رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. يونان لبيب رزق.. مؤرخ تاريخ مصر المُعاصرة


وُلد يونان لبيب رزق فى ٢٧ أكتوبر ١٩٣٣. حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ من كلية الآداب- جامعة عين شمس عام ١٩٥٥، ثم ماجستير التاريخ الحديث من جامعة عين شمس عام ١٩٦٣، ودكتوراه التاريخ الحديث «عن تاريخ السودان المُعاصر» من جامعة عين شمس عام ١٩٦٧.
بدأ حياته الوظيفية مدرسًا عام ١٩٦٧، وتدرج فى السلك الأكاديمى حتى درجة أستاذ ورئيس قسم التاريخ الحديث فى كلية البنات جامعة عين شمس فى الفترة «١٩٦٩ - ١٩٧٩»، وأصبح أستاذًا متفرغًا عام ١٩٩٣. شكل مدرسة تاريخية فى كلية البنات وفق رؤيته، واستكمل تاريخ مصر من خلال الإشراف على مئات رسائل الماجستير والدكتوراه، تلك التى كونت «موسوعة تاريخية لمصر المُعاصرة». كانت هذه الرسائل وموضوعاتها محل نقاش فى «سيمنار» Seminar كلية البنات جامعة عين شمس. لقد قرأ د. يونان لبيب رزق التاريخ دون تحيز، لكى يقدم لنا التاريخ بقراءة مختلفة عن الآخرين، كان مجددًا عن غيره من المؤرخين، صادقًا مع نفسه وقرائه.
من الأدوار الوطنية المهمة التى اضطلع بها د. يونان لبيب رزق، الدور الذى قام به أثناء شغله عضوية هيئة الدفاع المصرى فى قضية «طابا» عام ١٩٨٨، حيث كان له دور حاسم فى إعادتها لمصر من خلال الوثائق التاريخية والصور التى قدمها للجنة التحكيم والتى حسمت بشكل قاطع ملكية مصر لهذه المنطقة فى سيناء. ومن أدواره الوطنية أيضًا عضوية الوفد المصرى فى مؤتمر مدريد عام ١٩٩٠، وعضوية الوفد المصرى فى المفاوضات مع السودان حول قضية «حلايب» خلال عامى ١٩٩٢ و١٩٩٣م.
للدكتور يونان لبيب رزق أكثر من ٤٠ مؤلفًا فى التاريخ، من أهمها: «من ديوان الحياة المعاصرة» وصدرت عنه عدة مجلدات واستمر فى إصدار مجلداته فى الفترة من «١٩٩٥- ٢٠٠٨»، الحياة الحزبية فى مصر فى عهد الاحتلال البريطانى «١٩٧٠»، حرية الصحافة فى مصر فى الفترة (١٧٧٨-١٩٢٤) «١٩٧٣»، الأحزاب المصرية قبل الثورة «١٩٧٧»، مصر والحرب العالمية الثانية «١٩٧٧»، الوفد والكتاب الأسود «١٩٧٨»، الأصول التاريخية ومسألة طابا «دراسة وثائقية» «١٩٨٣»، طابا قضية العمر «١٩٨٩»، قراءات تاريخية على هامش حرب الخليج «١٩٩١»، مذكرات فخرى عبدالنور «١٩٩٢»، مذكرات عبدالرحمن فهمى «١٩٩٣». ومن خلال رئاسته اللجنة العلمية لمركز دراسات تاريخ مصر المعاصرة، فى دار الكتب والوثائق المصرية، دفع مئات الدراسات نحو النور من خلال سلسلة كتب أسسها، هى «نهضة مصر» التى صدر عنها ما يزيد على ٧٠ كتابًا حتى تاريخ وفاته، سدت ثغرات كبيرة فى الدراسات المتعلقة بتاريخ «مصر المُعاصرة»، أراد أن يبدأ بكتاب يجذب الرأى العام والمؤرخين لها، فبدأها بكتاب «الأصول التاريخية لمسألة طابا (دراسة وثائقية)». هذا الكتاب هو خلاصة ما وصل إليه من بحث، بعد ضمه سنة ١٩٨٥ إلى اللجنة الوطنية المصرية التى رأسها القانونى القدير د. وحيد رأفت، الذى عهد إلى د. يونان لبيب رزق بمهمة جمع الوثائق الخاصة بالنزاع المصرى- الإسرائيلى حول منطقة طابا، فكسبت مصر القضية بحكم قانونى، وهنا تحول د. يونان رزق إلى بطل قومى، فبعد أن كان ضمن مؤرخى الجامعات المصرية المرموقين، صار شخصية عامة.
كان لسنوات عضوًا فى مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واتحاد المؤرخين العرب، والمجلس الأعلى للصحافة، وعينه الرئيس حُسنى مبارك عضوًا فى مجلس الشورى المصرى لخبراته المتميزة. عهدت إليه صحيفة «الأهرام» بتأسيس مركز دراسات تاريخ «الأهرام»، فاختار فريقًا من شباب الباحثين لمعاونته فى هذه المهمة، ليُخرج لنا كل يوم «خميس» من كل أسبوع مقالة- على صفحة كاملة- ظل يكتبها حتى وفاته، وظلت تُنشر ممهورة بتوقيعه حتى فبراير ٢٠٠٨، ليُنتج لنا ما يزيد على ٧٠٠ دراسة توثق لحياة المصريين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كنا نحرص على مطالعة الصفحة أسبوعيًا باهتمام شديد، ومازلت أحتفظ بكثير من تلك المقالات. وأتذكر أنه بعد أن طالعت إحدى هذه الحلقات أرسلت له شخصيًا- على عنوانه بجريدة الأهرام- بعض الملاحظات، وبعد فترة قصيرة جدًا تلقيت منه رسالة خطية تؤيد ما ذكرته، وما زلت أحتفظ برسالته هذه وبخطه الجميل.
حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة «١٩٩٥»، جائزة مؤسسة الفكر العربى «٢٠٠٢»، جائزة الحركة الثقافية اللبنانية «٢٠٠٤»، جائزة مبارك (حاليًا تحمل اسم جائزة النيل) فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة «٢٠٠٤».
كان من المقرر أن يشارك د. يونان لبيب رزق فى المؤتمر الذى انعقد فى المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مرور ٩٠ عامًا على ميلاد الرئيس جمال عبدالناصر بالتعاون مع الجمعية التاريخية الذى بدأ الثلاثاء ١٥ يناير ٢٠٠٨، لكنه تغيب إذ فارق الحياة فى نفس اليوم، حيث توفى فى السابعة من صباح يوم الثلاثاء ١٥ يناير ٢٠٠٨ عن عمر يناهز ٧٤ عامًا بعد صراع طويل مع مرض القلب إثر أزمة قلبية بعد أن كان يمارس العمل بشكل معتاد فى اليومين السابقين على وفاته بلجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة. شُيعت جنازته من كنيسة السيدة العذراء بمدينة نصر، وأقيم العزاء بالكنيسة نفسها مساءً.