رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتحار .. وموقف الإسلام منه


قد أعلي الإسلام من قيمة الحياة وشأنها , وجعل الاعتداء عليها من أعظم الذنوب التي يقترفها الإنسان , وتجلي ذلك في قوله تعالي :

( .. أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون .. ) المائدة : 32 .

ولأن الحياة هبة من الله فينبغي أن تُترك الروح لخالقها يسلبها متي يُريد , ويبتليها بالآلام إذا شاء ويُسعدها متي شاء , فقد حذر الإسلام من الإقدام علي التخلص من الحياة مهما كانت بواعثه ومهما كانت بواعثه , ومهما تقلبت بالإنسان نوائب الزمان , قال تعالي :

( قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يُجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون , سيقولون لله قل فأني تُسحرون ) المؤمنون : 88, 89 .

ولما كان الله هو مالك الحياة والموت للمرء , فأكدت الشرائع كلها وخاصة ديننا الإسلامي الحنيف علي تحريم قتل النفس وإزهاق الروح بصورة عامة والانتحار بصفة خاصة .

وللانتحار صور مختلفة منها : قتل الإنسان نفسه , أو إتلاف عضو من أعضائه , أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال بمأكول أو مشروب أو بأي لون من ألوان العقاب التي تؤدي إلي إزهاق النفس , لما في ذلك من اعتداء علي حق من حقوق الواهب للحياة وهو الله , وقد حذر سبحانه بعدم قتل النفس العامة أو الخاصة قال تعالي :

(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً , ومن يفعل ذلك عُدواناً وظُلماً فسوف نُصليه ناراً وكان ذلك علي الله يسيراً ) النساء : 29, 30 .

ولم يقتصر تحذير ربنا عز وجل وتحذيره عن قتل النفس وإزهاق الروح بصورة عامة والانتحار بصورة خاصة نجد أن الله تعالي حَرم أن يهلك الإنسان نفسه أو يُلحق به ضرراً في نفسه أو في عضو من أعضائه سواء بطريق مباشر أو غير مباشر , قال عز وجل :

( ولا تُلقوا بأيديكم إلي التهلكة وأحسنوا إن الله يُحب المُحسنين ) البقرة 195 .

وقال ابن حزم رحمه الله :

( واتفق أهل العلم أنه لا يحل لأحد أن يقتل نفسه ولا أن يقطع عضوا من أعضائه , ولا أن يؤلم نفسه في غير التداوي بقطع العضو المريض خاصة ) .

وظاهرة الانتحار قد شاعت في مجتمعنا وهو أمر غريب عن مجتمعاتنا وأدياننا السمحة فالذي يُغامر بنفسه فيقتل نفسه منتحراً , فلو كان يَقدم علي ذلك بسبب يأسه من الحياة فليعلم شبابنا أن اليأس من الحياة دليل علي ذبول شجرة الإيمان في نفوس اليائسين , ولقد عد النبي اليأس من أكبر الكبائر , عن بن مسعود أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله عز وجل , والأمن من مكر الله , والقنوط من رحمة الله , واليأس من روح الله ) .

فلا يظن المنتحر أنه ترك الشقاء والتعب , وأنه سيجد الراحة بعد قتل النفس , ولم يدر ماذا وراء القبر , والمرحلة التي هو مُقبل عليها , إنها الشقاء الطويل والعذاب الأليم الذي يهون أمامه تعب الدنيا وكدها , قال النبي صل الله عليه وسلم :

(من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالداً فيها أبداً ).

إنه المصير الأليم لمن يقتل نفسه أو يزهق روحه التي أودعها الله فيه أمانة

فلا تنظر إلي صغر الذنب , ولكن انظر إلي عظمة من عصيت , وأيضاً فلنتذكر سوء عاقبة الانتحار في الدنيا والآخرة , وكفانا بالسؤال عن تضييع النفس بإهلاكها , أمام الله تعالي يوم الحساب عبرةً بسوء عاقبته في الآخرة.