رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس مهمة من أول هزيمة للمسلمين «١-٢»


قوانين الخالق فى الكون ثابتة لا تتغير، من يسير عليها سينجح، ومن يصطدم بها مصيره الفشل، وغزوة أحد فى السابع من شوال من السنة الثالثة من الهجرة مليئة بالقوانين الإلهية فى الحياة، إذ إن الإيمان وحده والدعاء وحده مع إهمال القوانين الربانية لا يمكن أن يحقق نتيجة، فضلًا عن وجوب اتباع طريق النبى، صلى الله عليه وسلم: «ما من خير إلا ودللتكم عليه وما من شر إلا ونهيتكم عنه».
بعد انتصار المسلمين على قريش، سيدة العرب، فى غزوة «بدر»، تزايد عدد المسلمين فى المدينة بفعل الضغط الذى مارسته «الأوس والخزرج»، جزء منهم اختار الإسلام صدقًا، والجزء الآخر أسلم نفاقًا، فمع كل نجاح هناك آثار سلبية، منها اختباء بعض الحاقدين فى صورة المحبين، وهذا هو القانون الأول من قوانين الحياة.
ووقعت أول محاولة لاغتيال النبى فى المدينة على يد عمير بن وهب الذى كان يوصف بأنه «شيطان من شياطين قريش»، لكن النبى اكتشفها، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وعاد إلى مكة، حتى فتحها النبى، وراح له يشفع لصاحبه حتى أسلم صفوان بن أمية.
القانون الثانى من قوانين الحياة: لا يوجد إنسان شيطان كامل، كل إنسان بداخله بذرة طيبة.. بذرة خير، ستظهر حين نمسح التراب عنها.
بعد خسارة قريش أمام المسلمين فى «بدر» وسقوط أعداد كبيرة من القتلى فى صفوفهم، وبين قادتهم وزعمائهم، كانت هناك رغبة جارفة للثأر، إذ لم يبق إلا أبوسفيان، فأخذوا يتجهزون عسكريًا لمدة سنة، حتى تم تجهيز ٣ آلاف مقاتل، وقرروا الخروج لمهاجمة المدينة.
يؤكد هذا حقيقة أن النبى لم يذهب أبدًا لقتال قريش لا فى بدر ولا أحد ولا الخندق، بل هى من أتت لمحاربته فى الغزوات الثلاث على حدود المدينة.
خرجت قريش بقيادة أبوسفيان، وكان معهم نساء تقودهم هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان، والتى قتل والدها «عتبة» وعمها «شيبة» فى «بدر»، كانت تريد الثأر من سيدنا حمزة لأنه هو من قتلهما، واختارت لهذه المهمة عبدًا يسمى «وحشى»، أفضل من يرمى الحربة، فى مقابل أن تمنحه حريته.
كما خرج عبدالله بن قمنة، ومعه ٢٠ فارسًا ليس لهم من هدف آخر سوى قتل النبى، وخرج أبوعامر الراهب، الذى حفر حفرة للنبى فى أحد.
بينما خشى أبى بن خلف أن يخرج لقتال النبى، لما سب أحد الصحابة، وقال له تسبنى والنبى يحدثنا أننا قاتلوك، فسأله له: أفى مكة أم فى خارجها، قال: لا أدرى، فعزم ألا يخرج.
شاهد صفوان بن أمية وكان معه بخورًا، قال له: تبخر كما تتبخر النساء، فقال: قبحك الله، والله ما تسوقنى إلا إلى موتى، وخرج وقتل فى أحد. فقد كان يصدق النبى، لكن الكبر يمنعه من التخلى عن شركه.
قبل المعركة، رأى النبى، صلى الله عليه وسلم، رؤيا أن فى يده درعًا حصينة، وأن سيفه كسر، وأن هناك بقرًا يذبح، فأولها بأن الدرع الحصينة هى المدينة، والسيف المكسور هو أحد أهله سيقتل، وأن البقر الذى يذبح هم أصحابة سيتعرضون للقتل.
رؤيا الأنبياء حق، لكنه بدأ يشاور الصحابة، فقال الشيوخ الكبار ومن بينهم النبى وأبو بكر: «نبقى فى المدينة»، لكن الشباب يريد أن يخرج، وقال سيدنا حمزة: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا حتى لا يظنوا أننا جبناء بالبقاء فى المدينة، لكن عبدالله بن سلول رأس النفاق كان رأيه أن يبقوا بالمدينة.
ليتخذ النبى القرار بالخروج بناءً على رغبة الأغلبية، على الرغم من علمه بالنتيجة. فكان له دوران، الأول: القائد العسكرى الذى يعلم نتيجة الخروج، والثانى: دور المشرّع لفكرة المشورة أنها قانون من قوانين الحياة، فاختار النبى الأخير.
ثالث قانون من قوانين الحياة: إياك أن تأخذ قرارًا كبيرًا لوحدك، فالنبى تحمل نتيجة «أحد» من أجل أن يحيى قيمة المشورة، وعلى كل إنسان أن يشاور المقربين منه وأصحاب الخبرة.
خرج المسلمون وعددهم ألف مقاتل إلى جبل «أحد»، الذى يقع على بعد ٥ كيلو من المسجد النبوى، وهو جبل متناسق موحد، سلسلة متشابكة متواصلة، أحبه النبى لأنه رأى فيه صفه من صفات المؤمنين «أحد كالبنيان يشد بعضه بعضًا.. والمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعض».
رابع قانون من قوانين الحياة: تعامل مع الكون بتأمل وحب، حتى تستفيد منه وتنسجم معه، جبل أحد هو الحمى الذى حما المسلمين يومها.