رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المصالحة الفلسطينية.. ومصالح حركة حماس!


 

إلى القاهرة، جاء وفد حركة حماس في الخارج، الأربعاء، بعد زيارة لقطاع غزة، استمرت ٦ أيام، عقد خلالها المكتب السياسي للحركة اجتماعات داخلية مطولة، لبحث المقترحات المتعلقة بالتوصل إلى هدنة مع الإسرائيليين، ومناقشة ملف المصالحة مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان الوفد سيعود مجددًا إلى غزة أم لا، ذكرت مصادر أن أعضاء الوفد سيغادرون مصر إلى دول أخرى، باستثناء صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وثلاثة آخرين، لإكمال المباحثات مع المسئولين المصريين.

الوفد، الذي يرأسه العاروري، يضم سبعة من أعضاء المكتب السياسي للحركة في الخارج، وجاء إلى القاهرة حاملًا رؤية حماس وتصوراتها «النابعة من الرؤية الوطنية الجامعة، التي تسعى إلى تحقيق مصالحة حقيقية، ووحدة وطنية قائمة على الشراكة الكاملة في بناء النظام السياسي والمؤسسات الوطنية». وما بين التنصيص ننقله عن بيان أصدرته الحركة، أشارت فيه إلى أن المكتب السياسي ناقش «الجهود المختلفة التي تبذلها أطراف عدة، لاسيما مصر، لتحقيق المصالحة ورفع الحصار، وتنفيذ المشروعات التنموية والإنسانية في قطاع غزة، وحماية الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة». وأكدت أنها تعاملت مع هذه الجهود «بعقل وقلب مفتوحين، حرصًا على مصالح الفلسطينيين».

خلال لقاء عقده مع ممثلي الفصائل، مساء الثلاثاء، قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، إن «رؤية حماس» لكل الملفات التي تم طرحها للنقاش في الاجتماعات، التي عقدها المكتب السياسي، وفي اللقاءات مع الفصائل وتشمل «تصوّراتها حول المصالحة وكسر الحصار والحديث عن التهدئة ومواجهة اعتداءات الاحتلال وإعادة بناء المشهد الفلسطيني على أسس قوية». وفي البيان المشار إليه، أشارت الحركة إلى استمرار مسيرات العودة وكسر الحصار، وقالت إن لديها استعداد للتفاوض غير المباشر لإنجاز صفقة وصفها البيان بأنها «مشرفة». بينما نقلت مصادر عديدة أن الرؤية الحمساوية، التي توافقت عليها الحركة داخليًا، ووافق عليها جناحها العسكري، كتائب عزالدين القسام، اشترطت قبل مناقشة أي شروط لحركة فتح، تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، ورفع العقوبات عن غزة، وضمان إجراء انتخابات شاملة، وإعادة تفعيل منظمة التحرير وتطويرها.

عليك هنا أن تتذكر أن هنية، خلال لقائه بقادة الفصائل وممثليها، في ٢٥ سبتمبر الماضي، أعلن أن حماس اتخذت «قرارًا استراتيجيًا ونهائيًا» لإتمام المصالحة، وأنها «جاهزة لتقديم كل التضحيات مهما كلفها من ثمن». وعليك أن تلتفت إلى أن كتائب القسّام، لا تزال هي القوة المسيطرة على القطاع، وأن أحدًا لم يقل، تصريحًا أو تلميحًا، إنها ستخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية القديمة أو الجديدة، أو على الأقل ستقبل بفرض نوع من الرقابة عليها، ولن نحلم ونقول «نزع سلاحها». وطبعًا ستزداد الحسبة تعقيدًا، لو أضفت إليها «لوغاريتم» أو «لوغاريتمات» القوات والكتائب والميليشيات الخاصة بالفصائل المختلفة ذات الامتدادات المتعددة، التي تدّعي حماس، دائمًا أو أحيانًا، عدم مسئوليتها عن أعمالها أو عملياتها. ولن تتسع المساحة أو «خلقك الضيق» لذكر أسماء وسوابق الفصائل والميليشيات الـ٥٠ التي تلهو وتلعب في القطاع بمليون قطعة سلاح على الأقل!.

غير ما أضافته المصادر إلى الرؤية الحمساوية، فإن الدهشة هي رد الفعل الأقل على ما زعمه بيان الحركة بأنه «لا أثمان سياسية لذلك، ولا تنازل عن حقها في السلاح والمقاومة والوحدة الجغرافية والسياسية بين الضفة والقطاع». وستزيد دهشتك لو عرفت أن الرؤية التي تم التوافق عليها، خلال الاجتماعات التي عقدها المكتب السياسي للحركة، يومي الجمعة والسبت الماضيين، بحضور كامل أعضائه، تضمنت الموافقة على هدنة تمتد لخمس سنوات، مع الإسرائيليين، تمر بعدة مراحل، أولاها وقف إطلاق نار متبادل على الحدود، يتبعه السماح بإدخال دائم للبضائع، من خلال معبري رفح وكرم أبوسالم، وإعادة مساحة الصيد إلى ما كانت عليه (٦ أميال)، ثم توسيعها في مرحلة أخرى لاحقة إلى ٩ ثم ١٢ ميلًا، خلال عامين. على أن تستمر المباحثات، خلال السنوات الخمس، لتمديد فترة الهدنة، بالتوازي مع مباحثات أخرى تتعلق ببناء ميناء بحري لغزة، وبناء مطار خاص بسكان القطاع.

بعيدًا عن قبول الإسرائيليين بما قد تطرحه حماس، من عدمه. وبغض النظر عن تبادل الطرفين «رسائل الاعتذار والتوضيح»، الأربعاء، إثر الاشتباك الذي وقع بين الجانبين، الثلاثاء، دون أن يكون لهذه الرسائل، غير المسبوقة، أي انعكاس على الأرض. بعيدًا عن ذلك، وبغض النظر عن هذا، فما قد يزيد الصورة تعقيدًا هو أن المجلس المركزي الفلسطيني، من المفترض أن يجتمع، الأربعاء المقبل، للمرة الأولى بعد قيام المجلس الوطني بمنحه صلاحياته في مايو الماضي. وتم توجيه دعوات لـ١٠ من مسئولي حركة حماس، وإلى الآن لم يتم الرد على تلك الدعوات، بينما أعلن أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أنه سيجرى خلال الاجتماع تقديم تقرير عن نتائج الحوار مع الحركة، بهدف تحديد الخطوات اللاحقة لتسلم حكومة الوفاق كامل مسئولياتها في قطاع غزة، أو أن تتركها بالكامل لما وصفها بـ«سلطة الانقلاب».

من المنتظر أن يبدأ الاجتماع بكلمة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يستعرض فيها الموضوعات التي سيتم اتخاذ قرارات بشأنها، وأهمها تحديد العلاقة مع الاحتلال، والانسحاب التدريجي من كل الاتفاقات بما فيها تلك المتعلقة بالشئون المدنية والترتيبات الأمنية المشتركة، وكذا المتعلقة بالمجال الاقتصادي بشقيه التجاري والمالي. بالإضافة إلى طرح الإجراءات والبدائل التي ينبغي أن تتخذها الحكومة الفلسطينية، في مواجهة أي إجراءات مضادة قد يتخذها الإسرائيليون. وكان المجلس الوطني الفلسطيني كان قد أعلن أن اتفاقات أوسلو والقاهرة وواشنطن، بما تضمنته من التزامات، لم تعد قائمة، وأن الهدف المباشر هو استقلال دولة فلسطين، والانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة. وكلف المجلس اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، وكرر طلبه بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله، والتحرر من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس. كما أكد تمسكه بمبادرة السلام العربية ورفضه أي محاولات لتغييرها أو تحريفها.

حسب جدول أعمال المجلس المركزي، فإن الاجتماع يستمر ليومين متتاليين، يتم خلالهما مناقشة تقرير اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني الصادرة عن دورته الأخيرة، ومناقشة سبل التحرك على الصعيد الدولي، في ضوء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وانسداد آفاق التسوية، ومناقشة وضع آليات تعزيز مواجهة عمليات التهويد الإسرائيلية، وسبل التصدي لقوانين الكنيست العنصرية بما فيها قانون القومية، إضافة إلى التطورات في قطاع غزة، ومناقشة مصير اتفاقات المصالحة الوطنية، وملفات اللاجئين والمقاومة الشعبية. كما سيناقش المجتمعون وضع آليات لعمل اللجان الدائمة للمجلس الوطني، وتفعيل عمل مؤسسات ودوائر منظمة التحرير، وآليات الانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة.

..وتبقى الإشارة إلى أن قرارات المجلس المركزي سيحملها الرئيس الفلسطيني إلى العالم، في خطاب سيلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر المقبل. وقد تكون الإشارة مهمة (أو لا تكون) إلى أن حركة حماس ما عاد يعنيها غير تبادل الأسرى بشكل منفصل، التهدئة أو الهدنة مع الإسرائيليين، ورفع الحصار عن قطاع غزة، سواء تمت المصالحة أم لم تتم، وسواء بمشاركة وموافقة السلطة الوطنية الفلسطينية أو بدونها!.