رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحن عباد الله وهم عبيد المرشد


أراد الله لنا أن نكون أحرارا لذلك خلقنا بشرا نسمع ونعصى أو نطيع، «وعصى آدم ربه» وهو الذى لم يكن بينه وبين الله حجاب، لذلك فنحن فى الدنيا أحرار نعبد الله أو لا نعبده، نطيعه أو نعصاه، ومن ذلك قول الله «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وقوله «لا إكراه فى الدين» أى أن طبيعة الدين ليس فيها أى إكراه، ولكن طبيعة العبودية لا تقوم إلا على الجبر والإكراه، لذلك سمانا الله ونحن فى الدنيا «عبادا» لا «عبيدا» ولكننا فى الآخرة وقت الحساب نفقد تلك الحرية فنكون «عبيدا».
يقول الله عنا ونحن فى الدنيا «وعباد الرحمن»، ويقول «قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم»، ويقول «إن عبادى ليس لك عليهم سلطان»، ويقول «وإذا سألك عبادى عنى» ولكنه فى الآخرة يقول عنا «وما أنا بِظَلاَّمٍ للعبيد». هناك فى الآخرة لا نملك من أمرنا شيئا، بل إننا نساق كما يساق العبيد فيقول الله «وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد»، فوقت الحساب ليست لك حرية الاختيار «فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿٦﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿٨﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ»، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهَْ». ولكن هناك حالة واحدة لن تمر فى الآخرة بالعبودية ولكنها ستدخل الجنة مباشرة دون حساب من باب «العبادية»، هى حالة «النفس المطمئنة» التى يقول الله عنها «يا أيتها النفس المطمئنة؛ ارجعى إلى ربكِ راضية مرضية؛ فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى»، هنا صاحب تلك النفس المطمئنة سيدخل مباشرة دون حساب إلى «العبادية» التى سننالها فى الجنة حيث ستعود لنا حريتنا فنكون عبادا لا عبيدا «نتبوأ من الجنة حيث نشاء».
إذن فطرة الإنسان قامت على الحرية، والحريّة هى أعلى مقاصد الديانات التوحيدية، حريةٌ فى مواجهة من؟، فى مواجهة الله رب العباد، وسبحان الله الذى أعطى لنا هذه الحرية ولكن بعض خلقه على مدار التاريخ أرادوا سلبها منا، وعملوا على وضع الأغلال فى أعناقنا مُدَّعين أنهم موكلون من الله سبحانه فى وضع تلك الأغلال!، ومن خلال الدين وادعاءات الوكالة ومزاعم الفضيلة قاموا باستعباد من وقع تحت أيديهم من البشر، فعل هذا ناسٌ نسبوا أنفسهم إلى الدين مباشرة فقالوا «نحن علماء الدين»، وظهر من هؤلاء من جعل نفسه- أو جعلوه- حجة الإسلام! والإسلام حجته القرآن لا الناس، فأصبح هذا الحُجة مساويا للقرآن، ثم ظهر من جعل نفسه- أو جعلوه- شيخا للإسلام لا شيخا للمسلمين فجعلوا من هذه المشيخة منصبا موازيا للرسالة والنبوة، إذ بهذا اللقب المقدس يصبح عندنا رسول الإسلام ونبيه، ومعه شيخ الإسلام!. ومن تلك التماحيك فى القداسة أصبح هؤلاء سادة وباقى المسلمين عبيد إحساناتهم، ومن خلال هؤلاء المقدسين ظهرت على مدار تاريخنا جماعات تنسب نفسها لله مباشرة أو للإسلام مرة واحدة، فتقول جماعة عن نفسها إنها الأُمة الناجية أو الفرقة التى هى شعب الله المختار، كما قال اليهود عن أنفسهم، وظهرت فرق قالت عن نفسها نحن الإسلام ذاته، ومن أراد أن يكون مسلما فليكن معنا، فكانت فرق الحشاشين والقرامطة والخوارج، وفِى العصر الحديث جماعة الإخوان وكل الجماعات المستولدة منها، ولأن الأتباع ظنوا أن طاعة أسيادهم فى تلك الجماعات ستدخلهم الجنة لذلك تفانوا فى العبودية، ولكى يتم التحكم فى رقاب هؤلاء العبيد اخترعت تلك الجماعات وعلى رأسها الإخوان أركانا لا تقوم الأخوية إلا بها وأعلاها السمع والطاعة فى كل الأحوال، ثم الثقة فى القيادة التى ستعطيهم الأوامر.
ويقف هؤلاء العبيد فى سلسلة بشرية طويلة أشبه ما تكون بسلسلة العبيد التى كانت تحمل إلى أمريكا من بداية القرن السادس عشر العبيد الأفارقة، بمزاعم مستندة إلى الرغبة فى إنشاء حضارة إنسانية جديدة فى هذا العالم الجديد. الفارق أن «كونتا كينتى» الشاب الإفريقى المسكين الذى كان يتم أسره من غرب إفريقيا قهرا وغصبا كان لا ينفك عن التمرد على العبودية، لكنه يظل أبد الآبدين مستعبد الجسد طليق الروح والنفس، ثم تخرج من صلبه بعد ذلك أجيال لا تعرف إلا العبودية فتظنها الحياة، وحينها تكون هذه الأجيال هى أعدى أعداء الحرية، ويكون السجان هو سيدها وقرة عينها، أما الذى يفتح لها الأبواب المغلقة لتنطلق إلى حريتها فهو العدو الذى يجب أن تقاومه.
عبودية التنظيمات الحديدية هى أشد وأنكى من عبودية كونتا كينتى إذ إنها عبودية الأجساد والأرواح والأنفس.
وقد تحولت تلك الجماعات المنحرفة إلى سجن بشرى لا يحفل كثيرا بقيمة الحرية، فهم كالآلات المبرمجة التى يتم تحريكها من خلال الريموت كنترول الذى تمت تغذية البرنامج الخاص به بكل كلمات الفضيلة وحب الله والجنة، ولكنهم يقتلون ويسرقون ويكذبون عندما يحركهم «الريموت» قائلا: «هذا هو الجهاد فى سبيل الله، ولن يُقام الدين إلا إذا أصبحنا حكاما، وهؤلاء هم أعداء الإسلام فاسرقوهم من أجل الله، واكذبوا عليهم لتقيموا الفضيلة فى مدينتكم، واقتلوهم حتى يحبكم الله وتنالوا رضوانه وتدخلوا جنته وتظفروا بالحور العين»، فإذا أراد أحدهم أن ينير لهم طريق المعرفة، ويفتح لهم أبواب الحرية قاتلوه، يستحقون الرثاء من عاشوا فى الظلام وينزعجون من النور.