رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الله ‏على باب «أبومقار»‏.. «الدستور» تحاور جيران الدير.. وتسجل شهاداتهم

جريدة الدستور

«الدستور» تحاور جيران الدير.. وتسجل شهاداتهم على سكانه
على بُعد أكثر من ١٠٠ كيلومتر تقريبًا، وإلى الشمال الشرقى للقاهرة، تقع مدينة وادى النطرون بمحافظة البحيرة، حيث ولدت الرهبنة المصرية، وانتشرت إلى أرجاء ‏المعمورة.‏
من هنا خلع المصريون شهوة الحياة واتجهوا إلى عزلة إيمانية، بعيدًا عن البشر وعن الشهوات والملذات. كل الأشياء هنا بسيطة، البشر، والمبانى، والعلاقات، وحتى الطبيعة، ‏هادئة، لأنها فى حضرة الرب. ‏
وفى السطور التالية، نرسم شكل الحياة خارج أسوار دير الأنبا مقار، من خلال جولة لـ«الدستور» فى القرى المجاورة والملاصقة للدير، وعلى رأسها قرى «كفر داود»، ‏و«بنى سلامة»، و«أبوغزالة»، و«أبومبارك»، حيث التقينا بعُمد القرى ومشايخها وشبابها، الذين تحدثوا عن علاقتهم برهبان الدير، وتفاصيل التعاون بينهم، ومشاركتهم فى ‏المناسبات.‏

جيران مسلمون: أضاحينا من إنتاج آباء الدير.. وشاركونا ترميم مسجدين ‏

قال أيمن أبوالمعاطى، الباحث فى شئون المنطقة، إن رهبان دير الأنبا مقار يشاركون الأهالى منذ قديم الأزل فى كل المناسبات، والعلاقة بين الجانبين جيدة للغاية، وحتى وقت قريب فى السنوات ‏الأخيرة كان خباز وجزار وراعى الدير من أهالى القرى، الذين كانوا يعملون داخل الدير، ثم يعودون إلى منازلهم المجاورة على بعد عدة كيلو مترات.‏
وأضاف: «علاقة الرهبان بأهالى القرى المجاورة توطدت أكثر، بعد أن أنشأ الراهب متى المسكين مدرسة فى قرية بنى سلامة من مال الدير لكى يتعلم أبناؤها»، لافتًا إلى أن المدرسة بنيت ‏وصممت للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم بعد سنوات أعيد ترميمها من جديد، والآن يطلق عليها «مدرسة بنى سلامة».‏
وكشف «أبوالمعاطى» الشهير بــ«مؤرخ النطرون»، أن الرهبان دائمو النزول وسط القرى، بلا حراسة، وأنهم كانوا يشاركون فى أى انتخابات تحدث، سواء برلمانية، أو رئاسية، أو دستورية، ‏والأهالى يقدرونهم ويجلونهم.‏
وتابع: «الدير يمتلك مساحات شاسعة جدًا من الأراضى المزروعة، وله منتجات خاصة به حققت اكتفاءً ذاتيًا لرهبانه، والباقى يتم بيعه داخل الأسواق المحلية، أو تصديره إلى الخارج، كما أن للدير ‏منفذًا خاصًا به لبيع منتجاته».‏
وأشار إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات أعطى للدير ١٠ آلاف فدان بعد زيارته الشهيرة له، ووجود متى المسكين بداخله.‏
وقال فتحى محمد حسن، عمدة قرى «كفر داود»، و«أبوغزالة»، و«أبومبارك»، المطلة على الدير من الجهة الجنوبية، إن العلاقة بين أهالى القرى الثلاث الذين يبلغ عددهم نحو ٣٠ ألف نسمة، ‏ورهبان الأديرة المجاورة، وطيدة لأقصى درجة، منوهًا إلى أن الرهبان ساعدوا الأهالى فى إعادة ترميم مسجدين فى القرى، ويساندوهم فى كل شىء.‏
وأضافت الحاجة نادية جاب الله، مديرة إحدى الجمعيات الخيرية لكفالة اليتيم فى وادى النطرون: «العلاقة بين الأهالى والرهبان، خاصة رهبان دير الأنبا أبومقار، قائمة على الود والاحترام ‏والمشاركة فى الأعمال الخيرية، دون النظر لمن المستفيد».‏
وتابعت: «دائمًا إذا ما احتجت أى شىء لدعم أعمال الخير أذهب إليهم، وهم لا يترددون أبدًا»، مشيرة إلى أنها ومجموعة من العاملين معها ينظمون زيارات للدير فى الأعياد الدينية لتهنئتهم.‏
وأضافت إن الرهبان يقدمون المال وملابس العيد للأطفال المسلمين والمسيحيين فى كل أنحاء وادى النطرون، والمسلمون يشترون الأضاحى من مزارع الدير، لأن الرهبان يبيعونها لهم بأسعار ‏رخيصة كنوعٍ من مشاركة المسلمين طقوسهم الدينية.‏
وقال عيد محمد، مدرس فى مطلع الأربعينيات من عمره، من قرية «بنى سلام»، الأقرب للدير، إن الرهبان يشاركون فى أى واجب عزاء خاص بأهالى القرية، لأنهم يعتبرونهم جيرانهم فى ‏الحياة، مشددًا على وجود مودة بينهم، وعلاقة قائمة على الاحترام، والود.‏
ونوه إلى أن الدير يعتمد فى أعماله وإنشاءاته على عمال من أبناء الصعيد الفقراء، ممن لا يتوافر لهم أى عمل فى بلادهم، ويستقدمهم الدير للعمل فيه، كنوع من المساعدة.‏
وقال: قديمًا حدثت أزمة بين رهبان الدير، ومجموعة من البدو أرادوا فرض سيطرتهم على قطعة أرض كبيرة مجاورة للدير، إلا أن الدير أبلغ الجهات الأمنية، التى بدورها سيطرت على الوضع، ‏وأعادت الأرض للدير، وبعدها تم تشييد سور كبير حول الأرض.‏

صورة البابا شنودة تزين «كنيسة العذراء».. وراهب: نقيم شعائرنا بانتظام يوميًا

قال أحد أفراد قوة تأمين الدير، إنهم يتبعون إجراءات مشددة لحمايته، ومنع تسلل أى عناصر مشبوهة إلى داخله.‏
أحد كبار الرهبان، طلب عدم نشر اسمه، أخبرنا أن الحياة داخل الدير تجرى بشكلها الطبيعى، وأن الرهبان يقيمون صلواتهم بشكل منتظم يوميًا، حيث يبدأون يومهم بصلوات تسبحة نصف الليل، يعقبها ‏بساعات قليلة القداس الصباحى، الذى ينظم مرتين يوميًا صباح كل يوم، بإحدى كنائس الدير، التى يبلغ عددها ٧ كنائس.‏
وقال إن الرهبان بدير الأنبا مقار بوادى النطرون يؤدون خدماتهم الروحية اليومية، إلى جانب مسئولياتهم الإدارية، مثل الإشراف على العمل فى مطابع الدير، والمكتبات، والمزارع، وغيرها من الأمور ‏التى تساعد على ضمان الاكتفاء الذاتى من الموارد الغذائية والمالية، مضيفًا: «خدمات الدير تقدم لجميع الناس، مسلمين ومسيحيين، من خلال بيع بعض المنتجات الغذائية التى تنتجها مزارع الدير بأسعار ‏زهيدة».‏
وشدد على أن رهبان دير أبومقار يضاعفون صلواتهم اليومية، ويكرسون صلوات لأجل ثبات الكنيسة، والحياة الرهبانية بالأديرة» مشيرًا إلى أن كنيسة وادى النطرون تقيم صلواتها بشكل منتظم، مشيرًا إلى وجود كنيسة بوادي النطرون غير تابعة لأى أديرة بوادى النطرون، تسمى «السيدة العذراء مريم ومارجرجس».‏
زارت «الدستور» الكنيسة، حيث يوجد مبنيان مقابلان لبعضهما بعضًا، أحدهما قديم وأثرى، والثانى حديث تحت الإنشاء، تتمركز أمامهما قوات من الشرطة، وبعدما كشفنا عن هويتنا، وطلبنا مقابلة ‏الكاهن، وافق وسمح لنا بالدخول.‏
وكانت المفاجأة داخل الكنيسة، أننا وجدنا «بوستر» كبيرًا للبابا شنودة وضع فى الساحة الداخلية للكنيسة، مكتوبًا عليه: «إن كنت لا تستطيع أن تخفف على الناس أتعابهم، فعلى الأقل لا تكن سببًا فى ‏أتعابهم».‏
وقال أيوب فرج، أحد الخدام العاملين فى الكنيسة، إن العلاقة بينهم وجيرانهم المسلمين طيبة للغاية، مؤكدًا وجود إقبال كثيف من الأقباط على كنيسة وادى النطرون، التى تبعد بعض الكيلومترات عن الدير، ‏خاصة مع بداية صوم السيدة العذراء، لحضور القداسات والنهضات الروحية احتفالًا ببدء صوم السيدة العذراء مريم.‏
وقال بيشوى حلمى، أحد أقباط قرية وادي النطرون، إن مسلمى ومسيحى وادى النطرون، نسيج واحد فى الأفراح والأحزان، وجميع المناسبات»، مضيفًا: «الوضع فى مدينة وادى النطرون له طابع خاص ‏غيّر مدن ومراكز المحافظة، حيث هناك ارتباط وثيق بين المواطنين».‏
وفى قرية «الحمراء» المجاورة لـ«دير الأنبا كاراس»، أردنا أن نتقصى الحقائق بشأن الدير، الذى قيل إن الراهب يعقوب المقارى الذى تراجعت الكنيسة عن تجريده بعد مقتل الأنبا أبيفانيوس جمع ‏تبرعات لبنائه دون موافقة الكنيسة.‏
أرسلنا للراهب يعقوب رسالة عبر هاتفه المحمول، نطلب لقاءه، لإيضاح بعض الأمور، لكنه رد علينا بالترحيب، معتذرًا عن عدم التحدث للإعلام لأن الظرف غير مناسب، بجانب احترامه قرار قداسة ‏البابا تواضروس بعدم الإدلاء بأى تصريحات لوسائل الإعلام.‏
لكننا تحدثنا إلى أحد رهبان الدير، طلب عدم نشر اسمه، فقال إن الدير قنن وضعه وضم لإدارة الكنيسة، وأن الأنبا متاؤس رئيس دير السريان يشرف عليه بقرار من نيافة الأنبا دانيال أسقف المعادى ‏سكرتير المجمع المقدس، لإعادة ترتيب العمل الإدارى والكنسى فى الدير، مختتمًا: «سكرتير المجمع المقدس قرر أن يستمر عمل الراهب يعقوب المقارى، كمسئول عن الدير».‏