رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هويدى": التعصب الدينى أدى إلى اختفاء "الفن العارى" (حوار)

سيد هويدي
سيد هويدي

حوّل دور الفن في مقاومة الإرهاب وارتباط ظاهرة التماثيل المشوهة والمد الديني في مصر٬ وموقع الحركة التشكيلية المصرية٬ على خارطة الفن التشكيلي عالميا وعربيا وغيرها من قضايا الفن، هو الفنان التشكيلي "سيد هويدي" الذي أسهم بالكتابة عن الفن التشكيلى فى العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية والأجنبية.
و"هويدي" وحائز على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية٬ منها: الجائزة الأولى (تصوير زيتى) فى مسابقة المجلس الأعلى للشباب والرياضة 1983 والجائزة الثانية فى مسابقة جامعة حلوان (عمل مركب) 1984 والجائزة الثالثة (تصوير زيتى) فى مسابقة المجلس الأعلى للشباب والرياضة 1985 وجائزة الشارقة للنقد التشكيلى عن كتاب (صراع الهوية في زمن الحداثة) 2009.. كان لـ"الدستور" هذا الحوار:
ـ كيف يكون للفن دور في مقاومة الإرهاب؟
إذا كان الإرهاب يأتي من التعصب الديني، والجهل والافتخار، والضعف والخوف، فالفن يسعى إلى حرية التفكير والإبداع، والفن ظاهرة تبحث عن الجمال باستمرار، بهدف تمكينه في الواقع، الفن يمنح الواقع خيالا مفتقدا، الفن مقاوم للكآبة، الفن معادل موضوعي للواقع يدفع الإنسان إلى مواجهة مشاكله وتحدي العقبات، الفن يبشر بواقع جديد منير، ويطرح أسئلة ويترك المتلقي يجيب عليها، الفن بديل للاعتقاد في الخرافة، الفن يمنح البشر تجارب إنسانية مجسدة على نحو خيال فيزيد من فرص حلول تعقيدات الواقع، ويلبي حاجة البشر في جوعها الأساسي للمعرفة والتعرف على التجارب الإنسانية المتباينة والمختلفة.
ــ ما أثر توقف بينالي القاهرة على الساحة الفنية؟
أثر توقف بينالي القاهرة، وهو العزلة، وانسداد في مسارات التواصل مع العالم، وبغياب الفعاليات الدولية تغيب معرفة ماذا يفعل نظرائنا في العالم عن قرب، بل إن الأثر يمتد لخروجنا من خريطة العواصم الفنية التي تشارك في صناعة المشهد العالمي في الفن وهو أثر يشبه الصحراء الجرداء التي لا فيها زرع ولا ماء، ويؤدي توقف الفعاليات الفنية الدولية إلى جفاء مع الثقافة الفنية البصرية، وتجميد مسار استثماري في الفن البصري كأحد مكونات الثقافة المصرية، خصوصًا وأن القاهرة كانت مرشحة بقوة بعد بيع لوحة (الشادوف) للفنان "محمود سعيد" في مزاد بمليوني وثلث المليون دولار في عام 2010م إلي أن تصبح من أهم عواصم الفنية في منطقة الشرق الأوسط.
ــ في السنوات الأخيرة تراجع صالون الشباب بحسب بعض النقاد٬ ما رأيك في هذا؟ وكيف يمكن تفعيله مرة أخرى؟
من أصعب الأمور معرفة مستوى المعارض الجماعية، إلا إذا وضعنا معايير وقواعد للقياس عليها، وبخاصة وأن هذا الجانب في حياتنا غير موجود أصلا وهو وحدة قياس الأنشطة والفعاليات على نحو علمي، علاوة على أن أي نشاط دوري مستمر لا بد من دراسة نشاطه الدوري والكشف عن السلبيات والتأكيد على الإيجابيات، والوقوف على اوجه القصور والبحث بعد ذلك عن قوة دافعة تسمح للنشاط بالاستمرار والتطوير والارتقاء، كل ذلك في ظل توقعات من الناس والجمهور والنقاد والصحفيين، دائما تتصور أن يتم تقديم جديد كل دورة، وهي ما يستلز حالة يقظة ولياقة حتى إذا لم تستطع الجهة المنظمة تقديم الجديد على الأقل الحفاظ على المستوى ثابتا.
ــ بما تقيم النحت المصري قياسا بفترات سابقة؟
النحت المصري على مستوى الأفراد يرتقي إلى مستويات عالمية، بمعنى أن النحاتين المصريين بخير، وبخاصة الجيل الذي بدأ مع صالون الشباب منذ دوراته الأولى، لكن النحت في مصر ليس بخير لأن دور هؤلاء الفنانين لم يمتد أبعد من جدران محترفاتهم ويظل النحت أسير البحث عن مشتر مقتني، وفي الغالب خليجي يدفع بالذائقة الفنية إلى مستوى تلبية طلب باعتبار الفن سلعة، والمفارقة أنه في ظل وجود ورشة فنية (سمبيوزيوم) في أسوان تدهور المشهد البصري للنحت في مصر، وظهرت ظاهرة تماثيل الميادين الفجة القبيحة التي تابعها الناس على صفحات التواصل الاجتماعي لتكشف عن تدني في الذوق العام، سواء لدى المسئولين أو الجمهور.
ــ ماذا عن ارتباط الموديل العاري بطبقات بعينها؟
ارتباط الموديل العاري بطبقات بعينها لأن شبهة تحريم الفن عموما أصابت البسطاء بحكم أنهم أقل تعليما وأقل ثقافة وأقل اطلاع وسفر إلى الخارج واحتكاك ثقافي بينما الطبقة الغنية لديها فرص أكبر سواء في الاطلاع أو الاقتناء.

ــ ماذا عن ملامح الموديل العاري في الفن الشعبي؟
الموديل العاري في الفن الشعبي جزء أصيل من تراث يسعى إلى التثقيف بالفن، باعتبار الثقافة هي الجوع إلى الأساسي والمعرفة احتياج، وظل الفن الشعبي يقدم اجابات على موضوعات حساسة جدا دون تردد أو خجل لإيمانه بأن الثقافة احتياج ومكون أساسي في تكوين الشخصية وذلك قبل أن يقوم بالمهمة الإعلام ويستلب الجمهور.
ــ هل هناك ارتباط بين ظاهرة التماثيل المشوهة والمد الديني الذي أصاب المصريين؟
هناك ارتباط بين التماثيل القبيحة في الميادين وظاهرة المد الديني، فمن قناعاتي أن اهتزاز جناح فراشة في اليابان يثير زوبعة على الشاطئ الامريكي، الجفوة التي حدثت في الثقافة البصرية كظاهرة لها أسباب كثيرة منها المد الديني، أدت إلى اختفاء الجمال وطرق إنتاجه في المجتمع بل نعاني منذ منتصف السبعينات من أزمة جمال في المجتمع وتحولت أزمة الجمال في الفترة الأخيرة إلى أزمة نظافة واعتياد القبح.. بعد أن تخلينا عن نظافة شوارعنا.. واختفاء اي مظهر جمالي يتعلق بالطابع المعماري.. لان التشدد والتعصب ضد قيم الجمال.
ــ هل تتقبل المجتمعات العربية والمصرية تحديدا عودة هذا الفن مرة أخرى؟
سوف تتقبل المجتمعات العربية والمصرية تحديدا عودة رسم الموديل العاري لأن قانون الكون الأساسي هو التغيير.
ــ يتهم الفن التشكيلي بأنه يسكن الأبراج العاجية بعيدا عن المجتمعات٬ لذا لا يلقى رواجا خاصة بين شعوب منطقتنا٬ إلا بين خاصة الخاصة، فلماذا هو بعيد٬ ولما الشكوى بأن لا جمهور له؟
اتهام الفن التشكيلي بأنه يسكن الأبراج العاجية، يبدو كذلك للوهلة الأولى، لكن أي ظاهرة في الدنيا ليس وراءها سبب واحد، الفن التشكيلي أحد الفنون الرفيعة ويحتاج إلى ثقافة بصرية ومعرفية وثقافة عامة، واقتصار قاعات عرض الفنون الرئيسية على منطقة واحدة جزيزرة الزمالك ووسط البلد جعل الفن في عزلة جغرافية، كما أن تراجع الطبقة الوسطي عن اقتناء الأعمال الفنية أحدث جفاء بين فن رفيع وذائقة مفتقدة، ثم أغلب الممارسين ليسوا متفرغين للفن بشكل اساسي، ولا يعتمدون عليه كمصدر للدخل ويظل نشاطا هامشيا في حياتهم، علاوة على أن ارتباط نسبة كبيرة مما يقدم بـ الفن الأكاديمي جعل الفن ليس احتياجا حيايتا، بل احتياج أكاديمي.
ــ في سنوات بعيدة كان هناك حصة للرسم ومعمل تشكيلي في المدارس٬ لماذا لا يتبنى الفنانون مبادرات يقدمونها لوزارة التعليم لاستعادة هذه الحالة؟
من الضروري أن يكون ضمن قناعات صناع القرار والسياسات في الوزارة أهمية وجود الفنون لتشكيل وجدان الطلبة، والإسهام في تكوينهم الثقافي على نحو حضاري، سواء بشكل نظري أو عملي تطبيقي والاستعانة بأهل الاختصاص، وكنت قد تقدمت بمبادرة إلى وزارة التعليم لتقديم (حكايات الفنون الجميلة – التي توثق الحياة الفنية في القرن 20) وفي البداية استحسنوا الطرح والقيمة الثقافية البصرية التي تقدمت بها، لكنهم غير جاديين في التغيير.

ــ أين موقع الحركة التشكيلية المصرية على خارطة هذا الفن عالميا وعربيا وبما تقيمها؟
موقع الحركة التشكيلية المصرية على خارطة الفن التشكيلي عالميا، الوقت تجاوز تسميتها بـ"الحركة التشكيلية" لأن الضمير الجمعي لدى الفنانين اتجه ناحية الأداء الفردي، بل والخلاص الفردي ولم يسجل أي تقدم يسمح بوجود الفن المعاصر على خريطة عواصم الفن الكبرى مثل باريس ونيويورك، وطوكيو ومؤخرا بكين، وإذا كان هناك ثمة تواجد فهو على نحو فردي محدود، أما عربيا أظن الواقع السياسي يكشف عن المسارات في تلك الدائرة وهي مسارات مغلقة، أما تقييمها فالحياة الفنية تدور في دائرة اللوحة والتمثال باعتبارهما سلعة يمكن تسويقها في مجتمعات لا تقدر الفن ولا الثقافة البصرية ولا يمثل لهم الفن احتياج.
ـــ إلى أي مدى أثر ما تم استحداثه من وسائط تكنولوجية كالفيديو أرت والأعمال المركبة٬ في الحركة الفنية المصرية وعليك خاصة؟
الفنون دائما لديها دوافع ملحة إلى إضافة الجديد وأيضا الاشتباك مع العصر، ومع المفاهيمية واستخدام وسائط تكنولوجية اتجه بعض الشباب إلى مواكبة مدرسة فنية مهمة لكنها جاءت من أوروبا لتستبدل العمل الفني من كونه أثر خالد، إلى حدث يسجل وجهة نظر ويطرح نفسه كفكرة، والتخلي عن ملكية العمل الفني باعتباره وسيط اتصالي يخدم فكرة وموضوع حياتي مؤثر، وذلك نتيجة أن المتاحف في أوروبا تشبعت بالأعمال الفنية ولم تعد تحتاج المزيد، لذلك تلك الظاهرة لم تستمر طويلا.. لكن نشاطي لم يتأثر إيمانا بأهمية عنصر المعاصرة في العملية الإبداعية.
ــ شهدت مصر في السنوات الأخيرة ظهور منحوتات لشخصيات مهمة لكنها ليست على القدر اللائق بهذه الشخصيات٬ ما رأيك في الظاهرة وكيف نستعيد منحوتات بعظمة تمثال الأمومة٬ رياح الخماسين٬ نهضة مصر؟
فن النحت يحتاج إلى نهضة حتى نستعيد مجدا مفتقدا، سواء باتساع دائرة المشاركة أو تبني مسارات جديدة لوجوده في حياتنا كما كان في بيوت الطبقة الوسطي حتى منتصف السبعينات، قبل أن يتجه الإسلام السياسي إلى هدم قيم ثقافية في حياتنا وبهدف تخلينا عن الجمال والخيال.