رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد قرارات "تواضروس".. الرهبان يموتون عن العالم بالعودة للزهد

 البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني

"انت موتم عن العالم"، هكذا وصف قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أحوال الرهبان كما تكون خلال صلاة جنازة الانبا ابيفانيوس رئيس دير الانبا مقار بوادي النطرون والذي مثل رحيله صدمة للاقباط بعد اثبات الشبهة الجنائية في مقتله حسب تقرير النيابة الجنائية المبدئي، ما دفع البابا ولجنة الرهبنة وشئون الاديرة باصدارات قرارات حاسمة هدفها عودة الإنضباط لحياة الرهبنة التى تغير مسارها القديم حيث الزهد والموت عن العالم.



*قرارات لجنة الرهبنة الجديدة
كانت جنازة الانبا ابيفانيوس بداية انطلاق رسائل البابا تواضروس للرهبان، حيث وجه قداسته خلال صلوات جناز رئيس دير الأنبا مقار، بضرورة الحفاظ على أمانة الرهبنة والسير على الإيمان المسيحي المستقيم.

وطالب الرهبان بعدم الظهور الإعلامي، الأمر الذي شددت عليه مجددًا لجنة الرهبنة وشئون الأديرة والذي عقد معها البابا اجتماعًا موسعًا عقب مقتل الأنبا إبيفانيوس، والذي صدر بعد عدة قرارات هامة تؤكد نية البابا الإصلاحية تجاه الأديرة.

وقرر البابا خلال اجتماعه مع لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس، عدم قبول أي رهبان أو طلاب رهبنة بالأديرة لمدة عام كامل يبدأ من أغسطس 2018م، معلنا أن الأماكن التى لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك، مع عدم السماح بأي أديرة جديدة سوى التى تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به.

وأكدت اللجنة على ضرورة تحديد عدد الرهبان فى كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته، وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة وتجويد العمل الرهبانى.

وأكدت اللجنة في قراراتها على إيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية (القسيسية والقمصية) لمدة ثلاث سنوات والالتزام بعدم حضور علمانيين على الإطلاق فى الرسامات الرهبانية.

وأشارت اللجنة إلى أن الأديرة تستقبل الزوار طوال العام باستثناء فترة الصوم الكبير، والميلاد وجميع الأصوام ما عدا يومي الجمعة والأحد خلال فترة الصوم.

وشددت اللجنة على ضرورة الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب، وإلتزامه داخل الدير واهتمامه بأبديته التي خرج من أجلها ودون الحياد عنها.

ونوهت اللجنة إلى أن الراهب يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الكهنوت وإعلان ذلك رسميًا إذا أرتكب هذه الأفعال وهى الظهور الإعلامى بأى صورة ولأي سبب وبأي وسيلة، التورط في أي تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره، التواجد خارج الدير بدون مبرر، والزيارات بدون إذن مسبق من رئيس الدير.

أوضحت اللجنة أنه لا يجوز حضور الأكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الدير بحد أقصى راهبين.

ومنحت الرهبان فرصة لمدة شهر لغلق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى، والتخلى الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التي لا تليق بحياتهم وقبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم.

ناشدت اللجنة جموع الأقباط بعدم الدخول في أي معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات، وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم، بالإضافة إلى تفعيل دليل الرهبنة، وإدارة الحياة الديرية الذى صدر من المجمع المقدس فى يونيو 2013، وهى مسئولية رئيس الدير ومساعديه.



كبار الكنيسة يبدأون تنفيذ قرارات اللجنة وعلى رأسم البابا.

أعلن البابا تواضروس الثانى، عقب اصدار قرارته بمشاركة لجنة والرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس، أنه قررغلق صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، كمبادرة أبوية يحث من خلالها أبنائه على تنفيذ القرار.

وصرح البابا، عبر رسالته الأخيرة بموقع التواصل الإجتماعى "فيس بوك"، إن الوقت أثمن عطية يعطيها الله لنا يوميا ويجب أن نحسن استخدامها والمسيحى يجب أن يقدس وقته والراهب يترك كل شيء لتصير الحياة كلها مقدسة للرب".

وأضاف أن ضياع الوقت فى الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعى صارت مضيعة للعمر والحياة والنقاوة، موكدًا أن الطاعة من نذورى الرهبانية التى يجب أن أصونها وأحفظها، لذا أتوقف عن صفحة "فيس بوك" الخاصة بى وأغلقها، وأحيى كل أخوتى وأبنائى الذين نهجو طاعة لقرارات كنيستى المقدسة.

ومن جانبه أعلن الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، عن مبادرته بتنفيذ قرار لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس، معربا عن تضامنه مع القرارات الباباوية، من خلال كلماته الأخيرة، لمتابعيه وأحبائه الذين ينتظرون يوميًا ما ينشره من كلمات كتابية بالإنجيل، ومعزية من خلال "الفيس بوك"، قائلًا: " بصفتي راهب قبطي أرثوذكسي سأقوم بإغلاق حسابي على صفحة الفيس بوك وكل الوسائل الأخرى ويكفي التواصل مع الشعب من خلال التليفون العادي والسكرتارية".

وأشار إلى أن مايمكن أن يتواصل مع رعاياه من خلاله، القراءة اليومية فيمكن متابعتها عن طريق تطبيق ارثوذكسي على الجهاز المحمول، الذى يرسل من خلاله كلمات كتابية من الإنجيل.

وأغلق الأنبا دانييل أسقف سيدنى، صفحته الخاصة على الفيس بوك، وقال فى رسالته الأخيرة: إن الراهب يترك كل شئ لتصير الحياه كلها مقدسه لله، مضيفًا: طاعتا لكنيستى القبطية الارثوذكسية وابينا قداسه البابا المعظم الانبا تواضروس وابائى المطارنه والاساقفه أعضاء لجنه الرهبنة بالمجمع المقدس سأتوقف عن صفحتى الخاصة هذه على الفيسبوك وأغلقها، لأن الطاعة من نذوري الرهبنيه التى يجب ان اصونها واحفظها.

رهبان الأديرة يودعون "فيس بوك"

قال الراهب القس بولس الأنبا بولا، بالبحر الأحمر، أولًا الله من جهة جميعكم، لقد كنتم دوما سببا لفرحي ومحورا لصلواتي التي فيها أطلب لكم مزيدا من الثبات والنمو في النعمة والحكمةـ ولا أزال شاكرا لأجلكم، ذاكرا أياكم في صلواتي.

وأضاف عبر وداعه لأبنائه على صفحته الخاصة بـ "فيس بوك": ثانيا، لقد كان موقع التواصل الإجتماعي سببًا رئيسيًا للتعرف ولقاء مجموعات متعددة من الشباب الواعد المهتم بالابحاث والدراسات اللاهوتية ومختلف العلوم الكنسية، والتي اشجعكم واحثكم علي بذل المزيد والمزيد من الوقت والجهد فيها، لأجل الكنيسة التي نحن جميعا غارقون في حبها حتي النخاع، وبهذه المناسبة أود أن أعبر لكم عن أمتناني فلقد استفدت كثيرًا منكم سواء من الأبحاث أو الأراء التي يقدمها كل منكم على صفحته الخاصة، مهما اتفقت أو اختلفت معها في الشكل أو المضمون لأني موقن بأنه "لا يستطيع المرء أن يقيم الحجة القوية علي صحة رأيه ما لم يكن عارفا بما يقدمه من يخالفه في الرأي".

وأشار إلى أن ولهذا عينه اقول لكم ليكن فيكم الفكر الذي للمسيح، فأرجو أن لا تنزلقوا في هوة الجدل والمنازعات والمناقشات الكلامية التي لا جدوى منها، بل اهتموا اكثر فيما هو للبنيان كأعضاء في جسد المسيح الواحد الذي هو الكنيسة، بالاستنارة الروحية في العمل الداخلي، وثانيا بالنمو الفكري في القراءة والبحث المنهجي وصياغة الفكر بشكل مكتوب عملي، سهل، ومنظم.

وأختتم وداعه قائلًا: واخيرًا طاعة لكلمات الكنيسة الأرثوذوكسية المقدسة المتمثلة في مجمعها المقدس، ولكوني أبنا لهذه الكنيسة كما أنتم أيضا أبناء لا أجراء، فتبعا قد تعلمت الطاعة من مثالها كما ظهرت السيد المسيح الذي مع كونه ابنا تعلم الطاعة، ليس خوفا من عقوبة ما لأن الأبن الحُر لا يخاف شيئا بينما الأجير يخضع خوفا من العقاب.

وأعلن الراهب القس بولس الانبا بيشوى، تضامنه قائلًا: "أرجوكم عن تجربة أن تثقوا أن قرارات الكنيسة وقداسة البابا تواضروس الثانى والمجمع المقدس دائمًا هى الصواب، وصدقونى فهم الأدرى بصالح الكنيسة، وهم الأدرى ببواطن الأمور التى لا تعرفوها، وهم من يواجهون المشاكل ويتحملونها ولا يتحدثون، فليس كل ما يعرف يقال، فعلينا أن نعيش في طاعة الكنيسه ونخلص لها وليس لأشخاص ونصلى لها ونترك أمورها لرعاتها، لافتًا لا تلتفتوا للشائعات، وأطيعوا الكنيسة بحب وثقه، وصلوا لسيدنا البابا تواضروس أن يعينه الله فى كل أمر فهو فى مسؤولية كبيرة وأيام صعبه، ولكن الرب عن يمينها فلن تتزعزع ".

وفى سياق متصل أعلن الراهب يسطس الاورشليمي إغلاق صفحته طبقا لقرار البابا، أيضا الراهب انطونيوس الشنودي وكيل دير الانبا شنودة بسوهاج أغلق صفحته.

قرارات تعيد الرهبنة لمسارها الصحيح

عن ردود أفعال الكنيسة، قال قال القس بولس حليم المتحدث الرسمى بإسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،: كنا في أشد الإحتياج لمثل هذه القرارات التى عبرت عن نبض الشارع الكنسي، لأنها تضبط الحياة الرهبانية بقوة.

وأضاف فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن القرارات تعالج التحديات التي تعوق نمو الرهبنة، لذلك لاقت قبولا من الكنيسة كلها، فالكنيسة القبطية هي التي أسست الرهبنة ونشرتها في العالم كله، وهي وريث مدرسة الاسكندرية اللاهوتية وحافظت علي الإيمان والميراث الروحي والكنسي في الازمنة الصعبة.

وقال فادى يوسف، مؤسس ائتلاف أقباط مصر، إن القرارات صحيحة وجاءت فى الوقت المناسب لتصحيح المسار الرهبانى وضبط السلوك داخل الأديرة.

وأضاف فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"،أن الأديرة غير المعترف بها يجب أن يخضع القائمين عليها لقرارات المجمع المقدس ويرجع كل راهب إلى ديره الأصلى ويلتزم بالحياة الرهبانية داخله.

وأكد أن تلك القرارات لصالح الرهبنة والرهبان فكل ما استحدث على الراهب غير مفيد روحيا يجب أن يعزل ويرجع إلى الحياة الأولى التى أسسها انبا انطونيوس الكبير، لافتًا إلى أن الكنيسة حازمة وحاسمة فى قراراتها وأى مخالفة لقرارات المجمع ستقابل بالتجريد الفورى ما جعل جميع صفحات الرهبان اغلقت فى أقل من ٢٤ ساعة من صدور البيان.

من جانبه قال الباحث القبطي مينا أسعد، أن القرارات حملت جانبا إداريا وفقا لرؤيه لجنه الرهبنه وتقييمهم للوضع الحالي، مشيرا في تصريحات خاصة للدستور،إلى أن غلق صفحات التواصل الاجتماعي كنا نتمنى أن تأتي في وقت سابق، فهي ليست مستحدثه فسبق البابا كيرلس السادس باصدار قرار بعوده الرهبان اديرتهم واصدر المجمع المقدس قرارا برئاسه البابا شنوده بمنع وجود تليفونات لدى الرهبان أو في القلالي.

وفي سياق متصل قال كريم كمال، رئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطنإ إن قرارات اللجنة تعيد الرهبنة القبطية إلى مسارها الصحيح من حيث الانضباط والوحانيات.

وأضاف في تصريحاته للدستور: "الرهبنة القبطية عمود أساسي في الكنيسة إذ منها يخرج بطاركة ومطارنة وأساقفة الكنيسة وأيضا هي منارة دائما يصلي رهبانها من أجل الكنيسة، لذلك يجب أن تكون خالية من الشوائب ورهبانها في حالة صلاة وموت عن العالم، وأيضا في حالة طاعة دائما للكنيسة والقيادة الدينية".

ووصف الكاتب والمفكر القبطي كمال زاخر، قرارات البابا بأنها خطوة مهمة للأمام فى إتجاه ضبط منظومة الرهبنة وحمايتها من الفوضى ومن التضخم غير المبرر وغير المنضبط، وتأتى لتعيد الإعتبار للمحاور الأساسية التى تقوم عليها الرهبنة والحياة الديرية.

وأضاف أن الدير سيبدأ فى استرداد سلامه، ويجد الراهب فرصته فى تحقيق ما ترك العالم من أجله، الوحدة والنسك والعبادة والتجرد، ويتخلص من ضغوط التواجد اليومى للزوار وعدم التزام كثيرين بالقواعد التى تفرضها الأديرة.

وتأتى أهمية هذه الخطوة لكون الرهبنة والأديرة هى المصدر الوحيد الذى استقرت عليه الكنيسة فى القرون الأخيرة الذى يمدها بقياداتها "الأساقفة والبابا البطريرك" فإذا صح المصدر صح المنتج.

وننتظر استكمال هذه القرارات بما يوازن بين الحياة الديرية الرهبانية وادارة المشروعات الاقتصادية فيه والتى تمثل ركنًا اصيلًا من نسق حياة الرهبان والتى تعد تطويرًا لما يعرف بـ (عمل اليدين)، بحيث لا تضغى على التزامات الرهبان فى العبادة، وسعيهم للأبدية.

ومما يضفى على هذه القرارات صفة الجدية ويدفعها فى اتجاه التطبيق صدورها بموافقة وتوقيع الاباء رؤساء الأديرة.

فى سياق متصل طالبت حركات قبطية، البابا تواضروس بحل رابطة حماة الايمان لما يقيمون به من مناقشة أمورعقائدية على مواقع التواصل الإجتماعي، كما طالب الاقباط، بقرار للكهنة يغلق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

كيف يعيش الرهبان بالاديرة بعد القرارات الجديدة؟

الرهبنة تعني الزهد والموت عن العالم باختيار الراهب، وهذا ما يسعى له قداسة البابا بالمعني الحرفي من خلال القرارات الجديدة ومن هنا يعود الرهبان إلي خدمتهم بعيدا عن ضوضاء وزحام عالم مواقع التواصل الإجتماعي.

ويسير يوم الرهبان بعد القرارات، منذ منتصف الليل، حيث التسبحة الذي يجتمع بها الرهبان في كنيسة الدير يعقبها صلوات القداس الالهي، ثم دراسة الكتاب المقدس وتفسيراته والذي يكون مسئول عن يوميا أو أسبوعيا راهبا واحدا.

لم تقتصر حياة الرهبان فقط على الصلوات ولكنهم يقدمون خدمات تهدف في رسالتها لتعمير الاديرة والتي تتثمل فى خدمة المضيفة والطعام بشكل دوري، وخدمات المكتبات ويكون مسئول عنها أيضا أحد الرهبان.

وانتشرت مزارع تابعة للاديرك القبطية تسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتوريد بعضه إلي الكنائس، يعمل بها عدد كبير من العمال ويخدم أيضا بها كثير من رهبان وطلاب الرهبنة، لتكون هذه حياة الرهبان اليومية، بالاضافة لقانونهم الكنسي الخاص بكل راهب في الصلوات اليومية الفردية بقلايات الدير.