رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وضع الرجل المناسب في المكان المناسب


لقد افترض الإسلام علينا اختيار الكفاءات , والشريعة الإسلامية رائدة في تبني مبدأ العمل الجماعي , لما فيه من توحيد للهمم والطاقات , وتعاون تتهاوي أمامه أصعب المهام وتتحقق من خلاله أعظم الإنجازات , وما ذلك إلا لمساواة الناس جميعاً في الحقوق والواجبات .. قال تعالي :

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ ) الحجرات : 13 .

ولقد علمنا النبي صل الله عليه وسلم اختيار الكفاءات في كل المجالات حتي لو لم يكونوا مسلمين , فقد استعان النبي بغير المسلمين في بعض الأحيان لما استأجر رجلاً يهودياً اسمه (عبد الله بن أريقط ) ليكون دليله في دروب الصحراء عند الهجرة النبوية إلي المدينة لما له من معرفة وخبرة متمرسة بالدروب والمسالك والطرق , فكان لهذه المهمة كفْ وللقيام بها أهل .

فالرسول لم يعامل أهله وعشيرته من منطلق أنهم أهل الثقافة , ولم يعينهم في المناصب القيادية بل كانت رؤيته أن يُولي علي كل عمل من أعمال المسلمين أصلح وأكفأ من يجده لهذا العمل فهو القائل :

( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً مُحاباة فعليه لعنةُ الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتي يُدخله جهنم ) .

ولم يكن الرسول يعطي الولاية لأي شخص يطلبها أو يكون حريصاً عليها – قال النبي لعبد الرحمن بن سمرة : لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها , وإن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها ) .

ولم يعرف النبي التزكية أو الترقية طوال حياته أو تعيين أحد من أقاربه في أي منصب من مناصب الدولة , خوفاً من ضياع الأمانة التي كان حريصاً علي استقرارها عند أهلها , فهو القائل :

( إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة ) .

وجميع أنبياء الله عليهم السلام ورسله كان دأبهم وحرصهم الأول علي تولي أهل الكفاءة وأصحاب المسئولية حيث قال تعالي مُخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام :

( قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظٌ عليمٌ ) يوسف : 55 .

كذلك أدركت ابنة الرجل الصالح أن الكفاءة شرط في تولي القيادة , وإسناد العمل للفرد وتكليفه به , دون مجاملة أو محاباة , قال تعالي :

( قالت إحداهما يا أبت استأجرهُ إن خير من استأجرت القوىُ الأمين ) القصص : 26 .

وهذا نبي الله موسي عليه السلام حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها استخلف أخاه هارون , قال تعالي :

( وقال موسي لأخيه هارون اخلُفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المُفسدين ) الأعراف : 142 .

فالإدارة فن أقره الإسلام , وأوصي باختيار الرجل المناسب في الوقت المناسب , سواء علي المؤسسات العامة أو المؤسسات الخاصة أو حتي مستوي الأسرة , واختيار الصالح للعمل يجب أن يعتمد علي شرط الكفاءة . وبناءً عليه المسئولية تكليف لا تشريف , فالقائد للأمة خادمها وراعيها , ويجب امداد الدولة بالطاقات البشرية , ومراعاة الدقة في الاختيار , والاعتماد علي أصحاب الثقة والكفاءات , الكفيلة بمواجهة الشدائد , والقادرة علي النهوض بالأمة .