رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلام حياة وليس كلامًا


يعرف السياسيون السلام بأنه اتفاق بين أطراف متعادية لوقف الحرب حتى وإن بقينا على حافة الكراهية، فهم لا يحبون ولا يعادون، وقد تسمح الظروف لحوار بين الأطراف المتعادية فى محاولة للوصول إلى اتفاق على السلام.
أما السلام الفعلى فهو حالة من التناغم خالية من الكراهية والعداء بين طرفين أو أكثر، فهو تناغم وتوافق وانسجام بين طرفين أو أكثر فى حالة من الوضوح الصريح الخالى من أى مواربة- كما فى نور النهار- حتى يقال إن عكس السلام هو حياة الظلام التى تعجز عن الوضوح الذى لا يبدده غير إشراقة الشمس، ومعها يهرب الظلام ومعه العداء، إلى شمس السلام والحب الذى وحده يستطيع إزاحة مشاعر الكره والعدوان. ففى تعبير لمارتن لوثر كينج يقول: «الظلام يجلب معه الكراهية والخوف، أما النور فهو طريق الحب والسلام». أما من يرى أن السلام حلم ونغم ولكنه بمعناه الكامل مجرد أغان حالمة فمن الصعب نسيان الجروح والألم، هكذا يراه رجال الحروب والقتال، أما دعاة السلام فيقولون: «لو سرنا على مبدأ العين بالعين فلن نرى إلا عالما من العميان».
أما مهاتما غاندى فله تعبير ارتبط بشخصه «ليس هناك شخص يسبب لى أذى ما لم أسمح أنا له بهذا»، وفى كلمات أخرى نقول إنه عندما تتغلّب قوة الحب على حب القوة حينئذ سيعرف العالم معنى السلام.
لقد صاغ مهاتما غاندى قصيدة يمكن ترجمة معانيها إلى ما يلى: «إننى لا أخاف إنسانا على وجه الأرض، بل أخاف الله وحده، وإننى لا أحمل ضغينة أو شرًا ضد أى مخلوق على وجه الأرض ولكننى لن أقبل ظلمًا وعدوانًا من أحد. سوف أهزم الكذب بالحق محتملًا كل ألم فى صفوف المتألمين».
السلام الحقيقى يبدأ من الداخل قبل أن نفرضه أو نتوقعه من خارجنا. والحق أن السلام لا يعلَّم ولكنه من داخلنا يبدأ ويكبر لينتقل ويحرر، والحكمة تقول: «كن جميلا تر الوجود جميلا»، فالسلام يبدأ من داخلنا حتى نستطيع نقله إلى خارجنا.
لكن على الجانب الآخر يقول قائل: كيف تغرس ورودا على أرض حجرية صلبة بعيدا عن الماء والهواء، فهل يمكن تربية الحمام وسط غابة من النسور الجارحة، وتربية الحملان وسط الوحوش الضارية؟!.
وفى إجابة عن سؤالى، قال مارتن لوثر كينج: «أمامنا فرص ذهبية لحقن نوع جديد من الحب فى عروق حضارتنا، فلنبدأ بأنفسنا، فالحب ليس كلاما نوزعه، ولكنه حياة نبدؤها، ومسيرة طويلة نعبرها، ولنبدأ بمشاكلنا الشخصية، ومنها إلى من حولنا وانتشارا لكل عالمنا، أما البداية فهى أنفسنا، ففاقد الشىء لن يستطيع أن يعطيه للآخر».
ومن الحكمة القول «لن تجد سلاما بالهروب من الحياة» والسلام يتخطى مجرد الفكر أو الشعر. كما أن السلام الحقيقى الذى يبدأ بالفرد لن يحققه قتال أو هزائم الدنيا، فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر سلامه؟!.
أما الذين ينادون بالقوة المدمرة والمهابة المرعبة للآخر والسباق المسلح لإخافة الوحوش المتربصة فإنهم فى دوائر مفرغة لن تصل إلى نهاية، فالقوة ليست فى التدمير والهدم أو حتى التهديد بها، ولكن بالعطاء وإغاثة المحتاجين طعامًا ودواء، وربما حتى بتوفير كوب ماء نظيف. والحكمة تقول: لنتعلم إضاءة شمعة فى طريق مظلم أو فى حياة إنسان لتساعده على الانتقال من بئر مظلمة إلى شمس مشرقة.
لا بد من غرس السلام الحقيقى بدءًا من داخل الإنسان، وإلا فلن ينجح أن يأتيه من خارجه، أما عن السؤال: أى من دول العالم اختارت حياة السلام غير مهددة من آخر أو مهددة لآخر؟ فهذا ما نود متابعته فى مقال آخر علّنا نجد مثالًا حيّا يساعد على نشر السلام، ليس بالكلام، بل بالعمل والحق، لا عن ضعف، بل من قوة، لا من حاجة وعوز واضطرار للعيش السلمى، لا عن فرضه بالقوة، أو من عجز وفقر ومرض.. فإلى مقالنا القادم.