رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفاصيل الكاملة لمقتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير "أبو مقار"

أبيفانيوس
أبيفانيوس

ترأس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في تمام الساعة الثانية عشر من ظهيرة اليوم الثلاثاء، مراسم إتمام طقوس صلاة الجنازة على جثمان الأسقف الراحل الأنبا أبيفانيوس، رئيس دير القديس مكاريوس الكبير الشهير بدير "أبو مقار" للرهبان الأقباط الأرثوذكس بصحراء وادي النطرون، وذلك بالكنيسة الكُبرى بالدير.

شارك بالصلاة وفد رفيع المستوى من أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من بينهم أشقاؤه رؤساء أديرة وادي النطرون المجاورة، مثل الأنبا صرابامون رئيس دير الأنبا بيشوي، والأنبا متاؤس رئيس دير السريان، والأنبا ايسذوروس رئيس دير البراموس، بالإضافة إلى أعضاء لجنة السكرتارية البابوية.

وجاء ذلك بعد عملية "تشريح" للجثمان بمستشفى دمنهور العام، بعد سماح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مُمثلة في البابا تواضروس الثاني، والذي وافق على عملية التشريح بعد مخاطبة الجهات المعنية في الدولة، وبناء على تعليمات الطب الشرعي للتأكد من وجود "شُبهة جنائية" في الوفاة، بحسب مصادر رهبانية من داخل دير أبو مقار، طلبت عدم ذكر أسمائها.

عن كواليس الأمر، أشارت المصادر إلى أن الرهبان وشيوخ دير أبو مقار، وهم تلاميذ الراهب الراحل القمص متى المسكين، قسموا أنفسهم إلى فريقين بمجرد اكتشاف الأمر، الفريق الأول تواصل مع نقطة شرطة "وادي النطرون" التي حضرت إلى الدير بسرعة قصوى، بينما تواصل الفريق الثاني مع بطريرك الكنيسة البابا تواضروس، وكان بمحض الصدفة موجودًا بديره المفضل الأنبا بيشوي على مقربة من أبو مقار، لتدبير بعض الإجراءات الرعوية والروحية، وبدوره أوفد وفدا كنسيا لمتابعة الأمر يضم أسقفًا واحدًا فقط وعضوًا من أعضاء لجنة السكرتارية.

وأوضحت المصادر أن الرهبان لم يسعوا لفتح كاميرات المراقبة المفترض وجودها بالدير، نظرًا لعلمهم بأنها كانت مُعطلة جراء عدم الصيانة المستمرة، وعدم الحاجة لها، لاسيما وأن منطقة القلالي وخصوصا قصر الأسقف لا يدخلها إلا شخصيات رهبانية معروفة، ولا يحق حتى للمسيحيين العلمانيين الدخول إليها إلا بموافقة آباء الدير وبرفقة أحدهم دخولا وخروجا.

حضور المباحث الجنائية للدير والدخول إلى مسرح الأحداث زاد الأجواء التهابًا، بحسب تعبير المصادر، مما دفع الرهبان والأخوة طالبي الرهبنة والعمال إلى التزام مساكنهم وقلاليهم الخاصة، إلا من طلبت النيابة استجوابهم، وعلى رأسهم أول من شهد الأمر في الساعات الأولى من الصباح، عقب انتهاء تسبحة نصف الليل وقبيل بدء قداس الأحد.

ولم يستمر الأمر طويلا حتى حضر وفد طبي رفيع المستوى من هيئة الطب الشرعي، فأمرت بنقل الجثمان إلى مستشفى دمنهور العام لتشريحه، للتأكد مما إذا كانت هناك شبهات جنائية، لاسيما وأن التقرير الطبي المبدئي يفيد بوجود تهشم في عظام الجمجمة أدى إلى خروج المخ، في إشارة إلى أن طريقة الكسر جاءت بآلة قطعية "حادة"، وتم الضرب من الجهة الخلفية "الظهر"، مما يُلمح بأن أحدًا كان ينتظره وعلى علم بموعد خروجه للقداس بمفرده، وأقدم على ضربه من ظهره حتى لا يراه، بحسب ما هو مُشاع داخل الدير.

لم يمر الأمر مرور الكرام على دير أبو مقار، والذي كان قبيل تلك الحادثة من أصعب الأديرة زيارة، حيث صدرت أوامر كنسية بتوافق أمنى بما يفيد إغلاق بوابات الدير الرئيسية والفرعية والامتناع عن استقبال الزائرين لحين إشعار آخر.

ومن المُقرر أن يُدفن الأنبا ابيفانيوس داخل ديره، في شكل مؤقت لحين الانتهاء من عمل المزار الخاص به، والذي سيشهد رسم أيقونات وتعليق صور نادرة له منذ الصغر مع كتابة قصة حياته وتأليف المكديح الخاص به، والذي يعتبر شبه ملحمة تروي قصته.

وأكدت المصادر، المُشار إليها، أن دير أبو مقار من أشد الأديرة حساسية داخل الوسط الكنسي، نظرا للانقسام المستمر داخله بين مؤيدي البابا الراحل شنودة الثالث، والقمص الراحل متى المسكين، الأمر الذي لن يستدعي بقاء الدير دون راعٍ فترة طويلة، وبناء عليه من المقرر أن يسند البابا تواضروس مهمة الإشراف على الدير إلى أحد الأساقفة الذين ترهبوا في أبو مقار، ويأتي تعيين الأسقف الجديد عن طريق لجنة تضم شيوخ الدير وكباره تشمل على الأرجح القمص اثناسيوس المقاري، والقمص سرجيوس المقاري، والقمص انجيلوس المقاري، والقمص باسيليوس المقاري، وهم تلاميذ القمص الراحل متى المسكين.

كما تشهد الفترة المقبلة بداية من صلاة يوم الأربعين على الأسقف الراحل انتخابات داخلية كمثل التي أتت بالأنبا أبيفانيوس، لاختيار بديل له، لينضم إلى قائمة الأساقفة المقرر أن يسيمهم البابا تواضروس الثاني، في نوفمبر المقبل بدير الأنبا بيشوي، تزامنًا مع ذكرى توليه السدة البطريركية، وانعقاد سيمينار الأساقفة السنوي.

وبالعودة إلى كواليس الحادث، صرح الراهب شنودة المقاري، عبر قناة سي تي في التابعة للكنيسة، بأن الدير مر منذ أسبوع بحادث غريب يفيد بتجاوز أحد الأفراد سور الدير من خلال التسلق والاختباء داخل الدير، مُلمحًا إلى أنه كان مختلًا عقليا، وتم العثور عليه وترحيله خارجًا، في إشارة إلى أن الدير بدءأ في الآونة الأخيرة يفتح البوابة الداخلية يوم السبت بشكل أسبوعي، وذلك لوجود بعض الزوار الذين يقضون ليلتهم بالدير.

من جانبه، نعى البابا تواضروس الثاني الأسقف الراحل قائلا إن الكنيسة تودع على رجاء القيامة "مثلث الرحمات الأنبا أبيفانيوس، والذي اتسمت حياته بالوداعة والتواضع والتجرد والنسك، مع العلم الغزير الذي أثمر تعاليم ودراسات مميزة في فروع العلوم الكنسية المختلفة، نياحا لروحه الطاهرة وعزاءً لمجمع الدير.

واستقبل البابا تواضروس واجب العزاء من رؤساء الكنائس المختلفة، وعلى رأسهم الأنبا إبراهيم اسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك، والدكتور القس أندريا زكي رئيس الكنيسة الإنجيلية، والمطران الدكتور منير حنا رئيس الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بمصر، والذين أكدوا أن الراحل كان عالما جليلا من علماء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

على صعيد آخر، وبخصوص الاتهامات الموجهة بالشماتة أو التورط الضمني، في عملية اغتيال الأنبا أبيفانيوس، قال مينا أسعد كامل، الباحث في لجنة العقيدة بأسقفية الشباب، إن كل ما يثار في ذلك الشأن عار تمامًا من الصحة، ولا علاقة له بأرض الواقع.

وأوضح أنه في نطاق الأساقفة، فإن الأنبا أبيفانيوس عضو من أعضاء المجمع المقدس، والذي تنظر له الكنيسة على أنه جسدها الواحد، فمن الطبيعي أن تصبح هناك مدارس فكرية بين أعضائه ولكن غير طبيعي أن تصل تلك التباينات في المناهج إلى عداءات تصل إلى حد القتل أو الشماتة، مؤكدا أن كافة أعضاء المجمع نشروا بيانات النعي لأخيهم الراحل على مواقعهم الرسمية، ولم يصدر أي ما يؤخذ في نطاق الشماتة، ولن يتمكن أحد من الحصول على لفظ واحد يثبت تلك الإشاعات.

وبخصوص الاتهام بالتورط في عملية القتل أو الاغتيال، أكد "أسعد" أن تلك الإشاعات لا تستحق الرد عليها، إلا أن أبلغ رد هو أن الجهات الجنائية لازالت تبحث الأمر، ومن المؤكد أنها ستعلن عن الجاني وصفته وهويته، وهو ما سيخزي كافة مروجي الإشاعات.