رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا نكتب؟


الكاتب الذى يدعى أن له هدفًا من الكتابة، أعتقد أنه لا يقول الحقيقة، الكتابة نوع من تخليص النفس من بعض ما يعتمل داخلها، الكتابة هى صراع بين الحق والباطل فى عقل الكاتب، يحاول بكل الوسائل أن يُظهر الجانب الإنسانى داخله، إنها حالة روحانية تتلبس الكاتب فيكتب. نكتب لنعبر عن أنفسنا وعن آرائنا التى نعتنقها ونحب توصيلها للناس، نحن نكتب لنُشفَى من جراحنا، نحن نكتب لأنّ هناك حاجةً مُلحّةً فى أعماقنا تدفعنا إلى ذلك، تدفعنا إلى التّجريب، تدفعنا إلى ممارسة الإبداع، الكتابة خلقٌ وإبداع وروعة.

نكتب لأن الله منحنا تلك القدرة الإبداعية لننقل للناس ما تعلمناه من تجاربنا الطويلة فى الحياة والعمل، والمشاركة مع الآخرين فى تلك الحياة، فى العمل، فى المواصلات، فى الشارع، فى المقاهى، وفى الندوات.
أحيانًا نرى أن الكتابة لا تسعفنا، ولا تحدث كتاباتنا أثرها المطلوب، ولكنها رسالة كتب علينا أن ننقلها للناس، وكما ننقل للناس فإننا ننقل عن الناس أوجاعهم، وآلامهم ومشاكلهم، وما يعانون منه، كما ننقل آمالهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل.
نكتب لأننا نعتقد أن هناك شيئًا مهمًا يجب أن نبلغه للدنيا كلها، ولا يستطيع أحد غيرنا قوله، نكتب لنرتاح من أحمال ثقيلة على كواهلنا، نكتب لنتعب عقولنا بأفكار جديدة قد تفيد الناس.
نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دومًا.. نكتب لأن الكتابة حياة، وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نسكت.. نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ ويعى ويفهم.. نكتب لأننا نحب أن ننقل تجاربنا.
الكاتب هو حلقة وصل بين الحاكمين والمحكومين، ينقل إلى الحاكم نبض الناس وإحساسهم، وشعورهم، ورضاهم وسخطهم، ويعبر عن حالهم. وينقل من الحاكم خططه، وأهدافه ومراميه.
الكاتب الحق هو قناة جيدة، موصل جيد، لا يكذب ولا يجامل، ولا ينافق. الكاتب هو ذلك الإنسان الواعى والفاعل والمؤثر فى الوسط الاجتماعى الذى يعيش فيه، وهو ذلك الكائن الذى يرعى ويراقب خطواته ويعيد مرات.
عندما كتبت يوميات ضابط فى الأرياف، كنت أرى بعينى مدى معاناة الناس فى تعاملهم اليوم مع الشرطة فى مصر، خصوصًا فى الصعيد والقرى الفقيرة التى قيل إنها تؤوى الإرهابيين، وخلال مراحل البحث عن الإرهابيين المختبئين فى بيوت الفلاحين وحقول القصب والمزارع ارتكبتْ مآس مروعة، أساءت كثيرًا للعلاقة بين الشرطة والشعب البسيط، وفى نفس الوقت ارتكب الإرهابيون فظائع رهيبة، لم يتنبه لها شيوخنا الذين أيدوا الجماعات الإرهابية وتعاطفوا معهم، فكان لا بد من التعبير عن هذا، من منطلق أن الكاتب ضمير أمته. ولو تخاذل الكتّاب عن الكتابة فسيظل كثير من الحقائق مجهولًا.
ومع ذلك فقد فشلت الكتابة الأدبية فى مصر فى مواجهة الإرهاب، ومعه كل أجهزة الدولة الثقافية والتعليمية، ومن مظاهر هذا الفشل أن هناك أجيالًا جديدة من الإرهابيين تتخرج فى جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، وما زال من بين الكتاب والشعراء من يتفاعل مع الإرهابيين ومشروعهم التخريبى، وهم يشكلون الطابور الأخير فى المشروع الظلامى الذى انتشر ببلادنا.
ولا أعتقد أن للأدب دورًا فيما يحدث لبلادنا من هجمات إرهابية، الإرهاب عندنا يستند إلى موروث دينى فهموه بطريقة خاطئة قادتهم إلى الرغبة فى العيش فى الظلام.