رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تغلب رشدى أباظة على الملك فاروق ورافق فتاة "الأوبرج"؟

رشدى أباظة
رشدى أباظة

في إحدى السهرات كان "رشدي" يجلس في منزل "سهيل بولاد" صديقه وجاره في عمارة ميدان الأوبرا، وحين دقت الساعة الثانية عشرة، دق جرس الباب، ودخلت فتاة، كان جمالها، كما وصفها رشدي، يرسم حدود الرغبة في عيون الرجال.

تسمرت عينا "رشدي أباظة" وتفجرت بداخله الغريزة "الأباظية" القديمة، فخطا إليها، واستجمع قواه وقال بصوت "خشن":
اسمي رشدي أباظة.. ممثل سينمائي
فردت عليه بالفرنسية:
وأنا اسمي "آني برييه" مغنية
فقال بالفرنسية:
لو علمت أنني سأقابلك.. لتعلمت الغناء أولًا حتى اقترب منك.

فردت برقة الأنثى التي تفضل الاستسلام:
أعتقد أن الغناء والتمثيل ليسا بعيدين عن بعضهما البعض.. فكلاهما يعتمد على الصدق في الإحساس.

وبعد حوار طويل بينهما.. أدرك "رشدي أباظة" أنه أمام امرأة ذات شخصية قوية وتمتلك ثقافة عميقة.. وانتهت السهرة دون أن يظفر منها بابتسامة أو موعد.. فاشتعل غيظا، ولكن قبل أن تنصرف حدث ما لم يتوقعه.. فقد صافحته مودعة.. وقالت: أنا أغني في الأوبرج.. يا ريت تشرفني غدًا..!.

ابتسم رشدي وأدرك أن الباب لم يغلق تماما.. فقد تركته "مواربا" وحين عاد إلى منزله لم يمر النوم على عينيه.. فرغم مغامراته النسائية الكثيرة إلا أن "آني" الفرنسية كانت شيئا آخر.. وفي المساء فتح "دولاب" ملابسه، واختار بدلة بيضاء وقميصا أحمر، تعبيرا عن أحاسيسه الملتهبة تجاهها.. وعلى باب "الأوبرج" الذي دخله للمرة الأولى.. سيطرت رهبة المكان عليه، فقد سمع عنه كثيرا من أصدقائه.

عرف أنه ملتقى الطبقة الراقية والشخصيات المرموقة.. وزادت من رهبته الكلمات التي صدمه بها الحارس الذي يقف بالباب.. إذ سأله: هل يوجد حجز مائدة على "البيست" باسم رشدي أباظة.. فبادره الرجل معتذرا.. وأبلغه بأن هناك مائدة محجوزة بهذا الاسم من طرف المطربة "آني برييه" ولكن ليست على "البيست".. وإنما في ركن هادئ.

وفي الركن البعيد الهادئ.. جلس "رشدي أباظة" ينتظر خروج محبوبته إلى الصالة.. وبينما أخذت عيناه تتجولان في المكان.. تسمرت نظراته على وجه رجل يجلس على مائدة مجاورة تفرسه فأيقن أنه هو.. الملك فاروق بشحمه ولحمه وامتزجت الرهبة بالسعادة.. فهو يجلس في نفس المكان الذي يجلس فيه ملك مصر.. فطلب "ويسكي" ليضبط إيقاع عقله!.. لحظات وأعلن المذيع الداخلي عن بدء أغنية الزهرة البرية الجميلة "آني برييه"، وخرجت إلى المسرح مرتدية ثوبا أبيض رقيقا.. وقالت كلمات كأنها توجهها إلى رشدي في ركنه البعيد:

من أجله أقتحم الجبال وأعبر البحار
وأهبط إلى الوديان
وأمشي فوق الشوك وأخوض المحال
وحيث يكون أذهب إليه إذا ناداني
فأنا لا أسمعه بأذني، اسمعه بقلبي
لأن كل دقات قلبي من أجله.

انتهت الأغنية.. ووصلت الرسالة إلى "رشدي أباظة".. ولم تمض دقائق قليلة حتى حضرت "آني" لتجلس بجواره.. والتقيت أعينهما بإعجاب شديد.. وبينما دار حوار رقيق.. قطع خيوط الالتقاء الحميم صوت رجل وقف أمامها بأدب جم.. وقال:
أنا أنطوان بوللي صديق الملك.. وجلالته يدعوك يا مس (آني) إلى مائدته!
فردت "آني" بسرعة:
أرجو أن يتقبل جلالة الملك اعتذاري هذه الليلة لارتباطي بدعوة صديق لي هو مسيو "رشدي أباظة".

انصرف الرجل بأدب.. وعاد بنفس الأدب.. ليخبرها بأن جلالة الملك فاروق يدعوهما معا إلى مائدته.. فنظر إليه "رشدي" بغضب.. وقال وهو يمسك يد "آني" بحرارة: إذا سمحت إحنا بنعتذر لجلالته.. ولا تعد مرة أخرى!.. اعتذر الرجل بهدوء وانسحب.

وبينما ساد الصمت صالة "الأوبرج".. تناهى إلى سمع "رشدي" صوت الملك فاروق الغليظ وهو يقول لصديقه "بوللي": هوه مين ده اللي قاعد مع "آني"؟
فرد الرجل: اسمه "رشدي أباظة".. ممثل جديد
فضحك الملك "مجلجلًا".. ورد بكلمة واحدة في قوة طلقات النار: طظ..!
ووصلت الكلمة إلى سمع رشدي أباظة فهب واقفا، رغم أنه لم يكن يعرف ماذا سيفعل في مواجهة "ملك مصر والسودان".. ولكنها المرة الأولى التي يتجرأ أحد فيها على إهانة العائلة "الأباظية" العريقة.. وقبل أن يتحرك.. كانت يد "آني" أسبق إلى كتفه.. ثم امتدت أصابعها الرقيقة لترفع خصلة شعر انسابت على جبهته فأكسبته وسامة على وسامته.

أرسل رشدي نظرة اعتراض إلى الملك.. لم يعرف هل وصلته أم لا.. ولكن آني أنقذت الموقف.. فقد عرفت ما يدور في ذهنه.. وطلبت منه الذهاب إلى مكان آخر.. وقبل أن يرد بادرته قائلة "لا تنس أنك أمام الملك فاروق.. وأنت هنا في بلدك وبين أهلك، وأنا غريبة ويستطيع الملك بكلمة واحدة أن يرحلني إلى بلدي بعد ساعة واحدة".. كانت كلماتها أذكى من دهاء المرأة، فقد أرضت رجولة "رشدي"، وأحالت الموقف إلى ضعفها هي، فابتسم الحيب واستجاب لها، وغادرا المكان وهو يلف خصرها بذراعه، وكأنه يعلن للجميع أن "آني برييه" هي فتاته، حسبما ذكر أحمد السماحي في كتابه "الدنجوان".