رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. عبدالرحمن بدوى.. فيلسوف الوجودية


سجل لنا الأستاذ محسن بدوى- رئيس مركز عبدالرحمن بدوى للإبداع- حياة وأعمال فيلسوف مصر بجريدة «المصرى اليوم» بتاريخ ١٥ فبراير ٢٠٠٨، فقال: وُلد عبدالرحمن بدوى فجر الأحد ٤ فبراير ١٩١٧ بقرية «شرباص»- مركز «فارسكور» بمديرية الدقهلية آنذاك «محافظة دمياط حاليًا». وهو أحد أبرز الفلاسفة ومؤرخى الفلسفة المصريين فى القرن العشرين وأغزرهم إنتاجًا، وأول فيلسوف وجودى مصرى.

كان ترتيبه الـ١٥ من بين ٢١ شقيقًا وشقيقة. أنهى شهادته الابتدائية سنة ١٩٢٩ من مدرسة «فارسكور»، ثم الكفاءة عام ١٩٣٢ من المدرسة السعيدية فى الجيزة، وفى عام ١٩٣٤ أنهى دراسة البكالوريا، حيث كان ترتيبه الثانى على مستوى مصر، التحق بعدها بكلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول «القاهرة حاليًا»، وتم إرساله عام ١٩٣٧ إلى إيطاليا وألمانيا أثناء دراسته، فى أول سابقة يتم فيها إرسال طالب لإحدى البعثات، وفى مايو ١٩٣٨ حصل على درجة الليسانس. بعد إنهائه الدراسة عُين معيدًا فى الجامعة، ليُنهى بعد ذلك رسالة الماجستير فى نوفمبر ١٩٤١، وكتب رسالته بالفرنسية عن «مشكلة الموت فى الفلسفة الوجودية»، وكانت عرضًا لمذهبه فى الفلسفة، فتناول مشكلة الموت فى الفلسفة الوجودية وبخاصة عند «مارتن هايدجر». ثم حصل على الدكتوراه فى ٢٩ مايو ١٩٤٤ من نفس الجامعة بعنوان «الزمان الوجودى»، التى علق عليها د. طه حسين أثناء مناقشته لها قائلًا: «لأول مرة نُشاهد فيلسوفًا مصريًا».

عُين بعدها مدرسًا بقسم الفلسفة فى أبريل ١٩٤٥، ثم أستاذًا مساعدًا فى يوليو ١٩٤٩، ثم تركها فى ١٩ سبتمبر ١٩٥٠، ليقوم بإنشاء قسم الفلسفة فى كلية الآداب بجامعة إبراهيم باشا «عين شمس حاليًا»، وفى يناير ١٩٥٩ أصبح أستاذ كرسى.

عمل مستشارًا ثقافيًا ومدير البعثة التعليمية فى «بيرن» بسويسرا «مارس ١٩٥٦- نوفمبر ١٩٥٨»، كما أسس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعات الكويت وطهران وطرابلس، وكان قد عمل أستاذًا زائرًا فى العديد من الجامعات: «١٩٤٧- ١٩٤٩» فى لبنان، «فبراير ١٩٦٧- مايو ١٩٦٧» فى معهد الدراسات الإسلامية فى كلية الآداب بـ«السوربون» بجامعة باريس، «١٩٦٧- ١٩٧٣» فى الجامعة الليبية ببنغازى بليبيا، «١٩٧٣- ١٩٧٤» فى كلية «الإلهيات والعلوم الإسلامية» بجامعة طهران، «١٩٧٤- ١٩٨٥» أستاذًا للفلسفة المُعاصرة والمنطق والأخلاق والتصوف فى كلية الآداب بجامعة الكويت.

واستقر فى نهاية الأمر فى باريس حتى قُبيل وفاته، وكانت حياته فى باريس تنقضى أغلبها بالمكتبة الوطنية، حيث كان له مقعده الخاص «المقعد رقم ٢١١» حيث لا يجلس عليه أحد غيره، كما كان عاشقًا للحدائق والخضرة والفن فيقضى بعض الوقت بحديقة «لوكسمبورج» أو زيارة المتاحف والاستماع إلى الموسيقى.
كما كان عضوًا فى حزب مصر الفتاة (١٩٣٨- ١٩٤٠)، ثم عضوًا فى اللجنة العُليا للحزب الوطنى الجديد (١٩٤٤- ١٩٥٢)، وتم اختياره ممثلًا للحزب الوطنى مع ٥٠ شخصية، كعضو فى لجنة الدستور، التى كُلفت فى يناير ١٩٥٣ بكتابة دستور جديد، والذى تم الانتهاء منه فى أغسطس ١٩٥٤، لكن الدستور تم إهماله واستُبدل بدستور سنة ١٩٥٦.
بلغت أعماله، سواءً المنشورة أو غير المنشورة، أكثر من ١٥٠ كتابًا، فضلًا عن مئات المقالات، منها أعمال منشورة بالفرنسية والإسبانية والألمانية والإنجليزية، فضلًا عن العربية، وكان كتابه الأول عن «نيتشه» (١٨٤٤- ١٩٠٠) الذى صدر عام ١٩٣٩. وتوالت أعماله من تراجم للفلاسفة، منها أرسطو شوبنهور، ودراسات فكرية وإسلامية وتأريخ للفلسفة، منها التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية، وربيع وخريف الفكر اليونانى وتحقيقات للتراث، منها كتاب الطبيعة لأرسطو ترجمة إسحق بن حنين، فضلًا عن ترجمات عن الألمانية منها الديوان الشرقى للمؤلف الغربى «جيته»، والفرنسية منها الوجود والعدم لـ«سارتر»، والإنجليزية منها رسالة فى التسامح لـ«جون لوك»، والإسبانية منها دون كيخوته وحياة لـ«ثريو دى تورمس»، والموسوعات كموسوعتى الفلسفة والمستشرقين، كما نشر باللغات الفرنسية والإسبانية والإيطالية، وكذلك إسهامات فى الشعر والأدب.
نال وسام «الأرز» من حكومة لبنان عام ١٩٤٩، وجائزة الدولة التشجيعية فى الفلسفة الإسلامية عام ١٩٦١، وكان أول من حصل على جائزة مبارك «حاليًا جائزة النيل» فى العلوم الاجتماعية عند إنشائها عام ١٩٩٩ وحصل عليها فى نفس العام فى فرعيها الآخرين نجيب محفوظ وصلاح طاهر.
توفى فى مستشفى معهد ناصر بالقاهرة صباح الخميس ٢٥ يوليو ٢٠٠٢ عن عمر يقارب ٨٥ عامًا، حيث كان قد عاد من فرنسا إلى مصر قبل وفاته بأربعة أشهر، بسبب إصابته بوعكة صحية حادة، حيث سقط مغشيًا عليه فى أحد شوارع باريس واتصل مسئولو فندق «لوتيسيا» بالقنصلية المصرية يخبرونهم بأن لديهم شخصًا مريضًا يقول إنه فيلسوف مصر.