رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار وزير الرى


منذ توليه منصبه الوزارى منذ أكثر من ٣ سنوات، وأنا أتابع أداء الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، فيما يخص الملف الأهم بالنسبة لمصر وهو «مياه النيل».. والحقيقة أنه يتعامل مع هذا الملف المهم بمنطق «السر الأكبر» وبموجب هذا المنطق صنع له «كهنوتًا» لا ينبغى لأحد الاطلاع عليه، وكان من نتيجة ذلك ترك الرأى العام نهبًا للشائعات.
مع صبيحة كل يوم تطالعنا بعض «الصفحات المشبوهة» على مواقع التواصل الاجتماعى- التى تحركها جماعات لا يهمها استقرار وطننا الغالى- بشائعات تتعلق بشريان حياة المصريين «نهر النيل»، من نوعية أن منسوب مياه النيل بدأ فى الانخفاض لبدء إثيوبيا فى تشغيل «سد النهضة»، وبالطبع فإن أى متابع لهذا الملف يعلم علم اليقين أن السد لم يتم تشغيله فعليًا ويدرك أن هذه شائعة هدفها بث الخوف فى قلوب المواطنين، ولكن عموم الرأى العام لا يعلمون تفاصيل هذا الملف، وبالتالى يقعون فريسة للشائعات التى تنتشر نتيجة لسياسة وزير الرى فى التعامل مع هذا الملف المهم.
صحيح أن ملف «مياه النيل» كان يُناقش قبل صيف ٢٠٠٩ فى حجرات الاجتماعات المغلقة، وكان اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل، الذى عُقد فى الإسكندرية فى صيف عام ٢٠٠٩ وتحديدًا فى ٢٥ يوليو من ذلك العام، بمثابة العاصفة التى أسقطت ورقة التوت عن الخلافات بين دول حوض النيل ونقلتها إلى صفحات الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، فالخلافات بين دول الحوض قبل هذا الاجتماع كانت تدور فى غرف الاجتماعات، فضلًا عن بعض التصريحات المرتبطة بمناسبة هنا أو هناك، لكن فى هذا الاجتماع كان «التوتر» هو المسيطر على أجوائه، حيث كان كاتب هذه السطور متواجدًا هناك بصفته صحفيًا يقوم بتغطية الاجتماع لصحيفته، وشاهد هذه الأجواء المشحونة بـ«التوتر» و«الغضب».
ورغم أن الاجتماع عُقد فى فندق فلسطين بحدائق المنتزه، وهى منطقة تشع بهاء، لكن حتى أشجار المنتزه بدا عليها الحزن متأثرة بخلافات مصر مع دول منابع النيل التى قد تحرمها من نسمات ترعة المحمودية.. حتى جدران قصر المنتزه السامقة بدت كئيبة، فمؤسس الدولة العلوية، محمد على باشا- الذى ينتسب إليه هذا القصر- كم أنفق للوصول إلى منابع النهر الخالد الذى يربط بين دوله برباط لا ينفصم!
وفى صالة الاستقبال بفندق فلسطين، بالإسكندرية، كان يمكن لأى عابر أن يستشف ما يحدث فى القاعة التى تضم اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل- والتى تقع على مقربة من صالة الاستقبال- على مدى أربعة أيام هى مدة انعقاد المؤتمر، فأصوات وفود دول حوض النيل فى مناقشاتهم- خلافاتهم- كانت مرتفعة، حتى فى فترات الاستراحة فى صالة استقبال الفندق كانت «الخلافات هى المسيطرة».. وكأن دول الحوض لا يربطها رباط مقدس يدعى «نهر النيل»!!
ودفعت هذه الخلافات كاتب هذه السطور لأن يعد تقريرًا صحفيًا فى إطار متابعته اليومية للمؤتمر، تحت عنوان يكشف لك أيها القارئ العزيز حجم الخلافات بين دول حوض النيل، وهو «تصاعد الخلافات بين مصر ودول حوض النيل فى اجتماع وزراء المياه».
وقبل هذا الاجتماع كان الإعلام المصرى غائبًا عن مشهد المفاوضات مع دول منابع النيل، رغم أهمية هذا العنصر فى خلق رأى عام مؤيد لصانع القرار فى قضية مصيرية كمياه النيل.. وهكذا تحول ملف «مياه النيل» من قضية تُناقش فى غرف الاجتماعات المغلقة، وعلى صفحات الكتب المتخصصة، إلى «قضية رأى عام» بكل ما تحمله العبارة من معانٍ، وتصدرت متابعات ملف مياه النيل الصفحات الأولى للصحف الصادرة فى مصر، سواء الصحف المملوكة للدولة أو الصحف الحزبية أو الخاصة.. وإن تباينت معالجة هذه القضية من صحيفة لأخرى.. ولكنها اتفقت على أن هناك مشكلة فى ملف «مياه النيل».
وبالتالى، فإن وزير الرى الدكتور «محمد عبدالعاطى» مُطالب وبصورة عاجلة بتغيير سياسة تعامله مع هذا الملف، وإطلاع الرأى العام على تطورات «ملف مياه النيل» فى الحدود التى تحافظ على الأمن القومى المصرى، وبما لا يترك المواطنين فريسة للشائعات التى تروجها كتائب «قوى الشر الإلكترونية».