رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين القداسة ودرب الحياة "يهوذا يجول بكل مجتمع"

جريدة الدستور

"احنا كبشر مازالنا تحت الضعف البشري، في كل مجتمع يظهر يهوذا، وبين كل 12 تلميذ يظهر يهوذا وهويمثل الخيانة بكاملها، لا تهتزوا"، هكذا كان رد البابا تواضروس، الأب الحازم، الذى أراد أن يثبت قلوب أبنائه الأقباط، بكلماته القوية التى تحمل بين كل حرفًا شيئًا من الشجاعة.

أراد البابا تواضروس، أن يثبت عظام أبنائه، ليقفوا أمام ما يمروا به فى عصرهم للمرة الأولى، عقب احداث قتل الأنبا إبيفانيوس، بداخل ديره فى برية شيهيت، والتى جعلته قام بدوره بإصدار عدد من القرارات التى أثارت حالة من الجدل بين الأقباط، وجعلهم يسألون لماذا يطلق البابا تلك القرارات فى ذاك الوقت على وجه الخصوص؟

وعقب صدور البابا قراره بتجريد الراهب اشعياء المقارى، كان الحدث الأكثر جدلًا على الإطلاق، وخاصة بعد محاولته الإنتحارية، هو الراهب فلتاؤوس المقارى، الذى جعلهم يتداولون على السوشيال ميديا العديد من التساؤلات، حتى أن بعضهم قام بنفى الخبر، لعدم تصديق أو تشويه الصورة الرهبانية الأكثر طوباية، لديهم.

و جاء البابا تواضروس بوعظته الأخيرة، ليرد عليهم قائلًا: "احنا كبشر مازالنا تحت الضعف البشري، وفي كل مجتمع يظهر يهوذا، وبين كل 12 تلميذ يظهر يهوذا وهويمثل الخيانة بكاملها، لا تهتزوا".

ويستكمل البابا: حديثه عن الضعف البشرى: "أن السيد المسيح أختار 12 تلميذ من بينهم بطرس ويعقوب ويوحنا، يعنى كلهم متنقيين، و12 تلميذ شافوا معجزات المسيح، وشافوا أمثال وتعاليم المسيحية، ولكن كان هناك من يرى ويخزن بقلبه، ويعمل كل هذا بداخله، مثلما كانت توضح الصور الرمزية التى قدمت لتلاميذ المسيح، كان بينهم من يتكئ على صدر المسيح، وفي المقابل إللى عاجبه حاجه ويفكر يبيع سيده".

ويتابع البابا تواضروس: "يهوذا" رأى معجزات السيد المسيح، ولكن للأسف لم تدخل قلبه، ولا مقابلاته ولا تعاليمه، ولكن دخل فيه شيطان".

في كل مجتمع يظهر يهوذا
أكد البابا تواضروس، أن بين كل 12 يظهر "يهوذا"، الذى يمثل الخيانة بكاملها، لافتًا: "لا تهتزوا يا أخواتي يوجد الله ضابط الكل، وعبر التاريخ هناك رهبان سقطوا"، مشيرًا إلى أن " فى أيام يوحنا ذهبي الفم، راهب وقع في خطية، ومن ذات نفسه ترك الدير، والقديس يوحنا كان عارف انه سقط عن ضعف وصغر نفس في بالوعة اليأس، ويوحنا ذهبي الفم كتب له رسالة ترجمت اسمها "ستعود بقوة أعظم "وبالفعل الراهب قرأ الرسالة وتاب ودخل ديره ولم يخرج إلا عندما مات، وهذا كتاب موجود وطبعته كنيسة مارجرس سبورتنج "ستعود بقوة أعظم ".

وأشار البابا تواضروس، أن القصص في التاريخ الرهباني كثيرة، والحروب في التاريخ الرهباني أكثر، وتوجد قصص، لا تنتهى، وعدو الخير يحارب ويسقط، لافتًا:"لذلك مسؤوليتكم جميعًا أن تحافظوا على نقاوة الدير والرهبان والراهبات في كل شيء حتى في مكالمة التليفون الهدية والزيارة ملهاش لزمة".

وأوضح البابا تواضروس، عبر كلماته أن الراهب إنسان، غير معصوم من الخطأ، وإن أخطأ فهذا لا يقترب إلى الكيان الرهبانى النقى، أويهز الكنيسة وأولادها، حتى عاد كلمته مرة أخرى قائلًا: "لا تهتزوا، إننا نحتاج الحافظ على الحياة الرهبانية والديرية، ولا تنسوا نظرية يهوذا في كل مجتمع، ولما نسمع عن واحد راح ينتحر بيكون عدو الخير يشتغل جواه، ويهوذا عمل كده راح انتحر برده، وفي جريمة جواه انه سلم معلمه وخانه وباعه بثلاثون من الفضة، وضميره لم يسكت بل اعرفوا أيها الأحباء أننا في الكنيسة بدء من البطرك والأساقفة والمطارنة والأباء الكهنة والخدام والشمامسة والرهبان والراهبات في أديرتهم، لنا ضمير ومسؤولية أمام الله ولا نتحرك بفكر العالم".

وقال كمال زاخر، المفكر القبطي، إن المجتمع الرهبانى هو بطبيعته مجتمع بشري قوامه الإنسان، وقد اختار له محاور تنظم حياته، البتولية والتجرد والوحدة ويكللها الطاعة، والخروج عنها ينتهي إلى انهيار المنظومة بجملتها، ولهذا كانت القرارات المجمعية الأخيرة.

وأضاف "زاخر" فى تصريحات خاصة لـ"الدستور" أنه عندما نكتشف في هذه المنظومة من يخون أو يفسد أو ينحرف فهذا من طبيعة الأمور، لكن الصورة الذهنية التى تشكلت عند العامة تحول دون الإقرار بقبولهم لضعفهم الإنسانى، وهو أمر لابد من معالجته والإنتباه له.

يهوذا الأسخريوطى الخائن؟
يهوذا الإسخريوطي بن سمعان الإسخريوطي، والتلميذ الذي خان سيده، لقب بالاسخريوطي تمييزًا له عن "يهوذا الآخر"، وقد اشتق لقبه من ايش كريوت أي رجل قريوت، ولربما كانت خربة القريتين على سفح القسم الجنوبي الغربي من جبال اليهودية.

والإسخريوطي هو التلميذ الوحيد بين التلاميذ الذي لم يكن جليليًا، ولا نعرف عن حياته الباكرة أكثر مما نعرف عن بقية الرسل، والبشائر لا تروي لنا شيئًا عن دعوته، وقد أصبح اسمه تعبيرًا للخيانة، وهو يذكر في ذيل قائمة الرسل مقترنًا بهذا اللقب.

"الأسخريوطى".. كان التلميذ، الذى أعطاه وخصصه السيد المسيح، "أمينًا للصندوق"، وقد غلبه الطمع وصار سارقًا يبتز ما بقي في الصندوق الذي عهد به إليه، وبدء انتقاده لمريم عندما دهنت قدمي السيد المسيح بالطيب في بيت عنيا، وكان دليلًا قاطعًا على مصانعته وريائه.

وحسب ما قالت إحدى التفاسير الكنسية، إن طمع يهوذا، وإن كان الباعث الأقوى لخيانته، لكنه لم يكن الحافز الوحيد، فلو كان الأمر كذلك، لما اكتفى يهوذا بثلاثين من الفضة وهو مبلغ زهيد، وثمن عبد في تلك الأيام، بل لانتهز الفرصة المناسبة لغنم أضخم، ولكان أجدى له أن يبقى أمينًا للصندوق، يختلس منه ما تيسر، والحقيقة إن شهوات أخرى كانت تتأجج منه نيرانها في صدره، فقد ظن القوم أن السيد المسيح جاء ليقيم دعائم ملك سياسي، ارضي، فطمع، كما طمع أمله، وطاش سهمه وأحس نفسه في مرتبة وضيعة، ولم يبلغ حتى مكانة الثلاثة المفضلين من زملائه، فتمتلئ نفسه غيرة، وهو يرى بطرس ويعقوب ويوحنا الجليلين يفضلون عليه ويؤخذون قبله في بيت يايروس، وعلى جبل التجلي.

قبله أدت للخيانة منها ليأس والأنتحار
ولهذا فقد كان مسلك يهوذا، وخيانته تعنى أنه "دخله الشيطان"، بحسب ما قاله السيد المسيح للتلاميذ أن "واحد منكم يدخله شيطان".

قصة يهوذا، كانت من الممكن أن تكتب بسياق أخر، إن كان ندمه على ما فعل، تحول إلى توبة، مثلما تاب بطرس الذى أنكر معلمه، السيد المسيح، وصار بعد رجوعه وأنكاره للسيد المسيح، توبة عظيمة، كانت قادرة فيما بعد أن تجعل بطرس يكرز بالسيد المسيح، وفى عظة واحدة يؤمن بالسيد المسيح 3000 نفس.

"وذهب وشنق نفسه".. كان هذا ما أختتم به يهوذا، بعد خيانته لسيده ومعلمه الذى سلمه بقلبه واحدة، ذاك "المسيح" الذى أختاره من بين الصفوف ليكون إحدى تلاميذه، ندم يهوذا على ما فعله من شر، ولكنه لم يرجع إليه، فقط فقد رجائه وصار إلى هذا المكان، ليقوم بشنق نفسه، ليكتب أخر ما فعله لنا شيطان اليأس الذى أدى به إلى الأنتحار.

وذكر رسل وتلاميذ السيد المسيح، بحسب ما قاموا بروى ما حدث بكل مصداقية، من خلال ما قاموا بسرده من النصوص الكتابية بالإنجيل، والذى يعد أكثرهم دقة، يوحنا، بحسب ما ورد فى أنجيله، جميع التفاصيل، الذى يقرأها الأقباط فى أى وقت، يتصفحوا خلاله الكلمات المتابية بالكتاب المقدس.

أخذ الأقباط، وخاصةً الخدام والخادمات منهم، أن يسردوا تلك القصة، فى مدارس الأحد للأطفال، وخاصةً بالقرب من أيام الصوم الكبير، وخاصةً الأسبوع الأخير، منه الذى يطلق عليه أسبوع الالام، والذى يتداوله خلاله حكاية يهوذا الخائن الذى سلم سيده ومعلمه للموت، وأنتحر فيما بعد لفقدان رجائه، ولم يتخيلوا الأقباط أن ما يقوموا بروايته فى مناهج مدارس الأحد يمر التاريخ ليعاصروه بنفسهم، حتى أخذت ردود الأفعال تثير فى حالة من الجدل وخاصة بعد إنتحار الراهب أشعياء المقارى.

ومن هنا أكد البابا تواضروس خلال وعظته الأخيرة، على الضعف البشرى الذى يعرض له الجميع، وأن كان راهب ينتحر فهذا لا يفسد، كيان الرهبنة، بل هو فرد ضمن مجموعة من الأفراد، وارد أن يدخلهم شيطان، مؤكدًا أن الكنيسة المنتصرة، لا تهتز، والله وحده هو من يحمى الإيمان.

وأشار البابا، فى حادث مقتل الأنبا إبيفانيوس إلى أن ما حدث هو جريمة وهذه الجريمة فيها مجني عليه، وحتى الأن التحقيقات لم تنتهي، والتحقيقات التي تقوم بها الشرطة والنيابة هي تحقيقات في جريمة، وهو أمر عادي، الغرابة أن الجريمة حصلت داخل دير ولرئيس دير، لكنها جريمة اولًا وأخيرًا وفيها مجنى عليه.

وأضاف البابا: "أن مازال التحقيق مستمر والاتهامات تتفرق على كثيرون، ومفيش حاجه للخواطر الجرائم ليس فيها خواطر وليس من صالح أحد التستر على أحد ولما اصدرنا القرارات اصدرناها من أجل ضبط الحياة الرهبانية"، مؤكدًا أنه هناك قرارات أخرى وقوانين سيقوم بإصدارها.