الصحة، وأذكر أنه فى عهد الإخوان عندما حاصر أنصار الشيخ أبوإسحاق الحوينى شيخ الأزهر، كنت أنا الوحيد الذى يدافع عنه، وقمت بمواجهتهم رغم التهديدات آنذاك، ‏لذا أقول إنه لا توجد معركة مع فضيلة الإمام الشيخ أحمد الطيب.‏
‏■ هناك من يتهم بعض الأعضاء بهيئة كبار العلماء بتبنى فكر الإخوان.. فهل ترى أن هؤلاء سبب تعطيل جهود الأزهر فى هذه المسألة؟
‏- البعض يقول إن هيئة كبار العلماء هى من تقف حائلًا أمام شيخ الأزهر فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، لكن الحقيقة أن شيخ الأزهر يمتلك السلطة المطلقة على كل هيئات الأزهر الشريف، لذا ‏فهو يتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية. أما مسألة وجود أعضاء بالهيئة من الإخوان فهذا تُسأل عنه أجهزة الأمن والرقابة الإدارية.‏
‏■ كبرلمانى.. كيف يمكن تحريك المياه الراكدة فى مسألة التجديد عبر مجلس النواب؟
‏- أنا أعمل على هذا الملف قبل سنوات من دخولى إلى العمل العام والسياسى، وسبق أن حصلت على إجازات فى عدة علوم شرعية، ومن المعروف عنى مواجهتى لجماعة الإخوان الإرهابية ‏فكريًا منذ فترة الجامعة وأثناء عملى بالمجتمع المدنى، كما أن عملى العام ارتبط بشكل وثيق بفكرة تطوير الخطاب الدينى ومواجهة الأفكار المتطرفة.‏
لذا فبعد دراسة الأمر لسنوات طويلة وجدت أن أكثر ما نحتاجه هو قانون يلزم المؤسسات الدينية بتصويب خطابها بشكل علمى، وتنظيم المؤسسة الأزهرية، وأرى أن هذا هو دورى كنائب عن ‏الشعب أن أتقدم بأى مشروع تشريعى يسعى لتحقيق الصالح العام.‏
‏■ لماذا تأخرت فى التقدم بهذا المشروع حتى الآن؟
‏- لأنه يحتاج حشد النواب والرأى العام أولًا بعد ما تعرض له من تشويه على يد «لوبى» الأزهر داخل مجلس النواب، كما أن بعضهم لعب على مشاعر بعض النواب ومخاوفهم من أن يمس ‏المشروع بقيمة أكبر مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى فسحبوا توقيعاتهم.‏
كما أن المؤسسة نفسها ترفض التطوير، وهو ما حدث حتى فى القانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١، الذى رفضه مشايخ الأزهر، ولم تكن الدولة قادرة على إقراره لولا تدخل الرئيس عبدالناصر بنفسه، ‏وإرساله ٤ من أعضاء مجلس قيادة الثورة إليهم.‏
لذا فإننى قررت عند بدء المناقشات أن أعرض بعض الدفاعات الشرعية والقانونية والدستورية لتوضيح الأفكار التى يتضمنها هذا المشروع وما يهدف إليه من تحقيق المصلحة العامة للبلاد. ‏
‏■ البعض ردد أن سبب تأخرك هو وجود مخالفات دستورية بنصوص القانون.. فما حقيقة ذلك؟
‏- غير حقيقى وبنود المشروع نشرت فى جميع وسائل الإعلام، ولم أسمع أى خبير دستورى يعلق بالسلب على موادها، كما أننى لو تقدمت بمشروع قانون يصطدم بالدستور فسيرفض من اللجنة ‏التشريعية، ولو مر من المجلس فسيرفضه مجلس الدولة أو يبدى ملاحظاته عليه، ثم سيستطيع أى محامٍ أن يطعن فيه أمام المحكمة ويسقطه، لذا فهذا القول غير دقيق، ولا يمكن أن يكون.‏
‏■ متى ستتقدم بهذا المشروع أمام البرلمان؟
‏- فى دور الانعقاد المقبل، وسأقدمه «بالطريقة اللى تخليه لازم يتناقش»، بحيث لا يُتاح أى مجال للتلاعب فى التوقيت أو التوقيعات أو غير ذلك.‏
‏■ لماذا لا يحظى مشروعك بتأييد ائتلاف «دعم مصر»؟ ‏
‏- أنا مجرد عضو بالائتلاف ولست قياديًا فيه، لذا فجميع الموقعين على مشروعى فعلوا ذلك وفقًا لمبادرات فردية، لكننى تحدثت فى الأمر مع المهندس محمد السويدى، رئيس الائتلاف، وأبدى ‏تفهمه لأهمية مسألة تجديد الخطاب الدينى، لكنه ابتعد عن دعمى بعد حالة الصخب والجدل التى صاحبت طرح مشروع القانون فى وسائل الإعلام. ‏
‏■ حكومة المهندس مصطفى مدبولى خصصت أكثر من ٣ مليارات جنيه لتجديد الخطاب الدينى.. فكيف تقيم ذلك؟
‏- أراه أمرًا جيدًا جدًا، وسيكون له أثر إيجابى على المجتمع يزيد من قدرته على مواجهة الإرهاب والتطرف، وفكرة أن تخصص الحكومة ميزانية لتجديد الخطاب الدينى مبشرة للغاية.‏
كما أرى أن على كل مؤسسات الدولة أن تسير على نفس النهج الإصلاحى الذى تتبناه وزارة الأوقاف، التى بذلت مجهودًا كبيرًا فى الآونة الأخيرة لضبط الفتاوى والسيطرة على المنابر التى كانت ‏مفرخة للأفكار السلفية الجهادية فى عدد من المحافظات.‏
واللافت فى هذا الأمر أن «الأوقاف» تتخذ خطوات أوسع بكثير من خطوات مؤسسة الأزهر، لذا أكرر طلبى للحكومة بتبنى التعديلات التى سوف أتقدم بها على قانون تنظيم الأزهر، بما يضمن ‏تفعيل دور هذه المؤسسة فى تجديد الخطاب الدينى، لأن استمرار القانون الحالى لا يلزمهم بأى إجراء فى هذا المجال كما قلت.‏
‏■ ماذا عن دور الكنيسة فى هذا الملف؟
‏- للأسف، معظم الإشكاليات المثارة فى الفترة الأخيرة تتعلق بالدين الإسلامى، لأن الجماعات المتطرفة التى ترتكب المذابح والمجازر فى شتى بقاع الأرض حاليًا ترفع شعار القتال باسم الإسلام.‏
وهذه الجماعات تتبنى خطابًا زائفًا عن الدين الإسلامى يروج للحرب والأذى لغير المسلمين باعتبارهما الأصل فى الدين، وهو ما تناوله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، بتأكيداته على ‏أن الدين الصحيح لا يمكن أن يكون مبنيًا على الحرب، على أن يكون الاستثناء هو السلام والاستقرار بين البشر.‏
أما عن مسألة تجديد الخطاب الدينى المسيحى فأرى أنه بغير حاجة إلى التطوير فى الوقت الحالى.‏
‏■ فى تقديرك.. كيف يلعب الإعلام دوره فى هذه القضية المهمة؟
‏- للإعلام المصرى دور مهم جدًا فى الفترة المقبلة، خاصة إذا استمر الأزهر على وضعه الحالى، فساعتها سيكون على القائمين على وسائل الإعلام أن يطلقوا بأنفسهم مرحلة التجديد وتحديث ‏الخطاب الموجه للمجتمع، بدلًا من الاستمرار كمنابر وأصوات لبعض الرموز الأزهرية التى كان لها دور فى إخراج أجيال تكفّر الآخر.‏
كما أن على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة الأستاذ مكرم محمد أحمد، أن يتابع جيدًا ما تبثه القنوات الدينية التى تنشر الكراهية باسم الدين وتروج للأفكار الداعشية، نظرًا لما لعبته هذه ‏القنوات من أدوار أثرت على فكر الأجيال الشابة خلال الفترة الماضية.‏
لأننا إذا نظرنا إلى المتورطين فى ارتكاب العمليات الإرهابية الأخيرة فسنجد أن معظمهم من مواليد الثمانينيات أو التسعينيات، ما يعنى أنهم من المتأثرين بشيوخ الفتنة، الذين ظهروا عبر هذه ‏القنوات.‏
وهنا أعتقد أن المجلس سيكون عليه وضع استراتيجية جديدة تتضمن إظهار الدين الوسطى الذى يشجع على قبول الآخرين، ويمنع استيراد الأفكار المتشددة، مع استبعاد شيوخ الفتنة، الذين يطلقون ‏على أنفسهم ألقاب العلماء والدعاة.‏