رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف الأسري "قنبلة موقوتة" فى مصر.. والقوانين "حبر على ورق"

القومي للمرأة
القومي للمرأة

*القومي للمرأة: 70 % من حالات الاعتداء على الزوجات سببها أزواجهن و20 % من الآباء تجاه بناتهم و10% من الإخوة

*القومي للطفولة والأمومة: أبرز أشكال العنف شيوعًا في المجتمع المصري الموجه من الآباء والأمهات داخل الأسرة إلى أبنائهم.

تنامت ظاهرة العنف الأسري في مصر فى الاّونة الأخيرة بشكل يصعب على المتابعين ملاحقة وتيرتها، حتى إنه لا يمر أسبوع إلا وتخطف الأنفاس جريمة أسرية لا تخلو من القسوة والوحشية.

وكان آخر هذه الجرائم ما شهدته مدينة كفر الدوار من جريمة قتل بشعة بعد أن وثّق أب أبناءه الأطفال وربطهم بخرطوم بسبب خروجهم ولعبهم فى الشارع بدون إذن وقتل على أثر التعذيب طفله "طلعت" البالغ من العمر 10 سنوات، سبقها قتل أستاذ بطب الأزهر نجله البالغ من العمر 14 عاما بعد تعذيبه بموتور غسالة مثبت به مفك حديد حتى لفظ أنفاسه، وأيضًا إلقاء رجل لزوجته من "البلكونة" على اثر مشاجرة زوجية، وغيرها من الجرائم التي أصبحت تنذر عن وجود قنبلة موقوتة تسمى العنف الأسرى داخل البيوت المصرية التي كانت تتسم من قبل بالاستقرار والأمان.

64 %من السيدات يتعرضن للعنف من الزوج الحالي:
تابع الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء ومجلس السكان الدولي، هذه الظاهرة التي أصدر وفقها عدد من الاحصاءات تشير إلى أن 36% من السيدات المصريات ممن سبق لهن الزواج يتعرضن للعنف الجسدي، و64 % من السيدات ممن تعرضن للعنف أشرن الى ان الزوج الحالي هو أكثر الأشخاص المسئولين عن العنف الجسدي، وأقل من 1% فقط من السيدات ممن تعرضن للعنف الجسدي، أشرن الى أنهن سعين للحصول على طلب المساعدة لوقف العنف من الشرطة أو المؤسسات التي تقدم خدمات اجتماعية للمرأة.

وفيما يتعلق بتعرض النساء للتحرش والاعتداء على أجسادهن، فإن 49.5% من الفتيات الصغيرات في سن 13- 17 سنة تعرضن للتحرش الجنسي في عام 2014 مقابل 42.6% في عام 2009.

أما فيما يتعلق بدور المجالس القومية المعنية بالأمر، ففي دراسة أجراها المجلس القومى للمرأة، أعد من خلالها مشروع قانون جديد لتجريم العنف ضد المرأة، تصل فيه العقوبة بالحبس سنة لكل من تثبت عليه جريمة الاعتداء المنزلي على امرأة، بما يسبب لها أي ضرر أو أذي نفسي أو جسدي، وذلك في إطار وجود المادة 11 من الدستور التي تنص على أن "تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف".

دراسة المجلس القومى للمرأة أوضحت أن نحو 1.5 مليون امرأة مصرية يتعرضن للعنف الأسرى سنويًا، وأن نحو 70 % من حالات الاعتداء على الزوجات سببها أزواجهن، و20 % من الآباء تجاه بناتهم، و10% من الإخوة.

وتشير الدراسة إلى أن الدستور اعترف ضمنيًا بوجود عنف يمارس ضد المرأة في مجتمعنا، ما يتطلب حماية المرأة منه، من خلال إصدار تشريعات تتوافق مع مقتضيات الدستور، وما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في مجال حقوق الإنسان.

النوايا متوفرة والتشريعات "حبر على ورق":
وعلى الرغم من خطورة الحوادث المتعلقة بالعنف الأسري الممارس ضد المرأة من جهة والأطفال من جهة أخرى، إلا أن العمل التشريعي يتسم بإجراءات طويلة الأمد تبدأ من فكرة رصد المشكلات المتعلقة بالقضية، وفحص إمكانية آلية تنفيذ القانون، كما أن التشريعات المصرية لا تزال قاصرة في وضع حد للعنف بين الزوجة والزوجة والأبناء، ما يجعل النوايا لإصدار تشريع قائمة بالفعل لكن التنفيذ معطل.

هذا ما أكدته المحامية نهاد أبو القمصان، ورئيس المركز المصري لحقوق المرأة، وقالت لـ«الدستور»: إن هناك دراسة تؤكد أن قيمة تكلفة العنف ضد المرأة فى المجتمع المصرى 6 مليارات و150 مليون جنيه، بما يعادل قيمة صادرات مصر من المنسوجات القطنية، ومع ذلك فإن التشريعات الخاصة بهذا الأمر لاتزال حبرًا على ورق وغير مفعلة.

وأضافت أبو القمصان أن القضاء يتساهل مع العنف ضد المرأة، خاصة إذا جاء من زوجها، لأن المجتمع مازال ينظر إلى المرأة على أنها كائن يحتاج إلى تقويم.

واعتبرت "أبو القمصان" أن استمرار غياب قوانين تجرم العنف الأسرى أحد أهم الأزمات التي تساهم انتشار الجرائم فى المجتمع، لاسيما أن المجتمع المصرى يتساهل مع العنف ويتغاضى عنه تحت شعار "الحفاظ على استقرار البيت".

وحدد مشروع القانون قيد المناقشة في مجلس النواب، تعريف العنف ضد المرأة على أنه "أي فعل أو سلوك يترتب عليه أذى، أو معاناة مادية أو معنوية للمرأة، أو الحط من كرامتها، بما في ذلك التهديد أو القسر أو مواقعة الأنثى دون رضاها، والاعتداء الجنسي، وهتك العرض والتحرش والحرمان من الميراث".

في الإطار ذاته ترى نادية هنري، عضو مجلس النواب، لـ«الدستور» أن المشكلة ليست فى اصدار القانون ولكن في تطبيقه، بينما الأمر يحتاج إلى تغيير فكرة العنف نفسها من خلال تكاتف جميع مؤسسات الدولة المعنية. ولفتت إلى أنها سبق وتقدمت بمشروع قانون لتغليظ عقوبات الختان، وأيضًا تجريم حرمان المرأة الميراث، كون القضيتان تقعان في إطار التميز وانتهاك المرأة.

من جهتها قالت سماح سعد جبرائيل، عضوة لجنة الشؤون الصحية بالبرلمان، إن هناك اتجاها بين النائبات لإعداد مشروع قانون الحماية من العنف الأسرى، مشيرة إلى أن الأمر يحتاج إلى مناقشة مجتمعية بالتعاون مع المنظمات والجهات المعنية لسن تشريع يجرم العنف الممارس داخل الأسرة.

فيما قالت منى عزت، مديرة برنامج العمل والمرأة في مؤسسة المرأة الجديدة، لـ«الدستور»، إن هناك مشروع يتضمن عدة مؤسسات وجمعيات تناهض العنف ضد المرأة، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى تعرض 5 ملايين و600 ألف امرأة مصرية للعنف على يد الزوج أو الخطيب سنويًا.

وأضافت "عزت" أن مشروع القانون الموحد النابع من حوالي 9 منظمات قائم على تغليظ العقوبات الخاصة بممارسة العنف بكافة أشكاله ضد المراة مؤكدًا أنه لابد من مناهضة كافة الأفعال والممارسات التي تمس المرأة ولا تدخل في نطاق التجريم.

فيما أكدت نادية هنري، عضو مجلس النواب، إنها تعمل حاليًا على تحضير قانون ضد العنف القائم على المرأة، كما يشمل القانون أيضًا عدة محاور مثل الأحوال الشخصية والعقوبات.

وأَضافت أنها تتواصل مع كافة المنظمات والهيئات الخاصة بالدفاع عن المرأة لصياغة القانون ويتم عقد لقاءات للوقوف على مشروع القانون بشكله النهائي، وحتى الآن لم يكن هناك ايا اعتراضات من جانبهم بل هناك تعديلات نعمل عليها في الوقت الحالي.

"الطفولة والأمومة" يقدم خدمات للإبلاغ عن الجرائم:
الأمر لم يختلف كثيرًا عند المجلس القومي للطفولة والأمومة، حيث يسعى لفهم الظاهرة من خلال تتبعها وبذل الجهود لمكافحتها في إطار تقديم خدمات من شأنها تساهم في تسجيل الجرائم والإبلاغ عنها ومتابعة سير القضية.

ومؤخرًا وقف القومي للطفولة والأمومة عند واقعة قتل أستاذ جامعي أحد أطفاله وذلك لسرقته 400 جنيه، فبعد أن تم تحويل البلاغ لخط نجدة الطفل وحُرر بلاغ حمل رقم 140212 وأحيل للجنة حماية الطفولة بمحافظة دمياط، تشكلت على أعقابها لجنة لمتابعة الموقف، وتوجهت إلى قسم الشرطة لمتابعة الاجراءات، وتمت مقابلة مأمور قسم شرطة دمياط الجديدة والذي كشف تفاصيل الجريمة بنفسه.

كما اتبع المجلس آلية مهمة لمناهضة العنف ضد الأطفال وذلك من خلال خط نجدة الطفل 16000 وخط المشورة الأسرية 16021 اللذين يقدمان خدمة مجانية للمتصلين ودعم مباشر من خلال شبكة من الجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال، أو عن طريق إحالة البلاغات إلى الجهات المعنية مثل النيابة العامة أو وزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة.

واستحدث المجلس وحدة للدعم القانوني، وأخرى للدعم النفسي، وذلك للتعامل مع الأطفال ضحايا وقائع العنف، بجانب تشكيل لجان حماية لرصد كل حالات العنف الموجه ضد الأطفال.

ويَعتبر المجلس أن أبرز أشكال العنف شيوعًا في المجتمع المصري هو العنف الموجه من الآباء والأمهات داخل الأسرة إلى أبنائهم، كما أفادت دراسة علمية أجراها بالتنسيق مع منظمة اليونيسيف بالقاهرة، العام الماضي، بأن العنف الأسري يأتي من منطلق مفاهيم خاطئة عن التربية وطرق تقويم السلوك السلبي لدى الأطفال، ويعد الشكل الثاني للعنف الأكثر شيوعًا في مصر هو العنف داخل المؤسسات التعليمية.

فيما أوضحت مايسة شوقي، المشرف العام على المجلس القومي للطفولة والأمومة، في بيان لها، أنها ترفض كل أشكال العنف التي تعرض لها عدد كبير من الأطفال في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن "تلك الممارسات ليس لها أي أصول في الثقافة المصرية أو الأديان السماوية التي تؤثر وبشكل مباشر على هوية المواطن المصري".


الطب النفسي يحلل الظاهرة: المُعنف به يتحول إلى "سادي":
في علم النفس يتحول الشخص المعنَف من إنسان طبيعى قادر على مواجهة التحدى، يمتلك الإرادة المثلي، إلى انسان اعتيادى تتسرسب منه الإرادة ويميل إلى العزلة والانطوائية المتمثلة فى الخوف الناجم عن العنف الموجه ضده من قبل أحد أفراد الأسرة.

هذا ما أوضحه الدكتور على عبد الراضي، استشاري العلاج والتأهيل النفسي، لـ«الدستور» مؤكدًا أن هذا التحول هي أولى المراحل، التى يمر بها الشخص المعنف بدءا من تقبله للأمر إلى الدخول فى حالات من السادية التى يصعب السيطرة عليها بعد ذلك.

وتابع: بعد ذلك يمر الشخص بالمرحلة الثانية التى تتمثل فى المازوخية بمعناها الوحشي (الاستمتاع بالعنف والرضوخ له) والتى تعتبر من أسوأ المراحل التى يتبعها حالات من تبلد المشاعر، وتراجع الذكاء المعرفي والوجداني، وعدم القدرة على الإحساس بالآخرين، والحد من القدرات الابتكارية المتمثلة فى تفوقه الدراسي والحياتي، ما ينعكس فى إصابته بما يطلق عليه "الرهاب الاجتماعي" وهو الخوف من التعامل مع الآخرين تجنبا للعقاب الذى سيقع عليه وفقا لمخيلته الخاصة، بل يرفض الحديث إن طلب منه فى بعض الأحيان، ولا تتوقف مساوئ الرضا بالعنف على هذا الحد بل يصاب الشخص بالعجز الجنسي عندما يصل إلى مرحلة معينة من حياته نتيجة تبلد المشاعر، واختفاء قيم العطف المتوارثة، وتكثر أخطاؤه، وحجم إنتاجيته.

أما المرحلة الثالثة، وفق "عبد الراضي"، فإنها تأتى ليتحول إلى شخص سيكوباتى anti social فيرفض الواقع الذى يعيش فيه، ويتحول إلى شخص ناقم على المجتمع بقيمه ومبادئه، لأنه فقد قدرته على التعبير عن الحب، وانتهكت مشاعره، وهذا ما يؤدى إلى ظهور بعض الأفكار الشاذة التى ترفضها الأعراف الاجتماعية.

وأكمل: من الممكن أن ندخل فى مرحلة رابعة فى أن يصبح الشخص المعنَف شخصية سادية يمارس العنف مع الاّخرين بأشكاله المتعددة، سواء تلك المتمثلة فى العنف الجنسى فيما يطلق عليه "السادية الجنسية" التى يتم استخدام الأدوات المختلفة من أجل التعذيب، ليستمتع الشخص المهيمن بعذاب الشخص الآخر وهو المذعن، والذى سبق أن تحدث عنه فيلم fifty shades of gray.

ومن الممكن أن يصل المعنَف إلى الرغبة فى قتل الأطفال لدوافع عديدة، منها انتهاك مشاعره فى مراحله المختلفة بدءا من مرحلة الطفولة المبكرة إلى مرحلة المراهقة، ليوضح لنا "عبد الراضى" أن كل تلك المراحل هى أشكال للتكيف مع العنف الاسرى ولكن بطرق مختلفة فهناك من يمر بمرحلة واحدة، وهناك من يمر بكل المراحل.

ومن الممكن أن يصاب الشخص المعنَف بعدد من الأمراض منها أمراض ضغط الدم، والسكر، والقولون العصبى، والتبول الإرادى، والأزمات العصبية، ومشاكل المعدة، والإدمان، بالإضافة إلى الأمراض الذهانية الهلاوس المفاجئة.

بينما يقول الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن التعامل مع العنف الأسرى يختلف وفقا للفروق الفردية للأشخاص، وأن الظروف تجبر الشخص على التكيف من أجل استمرار الحياة، ولكن كثرة الضغوط الممارسة تولد الانفجار للتنفيس عن النفس.

ويسرد الدكتور محمد هانى قصة فتاة أقبلت إلى عيادته النفسية تبلغ من العمر 16 عاما على النحو التالي:"كانت فتاة جميلة ومبهجة، رقتها الممزوجة بالحزن دفعتنى إلى الفضول من أجل معرفة قصتها".

وتابع: عرفت بعد ذلك أن والدها يعنفها باستمرار، ويضربها بعنف، يحرمها من النزول فى بعض الأوقات، يخرب حياتها مع صديقاتها، يود منها لو تغلق غرفتها فلا تخرج منها أبدا، كانت الفتاة لاحول لها ولا قوة، ولكن هذا الأمر الاعتيادى فى التعامل مع مراهقة فى مثل هذه السن تحب الفضول والاستطلاع كان أسوأ من جريمة قتل يمكن أن ترتكب فى حق أى شخص منح الحياة.

واسترسل: قامت الفتاة بعد ذلك بالدخول فى جو من العزلة، وابتعدت عن ممارسة حياتها الاجتماعىة بشكل سليم،لتكون مجموعة من العلاقات العاطفية الوهمية، وهنا أصبحنا أمام مشكلة خطيرة، الفتاة تستمتع إلى كل رغبات والدها لتقوم بعد ذلك بالاستمتاع برغبات وهمية فأصبحت قابلة للانحراف، نتيجة افتقادها للحنان الذى بدأت تبحث عنه فى وجوه الرجال، والذى من المحتمل أن ينتهى بكارثة أكبر.