رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: ‏التعليم.. تأشيرة الدخول لتنمية سيناء

جريدة الدستور

القوات المسلحة دمرت البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية فى سيناء
الجيش نجح فى قطع الدعم اللوجستى عن الجماعات الإرهابية بحصارها بريًا وبحريًا


لم تكن زيارة الفريق أول محمد زكى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، لقوات التأمين المتمركزة بشمال سيناء مجرد زيارة تقليدية، وإنما هى، ‏فى تقديرى، كانت حالة خاصة، ودفعة إنسانية شديدة الخصوصية امتزجت فيها مشاعر الأب تجاه أبنائه، كما رسمت الزيارة صورة رائعة الجمال لما ينبغى أن يكون ‏عليه شكل هذه المرحلة الفارقة فى عمر الوطن، وتقتضيه الحالة الراهنة، وما يفرضه الواجب المقدس من أجل تحقيق الاستقرار والأمن اللذين هما أساس كل شىء ‏يتعلق بالتنمية المنشودة.‏

إن تلك القوات المكلفة بأداء مهامها فى تنفيذ الخطط الأمنية المحكمة لمحاصرة وتضييق الخناق على العناصر التكفيرية والقضاء عليها فى مناطق مكافحة النشاط ‏الإرهابى فى إطار العملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨» ما هى إلا جزء من نسيج هذا الوطن الذى أنا على يقين تام بأنه، وعلى الرغم من كل ما يُحاك ضده من مؤامرات ‏سواء فى الداخل أو الخارج، سيظل متماسكًا وقويًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.‏

مصر مقبلة على مرحلة تحقيق التطوير الشامل لـ«أرض الفيروز»‏

أرى أن تلك الزيارة تمثل نقلة نوعية فى تعامل قواتنا المسلحة الباسلة مع سيناء المكان والمكانة.. سيناء البشر والحجر.. سيناء الماضى العريق والمستقبل الواعد، فالزيارة، وإن كانت قد ركزت على ‏اطمئنان وزير الدفاع على سير العملية العسكرية «سيناء ٢٠١٨» إلا أنها على أرض الواقع وفى تقديرى الشخصى، قد أكدت أيضًا وبما لا يدع مجالًا للشك أننا مقبلون على مرحلة جديدة بفكر جديد ‏يستهدف فى المقام الأول تحقيق التنمية الشاملة لسيناء، تلك التنمية التى يضعها الزعيم والقائد والرئيس عبدالفتاح السيسى فى صدارة اهتماماته وفى أولوية برنامجه الطموح من أجل بناء الدولة المصرية ‏خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لأن مشروع تنمية سيناء، وما يصاحبه من خطوات مهمة فى مختلف المجالات وعلى كل الأصعدة يأتى ضمن منظومة عمل متكاملة من شأنها خلق تنمية مستدامة قادرة على ‏مواكبة ما يجرى من تطور هائل فى شتى مجالات الحياة.‏
وحتى نصل إلى تحديد الرسائل المهمة التى تضمنتها تلك الزيارة علينا أولًا النظر بدقة فى برنامجها بالكامل، فالزيارة بدأت بتفقد مطار العريش وقوات التأمين للوقوف على الاستعداد والكفاءة القتالية ‏والاطمئنان على الحالة الإدارية والمعيشية للعناصر المشاركة فى النقاط والارتكازات الأمنية، وفى هذا الأمر دلالة واضحة وضوح الشمس على اهتمام القوات المسلحة بالعنصر البشرى، وهو ما يمكن أن ‏نلمسه بشكل لافت للنظر فى قيام القائد العام بمشاركة أبطال القوات المسلحة فى تنفيذ بعض الأنشطة الرياضية والبدنية، مشيدًا بالروح المعنوية والقتالية العالية التى يتمتع بها مقاتلو شمال سيناء، وهذه نقطة ‏مهمة بل فى منتهى الأهمية، فالمقاتل حينما يكون على هذا النحو من الحالة المعنوية المرتفعة، التى يبثها بداخله قائده العام فإن ذلك من شأنه تحقيق معدلات هائلة من النتائج التى نجدها فى كثير من الأحيان ‏تفوق الواقع وتزيد على التوقعات.‏
كما قام القائد العام للقوات المسلحة أيضًا بتفقد مركز العمليات الدائم بقطاع تأمين شمال سيناء لمتابعة مراحل سير العمليات العسكرية، التى تنفذها قوات مكافحة الإرهاب على مدار الساعة، وهو ما يجعلنا ‏نضع أيدينا على حرص القوات المسلحة على الجانب التقنى فى عصر أصبحت فيه تلك المسألة فى مقدمة العناصر التى تؤدى فى النهاية إلى التفوق.‏
أما حينما بدأ القائد العام للقوات المسلحة لقاءه بقوات تأمين شمال سيناء بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح شهداء الوطن الأبرار من رجال القوات المسلحة والشرطة، وقيامه بنقل تحيات وتقدير الرئيس ‏عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، واعتزازه والشعب المصرى بما يقومون به من أعمال بطولية ساهمت فى اقتلاع جذور الإرهاب وعودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها لمدن ‏شمال ووسط سيناء، ففى تلك المسألة دلالة واضحة على أن القيادة العليا للقوات المسلحة تعى جيدًا، وتدرك تمام الإدراك أهمية ما يجرى من تضحيات فى سبيل الوطن وتأكيد على أن القيادة العامة للقوات ‏المسلحة تولى اهتمامًا كبيرًا بالفرد المقاتل، وتعى جيدًا ضرورة وأهمية تسليحه بأحدث التقنيات والمعدات، التى تمكنه من تنفيذ كل المهام التى توكل إليه تحت مختلف الظروف.‏

انتظام الدراسة فى «جامعة سيناء» مع بداية العام المقبل ضرورى بالتوازى مع استمرار ‏الجهود العسكرية للجيش والشرطة

لقد توقفت طويلًا أمام ما نوه إليه القائد العام للقوات المسلحة من وجود تنسيق وتعاون جيد بين القوات المسلحة والشرطة لرصد وتتبع الخلايا الإرهابية وتنفيذ الضربات الاستباقية الناجحة ضد هذه ‏العناصر.‏
وفى هذا الشأن فإننى أرى أن أروع ما جسدته العملية سيناء ٢٠١٨، فضلًا عما قدمته من إنجازات مهمة فى القضاء على الإرهاب واقتلاعه من جذوره هو ضرب أروع مثل فى تلاحم الجيش ‏والشرطة فى أكبر صور العطاء للوطن، وهو ما يلمسه بوضوح أهالى سيناء الذين هم فى الحقيقة يمثلون خط الدفاع الأول عن أمن مصر القومى جنبًا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة والشرطة، وهو ‏ما يستوجب بالفعل التطوير المستمر فى الاستراتيجيات الأمنية، التى يجرى تنفيذها على الأرض لمواجهة العمليات الإجرامية فى سيناء والتى تنصهر فيها جهود الجيش والشرطة والشرفاء من أهالى تلك ‏المنطقة الغالية علينا التى ارتوت رمالها بدماء أبنائها، الذين نراهم فى مواجهات مستمرة مع أعداء الوطن الخونة، أعداء الحياة الذين لا يجيدون سوى لغة القتل ولا يحترفون سوى سفك الدماء، وهو ما ‏يدعونى إلى المطالبة بضرورة الحفاظ على أعلى درجات اليقظة والجاهزية التى يتميز بها خير أجناد الأرض للتصدى لكل التهديدات والمواقف العدائية واستعادة الأمن والأمان لهذا الجزء العزيز والغالى ‏من أرض مصر. وحينما أتحدث عن تنمية سيناء فإنه يتبادر إلى الذهن مسألة غاية فى الأهمية تتعلق بالمناخ العام الذى تتطلبه تلك التنمية المنشودة والتى توفر لها القيادة السياسية كل الإمكانات المادية ‏واللوجستية أيضًا، وأعتقد أن هذا المناخ العام الذى تحتاجه خطط وبرامج التنمية لن يأتى دون إفساح المجال أمام خلق بيئة صحية حاضنة للإبداع والتفوق، وهذا بالطبع يكمن فى كل ما تقدمه جامعة سيناء ‏لأهالى تلك المنطقة ما يدعونى إلى المطالبة بضرورة عودة انتظام الدراسة فى جامعة سيناء مع بداية العام الدراسى الجديد حتى تستكمل مسيرتها التعليمية والتنويرية أيضًا فى سيناء باعتبارها نقطة الإشعاع ‏الرئيسية التى لا تعتمد على كونها مؤسسة تعليمية تقدم العلوم لأبناء المنطقة وحسب بل تتسع الدائرة لتصبح مركزًا تنويريًا يشع ثقافة وعلمًا، وهو ما نلمسه بوضوح فى تلك الأنشطة الثقافية والفنية التى ‏تحرص الجامعة على تقديمها بشكل منتظم لتوفير خدمة تنويرية لسكان سيناء بالكامل على مدار العام.‏
ونظرًا لأن الدراسة فى جامعة سيناء تأثرت كثيرًا منذ بدء العملية سيناء ٢٠١٨ فإننى أرى ضرورة أن تتم دراسة مسألة إعادة استئناف أنشطتها مجددًا خاصة أن العملية قد أتت بالفعل بنتائج مذهلة عسكريًا ‏بالقضاء على تلك البؤر الإرهابية، وهو ما يتطلب أيضًا السعى نحو تحقيق نتائج علمية وتثقيفية تتناسب وحجم ما تحقق على أرض الواقع من عمل عسكرى غير مسبوق، فقد استطاعت القوات المسلحة ‏المصرية أن تدمر البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية التى كانت تنتشر فى أماكن مختلفة على أرض سيناء، بالإضافة إلى قطع الدعم اللوجستى عن تلك الجماعات بحصارها بريًا وبحريًا مع القيام بتدمير ‏أغلب الأنفاق فى الاتجاه الشمالى الشرقى، خاصة أن تلك الأنفاق كانت تمثل خطرًا حقيقيًا على الأمن القومى المصرى، حيث إنها تعد من المصادر الرئيسية، التى كان يتم استخدامها فى دعم الإرهاب داخل ‏سيناء.‏
من هنا فإنه لا بد من أن تعود الحياة التعليمية، كما كانت من قبل وهو الدور الذى كانت تقوم به جامعة سيناء، وفى هذا الصدد فإننى أرى أيضًا ضرورة أن تتم ترجمة ما كان يدعو إليه بشكل مستمر رائد ‏التعليم فى سيناء الدكتور حسن راتب، فهو أول من طالب بأن يتم تنظيم مؤتمر دولى فى سيناء يناقش قضايا التعليم والتنوير استكمالًا لما حققته العملية العسكرية التى اقتلعت الإرهاب من جذوره، فالرجل ‏صاحب رؤية حقيقية، ولديه وجهة نظر مستوحاة من الواقع تشير إلى أن تنمية سيناء ليست مجرد مجموعة مبانٍ أو منشآت أو مصانع يتم تنفيذها هنا وهناك وإنما هى عملية متكاملة تبدأ أولًا بالتعليم والتثقيف ‏والتنوير، وهذا بالطبع لن يتأتى دون أن يكون هناك كيان تعليمى مهمته الأساسية مواجهة الإرهاب بالفكر وبالثقافة، ومن خلال استخدام كل أشكال وأنواع القوة الناعمة، وأعتقد أن جامعة سيناء هى الصرح ‏الكبير المناسب للقيام بهذا الدور المهم فى عملية التنمية الشاملة لسيناء التى يجرى العمل بها الآن على قدم وساق

شبه الجزيرة أصبحت آمنة بالفعل.. والجيش لن يتهاون فى إعادة الاستقرار إلى المنطقة ‏كما كان من قبل

حينما أعود إلى الحديث عن زيارة وزير الدفاع لسيناء فإننى أرى أنها جاءت متضمنة العديد من الرسائل المهمة، وهى رسائل موجهة للداخل والخارج على حد سواء، وتأتى فى مقدمتها تلك ‏الرسالة الموجهة إلى الداخل المصرى والتى تفيد بأن هناك تنسيقًا كاملًا بين القوات العاملة على الأرض والقيادة العامة، بالإضافة إلى التنسيق مع رجال الشرطة المدنية، ما يحقق الهدف الأساسى ‏فى الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وذلك بما يسهم فى تحقيق أكبر قدر من الخسائر فى صفوف تلك الجماعات الإرهابية.‏
كما بعثت الزيارة رسالة مهمة أيضًا تفيد بأن القيادة فى الجيش لا يمكن أن تنفصل عن القاعدة من الضباط والجنود الذين يخوضون تلك العمليات العسكرية، إلى جانب رسالة أخرى تقول إن ‏الزيارة تؤكد للشعب المصرى أن القوات المسلحة لا يمكن أن تتخلى عن دورها الأساسى، فى تطهير أرض سيناء بالكامل من العناصر الإرهابية الضالة التى نشأت على أرضها بعد ثورة ٢٥ يناير، ‏وأن قوات إنفاذ القانون لن يهدأ لها بال إلا بعد تطهير الأرض وإعادة الإعمار فى المنطقة مرة أخرى فى المدن، التى تضررت من العمليات الإرهابية التى نفذتها تلك الجماعات التكفيرية الضالة، ‏أما بالنسبة لأهالى سيناء، فإن هذه الزيارة جاءت لتؤكد لهم أن سيناء أصبحت آمنة بالفعل، وأن الجيش لن يتهاون لحظة فى إعادة سيناء كما كانت من قبل منطقة آمنة مستقرة.‏
أما بالنسبة لباقى العناصر الإرهابية الموجودة على أرض سيناء، فإن الرسائل التى وصلتهم كثيرة ومتشعبة، وكلها تصب فى معنى واحد، وهو أن أرض سيناء عصية على الخونة وتجار الدين ‏وغير قابلة للقسمة على اثنين، فهى كانت ولا تزال وستظل كيانًا واحدًا فى جسد وطن واحد يرفض ويلفظ الدخلاء.‏
وأعتقد أن تلك الرسائل تتركز فى أن الجيش المصرى سيقاتل حتى يقضى على آخر إرهابى فى سيناء، كما أنه لم ولن يتوقف عن ملاحقة تلك العناصر الإجرامية فى أى موقع على تلك الأرض ‏الطيبة الطاهرة، التى دنستها أقدامهم القذرة، بالإضافة إلى أن ما تحاول أن تشيعه تلك الجماعات الإرهابية من مغالطات تفيد بأنها تسيطر على أجزاء من الدولة، أو أنها تثير الذعر بين المواطنين، ‏فهو أمر عار تمامًا من الصحة، لأن أرض العريش أصبحت بالفعل آمنة، وباتت مستقرة خاصة بعد أن تم القضاء على الكيانات القوية، التى كانت موجودة بالفعل، كما تمت تصفية عقولها المدبرة ‏من خلال العمليات العسكرية، التى نفذتها القوات المسلحة خلال الفترة الماضية على أرض سيناء. ‏
أما الرسالة الأهم فى تلك الزيارة لوزير الدفاع فهى تلك الرسالة الموجهة إلى الدول الداعمة للإرهاب فى سيناء، والتى أنفقت المليارات من أجل تنفيذ مخططها المسموم، ليس فى سيناء فقط، لكن ‏فى جميع أنحاء مصر بكاملها، وصدق المولى عز وجل فى قوله: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين»، فقد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد الضربات الموجعة، التى تنفذها القوات المسلحة ضد ‏أعضاء تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء والجماعات التكفيرية الأخرى فكانت الرسالة الأبرز، وهى أن مصر وقواتها المسلحة لن تسمح لأى تنظيم مهما كان تمويله ومهما كان مدعومًا من قوى ‏خارجية أن يهدد الأراضى المصرية، وأن الجيش المصرى لا يمكن المراهنة على تراجعه أو خسارته أى معركة أمام مجموعة من المرتزقة الذين لا وطن ولا دين لهم لأنهم يدينون فقط للمال ولمن ‏يدفع أكثر.‏
وبعيدًا عن النتائج المبهرة للعملية سيناء ٢٠١٨، وبعيدًا عن زيارة وزير الدفاع لسيناء، وبعيدًا عن كل تلك الرسائل التى تضمنتها تلك الزيارة، فإننا الآن أمام حقيقة مؤكدة وهى أن التنمية المنشودة ‏فى سيناء أصبحت أمرًا حتميًا، وأن المناخ أصبح الآن أكثر تقبلًا لتنفيذ خطط التنمية الشاملة التى نحن فى أشد الحاجة إليها الآن.‏
فهل تشهد الأيام المقبلة تحركًا على أرض الواقع من أجل عودة جامعة سيناء لتتبوأ المكانة التى كانت عليها من قبل؟ وهذا الأمر ضرورى حتى يعود آلاف الطلاب إلى مواصلة تحصيل العلم من ‏خلال هذا المنبر التعليمى المهم الذى يحظى بمكانة مرموقة فى مجال التعليم والتثقيف والتنوير، وذلك من خلال رؤى مستنيرة صاغها بجدارة واقتدار عالم جليل هو الدكتور حسن راتب الذى كان ولا ‏يزال، وسيظل مسكونًا بحب سيناء.. هائمًا فى عشقها.. مهمومًا بتنميتها كما كان منذ سنوات طويلة مضت حينما قرر، وبمحض إرادته، خوض غمار الحرب ضد الجهل والفقر والتطرف فى هذه ‏البقعة الغالية، وذلك من خلال مشروعات تنموية أقامها فى عدة مجالات كان فى طليعتها بالطبع إنشاء جامعة سيناء التى استطاعت وفى وقت قياسى أن تصبح فى صدارة المشهد التثقيفى والتنويرى ‏ليس فى منطقة سيناء فقط بل فى جميع ربوع مصر أيضًا.‏