رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل.. دولة يهودية أم دولة اليهود؟


ثارت ضجة كبيرة الأيام الماضية عندما وافق الكنيست الإسرائيلى على قانون يهودية الدولة.. بطبيعة الحال كان «عرب إسرائيل» هم أول المعترضين على هذا الإجراء، وشاهدنا على الهواء مباشرةً ثورة النواب العرب فى الكنيست على ذلك، بل تمزيق بعضهم مشروع القانون.
وأعاد هذا القانون الحياة من جديد إلى نقاشٍ قديم حول كينونة دولة إسرائيل، و«يهودية الدولة».. وهنا وجدتنى أعود إلى أحد أهم المتخصصين فى دراسة ظاهرة الصهيونية وتاريخ اليهود، وهو المرحوم عبدالوهاب المسيرى.. فهناك دراسة مهمة للمسيرى حول ذلك الموضوع تحت عنوان «التجانس اليهودى والشخصية اليهودية»، وفى أحد فصول هذا الكتاب يتناول المسيرى تشخيص حالة إسرائيل هل هى «الدولة اليهودية أم دولة اليهود؟».
ويرى المسيرى أن الكتابات العربية المبكرة عن إسرائيل وقعت للأسف فى خطأ فادح عندما وصفت إسرائيل بأنها «دولة يهودية»، وأن هذه الكتابات توافقت للأسف مع التناول الغربى المبكر لإسرائيل على أنها «دولة يهودية»، لأن الغرب كان يطمح إلى تكوين مثل هذه الدولة لتصدير «الفائض البشرى اليهودى» من أوربا إلى إسرائيل، أى التخلص منهم بعيدًا عن أوروبا، ويرى المسيرى أن كل ذلك، النظرة العربية والنظرة الغربية، صبّ فى النهاية لخدمة الصهيونية، التى لعبت على أكذوبة شعب بلا أرض، أى اليهود، لأرضٍ بلا شعب أى فلسطين، وأن ذلك كان الجذر الحقيقى لفكرة يهودية الدولة.
ويشرح المسيرى خطورة ذلك لأن القوى الغربية نشرت دعايتها بأن إسرائيل ستكون «دولة يهودية» يحقق اليهود فيها هويتهم وينفذون تعاليم شريعتهم.. كما بررت الدول الغربية أمام شعوبها الدعم المادى السخى الذى قدمته لإسرائيل بأنه من أجل إقامة دولة يهودية، وأن ذلك جزء من التراث اليهودى المسيحى.
ومن منظورٍ سياسى براجماتى بحت، فإن تصنيف إسرائيل مبكرًا على أنها «دولة يهودية» يعطى مبررًا معنويًا وأخلاقيًا لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وعدم اعتبار ذلك احتلالًا، بل هو فى الواقع تحرير للوطن القومى، ولذلك تُطلق إسرائيل على حرب ١٩٤٨ «حرب الاستقلال»!، وإذا تم اعتماد هذا المنظور إذن تصبح أى عملية مقاومة من جانب الفلسطينيين بمثابة «عمل إرهابى» ضد يهودية الدولة.. لذلك وقف مناحم بيجين مخاطبًا المستوطنين قائلًا: «هذه هى أرض الميعاد، لأنها إذا لم تكن كذلك وكانت أرضًا للفلسطينيين، إذن نُصبح غزاةً ولصوصًا، إنها أرض الميعاد»!.
لكن المسيرى يحاول تفكيك أسطورة «الدولة اليهودية» لأن هذا المصطلح وليد الصهيونية الدينية، ولكن ماذا عن اليهود العلمانيين؟، ماذا عن دُعاة «الصهيونية الثقافية»، ممن يرون أن الصهيونية حركة علمانية لا تدافع عن الدين اليهودى وإنما تدافع عن اليهود وعن هويتهم؟!.
ويناقش المسيرى التباينات الحادة داخل المجتمع الإسرائيلى بين يهود شرقيين وغربيين، ومهاجرين جدد، ويهود فلاشا، والشكوك أصلًا حول «يهودية» بعضهم، هذا فضلًا عن اليهود غير المتدينين، بل مطالبة البعض بزواج المثليين!. يرى المسيرى أن دولة «اليهود» تخضع للظواهر التاريخية والمتغيرات وقبول الآخر، بينما الدولة اليهودية هى «دولة الإله» لأنها دولة خرجت من صفحات الكتب المقدسة!!.