رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يوليو العظيمة «3»


يحاول البعض من خصوم جمال عبدالناصر- أو يتمنى- القفز إلى نتيجة أنه بنكسة ٥ يونيو ١٩٦٧م انتهى مشروع عبدالناصر نهائيًا! والحقيقة أن هذا القفز هو بالضبط ما أرادته كل القوى الدولية الرافضة لمشروع ناصر النهضوى، أو على الأقل هو ما أرادت تصويره والدعاية له.
أما الحقيقة، كما نراها موثقة، فإن تجربة عبدالناصر زادت نضجًا وصححت الكثير من أخطائها بعد نكسة ١٩٦٧م، فعلى مستوى الاقتصاد حين حققت مصر أعلى معدل تنمية فى بلدان العالم الثالث من عام ١٩٥٦م إلى عام ١٩٦٦م بلغ بالمتوسط ٦٫٧٪ سنويًا، ثم من عام ١٩٦٧م إلى عام ١٩٦٩م بلغ ٤٪ رغم توجيه أغلب الموارد إلى المجهود الحربى، وتوقف الملاحة فى قناة السويس، وحرمان مصر من كل ثروات البترول والمعادن فى سيناء، وحين فارق عبدالناصر الحياة فى سبتمبر ١٩٧٠م كان إجمالى ديون مصر الخارجية لم يتجاوز ٢ مليار دولار، رغم كل ما دفعته مصر للمجهود الحربى بعد الهزيمة، وبقيمة منخفضة جدًا للدولار أمام الجنيه مقارنة بأسعار الدولار ما بعد عبدالناصر، بينما وصل إجمالى الديون الخارجية فى نهاية عام ٢٠١١م فى عصر السلم والرخاء- كما سموه- إلى ٣٠ مليار دولار!، فحين يقول قائل إن النكسة- رغم فداحتها- هى ما دمر الاقتصاد المصرى فعليه أن يراجع الأرقام!. نجد أن عبدالناصر الشجاع، الذى رفض عبارة الأستاذ هيكل فى خطاب التنحى «وأنا على استعداد أن أتحمل نصيبى من المسئولية»، وغيّرها ناصر بالجملة التى قالها فى خطابه الشهير فى ٩ يونيو ١٩٦٧م «وأنا على استعداد أن أتحمل المسئولية كلها»!، ودخلت مصر عسكريًا فى سباق مع الزمن لإعادة بناء جيش قوى، فلم يكن نصر أكتوبر ١٩٧٣م وليد ٣ سنوات عمل بعد عبدالناصر، فهذا أمر غير معقول، بل بتصور عسكرى جرى التخطيط له بعناية أسهم فيه الجنرال الذهبى الشهيد عبدالمنعم رياض مع جمال عبدالناصر، وتم تجهيز خطة الهجوم باسم «جرانيت»، اعتمدت على حائط الصواريخ الذى كان دوره تحييد سلاح الجو الإسرائيلى فى معركة التحرير، طورها لاحقًا الفريق سعد الدين الشاذلى، وهى الفلسفة التى انتصر بها الجيش المصرى، ذلك النصر العسكرى الباهر فى أكتوبر ١٩٧٣م.. مصر عصر عبدالناصر، التى بعد ٢٠ يومًا فقط من وقف إطلاق النار بعد النكسة، استطاعت فى ١٧١٩٦٧م فى معركة «رأس العش» إيقاف تقدم الجيش الإسرائيلى إلى بور فؤاد تاركًا دباباته وعرباته المدمرة!، وفى ٢١١٠١٩٦٧م أغرقت البحرية المصرية المدمرة الإسرائيلية «إيلات» بصاروخين من طراز «كومار» من لنشات الصواريخ المصرية، وفى ٣١١٩٦٧م قصف الجيش المصرى قوات الاحتلال بالمدفعية على طول خط المواجهة، خسرت إسرائيل فيه ٩ دبابات مع تدمير عدد من المنشآت، بينما خسرت مصر دبابتين فقط!، وفى ٦٢١٩٧٠م قامت الضفادع البحرية المصرية بعملية أسطورية ضد السفينة الإسرائيلية «بات يام» وسفينة الإنزال البحرى «بيت شيفع» فى ميناء إيلات الإسرائيلى.. هذه بعض من عمليات كثيرة استمرت تعيد الثقة للجيش المصرى فى القدرة على الردع والتحدى، فكل شعوب وجيوش العالم قد تتعرض لهزيمة معركة، لكن عبدالناصر استطاع فى سنوات ثلاث (١٩٦٧-١٩٧٠) بعد النكسة أن يعيد الجيش المصرى لقدراته الهائلة فى التخطيط والتدريب العسكرى، والاستعداد للحرب لتحرير الأرض، والحقيقة أن عبدالناصر كان مهزومًا ويخشاه أعداؤه، بينما بعده من انتصروا وكانوا منتصرين يخشون أعداءهم!، وسلموا ٩٩٪ من أوراق اللعبة بيد الأمريكان!
هذه ثلاثة مقالات تحاول- اجتهادًا- تحرى الحقيقة، لك الحق أن تختلف أو تتفق مع عبدالناصر ونظامه، لكننا أردنا فقط وضع الأمور فى نصابها بموضوعية.. يعيش جمال حتى فى موته!.