رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الراهب والبطريرك


الرهبان كُثر.. والبابوات أيضًا.. لكن، وفى مشهدنا الحالى وفى تلك اللحظة الآنية الراهنة.. أنوى الحديث عن الراهب المقتول غدرًا.. وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا الإصلاحى، البابا ‏تواضروس، عمود خيمة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وهى أقدم وأعرق مؤسسة مصرية وطنية والذى بكى راهبه وراهب المسيح دمًا.‏
أحسب راهب دير أبومقار- المقتول غدرًا- شهيدًا والله حسيبه وحسيبنا جميعا، شهيدًا بكاه أبوه الأرضى قداسة البابا تواضروس الحكيم غير المنبطح الذى لا يتذمر بل يشكر الله أباه السماوى فى السراء ‏والضراء، دموع قداسة البابا واتكاؤه على عصاه حزينًا غير ضعيف أو ذليل بل مترفعًا محتسبًا أبيًا صابرًا على الملمات.. يعمل دومًا فى صمت وبرشد أكيد وتأنى المترقب الحذر.. هذا المشهد الجليل ‏أضاف المزيد لرصيد البابا تواضروس.. البابا الوطنى، وهذا الرصيد هو سبب محبته وتقديره وإجلاله لثباته الدائم وتمسكه بقيم المسيح.. قيم التسامح والإخاء والنبل والزهد والترفع وتحمل الآلام وعدم ‏التذمر.‏
شكرًا قداستك.. لقد أنقذت كنيستك وستنتصر على طيور الظلام بنهجك الإصلاحى.. لقد أنقذت بيتا من بيوت الله من محاولات المغرضين الأصوليين لإحداث الفرقة والشقاق.. لقد نبش هؤلاء القبور ‏باحثين عن أسباب الخلاف لأنهم لا يقبلون الاختلاف، شأنهم شأن الأصوليين فى كل العقائد والأديان والأزمنة.. والذين يرون دومًا أنهم هم وحدهم الفرقة الناجية وأنهم هم فقط الناجون من النار وملاك الحقيقة ‏المطلقة!! لقد سكنت يا سيدنا البابا قلوب المصريين، كما سكن الراهب المقتول غدرًا والراهب الأثير لدى العلمانيين الأب «متى المسكين» قلوب المصريين وقلوب العلمانيين وقلوب غير المتعصبين وغير ‏الأصوليين من المسيحيين، بل من أصحاب كل الديانات.. القادم علمانى.. والغد للراشدين حتمًا لا للكارهين.. الغد القريب سينصف «ابن رشد» و«متى المسكين» واللذين أحرقت كتبهما!! وحوربا!! ويعيد ‏لهما الاصطلاحيون والتنويريون اليوم اعتبارهما ويردونه لهما.. كذلك «الشيخ على عبدالرازق» الأزهرى المستنير سينصف حتمًا فى الغد القريب.‏
الغد القريب لكل من يُعمل عقله ويقدم العقل على الانغلاق والنقل والتشبث الأعمى بحرفية النص بل يأمر التابعين والمريدين بالاتباع والانصياع وبعدم النقاش أو الجدال وهم صاغرون! بدعوى باطلة تقول ‏إن لحوم رجال الدين مسمومة!! ولا يجوز الاقتراب منها فمن كان يعبد «محمدًا» فمحمد قد مات، ومن يعبد «البابا شنودة» فالبابا شنودة قد مات، ومن «يعبد» متى المسكين» فمتى المسكين قد مات.‏
أما من يعبد الله.. فالله حى لا يموت، كفاكم عبثًا ونبشًا فى القبور، الصدام فيه سم قاتل.. الثأر لا يفيد.. بل يقتل صاحبه قبل أن يقتل القاتل ضحيته، الكراهية تبيد صاحبها وتدمر الأوطان، الكنيسة المصرية ‏الوطنية شأن وطنى.. وعلى كل مصرى وطنى أن يدافع عنها.. ولن تكون حكرًا للمسيحيين فقط أو لطائفة منهم، احتكار الوطن ومؤسساته أمر غير مقبول ولا يجوز ولا يليق.. هو من الحماقة دون أدنى ‏شك ولن يسمح الوطن وقاطنوه وصناع القرار فيه بهذا الاحتكار، والمدهش بل العجيب أن يشكو من يريد ذلك الاحتكار ويحبس نفسه داخل كنيسته ويحبس بالطبع كنيسته خارج بوتقة الوطن ولا يطلقها ‏للمساحات والفضاءات الرحبة.. ويتذمر ويسوق المظلوميات من محاولات التهميش والإقصاء!.‏
لقد همش وأقصى الأصوليون أنفسهم بأنفسهم وعزلوا أنفسهم ومعتقدهم الخاص عن عموم الناس وجعلوه حكرًا لهم وسرًا مقدسًا داخل كنيستهم ولا يجوز الاقتراب منه.. ثم يصرخون ويطالبون بالمواطنة ‏والعدالة التامة!! معضلة محزنة بل بائسة.. ومازوخية لا أفهمها حقيقةً، ولكن الشىء الثابت والراسخ والأكيد هو أن الكنيسة المصرية عمود راسخ أبى عصىّ على أى شقاق.. عمود من أعمدة الدولة ‏المصرية.. وأبناؤها هم أبناء المسيح وأبناء الله وأبناء الوطن وليسوا شعب الكنيسة، بل هم مواطنون من الدرجة الأولى ينصهرون فى بوتقة الوطن الرحبة ويشكلون مع بقية المواطنين فسيفساء عصية على ‏الشقاق ومحاولات زرع الفتن والقلاقل.. لا تقل شعب الكنيسة، بل قل شعب مصر من المواطنين المسيحيين وأبناء الوطن الواحد.. هكذا تسترد الحقوق ولا تضيع هكذا يطالب صاحب المظلومية بحقه.‏