رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا ذهب محمد صلاح إلى العيادة النفسية؟

جريدة الدستور

فاجأنا الطبيب النفسى المعروف الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، بالإعلان عن زيارة النجم المصرى محمد صلاح عيادته النفسية فى الفترة الماضية.

كثير ممن تلقوا هذا الخبر ربطوا بينه وبين الأزمات التى تعرض لها «صلاح» مؤخرًا مع اتحاد كرة القدم، لكن بعيدًا عن مدى صواب أو خطأ هذا الطرح، تبقى حاجة نجوم كرة القدم إلى الطب النفسى ضرورية، ومكونًا هامًا من مكونات النجاح.

مواجهة ضغوط الموسم الجديد سبب أساسى.. والمنهج العلمى يُنقذه من فخ ميدو
دخل «صلاح» مع نهاية الموسم المنقضى بعد تتويجه بجائزة أفضل لاعب بـ«البريميرليج»، مرحلة جديدة، انتقل فيها إلى مصاف أفضل لاعبى العالم، وبات يقف على مسافة قريبة للغاية من أسطورتى هذا الجيل، الأرجنتينى ليونيل ميسى، والبرتغالى كريستيانو رونالدو.
فى هذا المرحلة أدرك «مو» أنه تحول من مجرد لاعب ناجح إلى مشروع مؤسسى يحتاج إلى رعاية خاصة من اتجاهات عدة، وتخطيط علمى يكون منهاجًا له فى كل خطواته، مثلما يفعل اللاعبون الكبار أمثاله.
هنا برزت الحاجة الكبيرة لوجود المعالج أو المرافق النفسى لـ«صلاح»، ولأن النجم المصرى يتواجد فى وسط احترافى يقوده العلم لا الفهلوة، وعى تمامًا قيمة اللجوء إلى علم الطب النفسى لمواجهات التحديات والضغوطات، وتجديد الحوافز والدوافع مع كل إنجاز يخطوه حتى لا يتوقف عند الحد، الذى عجز عن تخطيه أحمد حسام ميدو، وألا يسقط فى فخ الانبهار والغرور الذى سقط فيه عمرو زكى بعدما سجل ١٠ أهداف فى فترة وجيزة جدًا مع ويجان الإنجليزى، ليتبدل حاله من السماء إلى القاع.
«صلاح»، الذى حاز جائزتى الأفضل والهداف فى إنجلترا وهداف دورييها الأقوى فى العالم، سيكون محاصرًا بضغوط نفسية وجماهيرية غير عادية الموسم المقبل، وسيواجه تحديات ضخمة عندما يغيِّر الخصوم من الخطط والأساليب التى يواجهونه بها، فلم يعد مجرد اللاعب العادى القادم من روما، بل صار الأفضل فى الدورى.
سيكون «صلاح» مطالبًا بالتسجيل طوال الوقت وتخطى الجميع، وعندما يتعثر فى مباراة ستحاصره التساؤلات، وإذا استمر الحال هكذا مباراتين أو ثلاثا ستكون الانتقادات ضخمة وكبيرة، وهذه مرحلة تحتاج إلى تأهيل نفسى خاص من الآن.
كيف يواجه «صلاح» تلك الضغوط الكبيرة المحتملة مطلع الموسم المقبل؟ مؤكد أن المدير الفنى لليفربول يورجن كلوب، سيلعب الدور الأبرز فى هذا، لكن إيمان «مو» ذاته بأهمية تأهيل نفسه مبكرًا تعكس إلى مدى كبير درجة الوعى التى يحياها النجم المصرى، وإدراكه المخاطر المستقبلية، ومن ثم اللجوء إلى الأساليب التى تُسعفه فى التغلب على هذه المعوقات.
كرة القدم ليس مجرد ركض كثير ومهارة فردية وركل للكرة، لكنها - كما يقول الأسطورة البرتغالية جوزيه مورينيو- لعبة نفسية من الأساس. اللاعبون طوال الوقت محاصرون بالضغوط، والمدرب الأنجح هو من يزيل تلك الضغوط من على عاتق لاعبيه، هكذا تعلم البرتغالى على يد مدرس الفلسفة فى الصغر. يؤيده فى الأمر الإسبانى بيب جوارديولا، الذى يعتبر أن سر نجاحه هو الحالة النفسية التى تربطه بلاعبيه، ويرى أن ترجمة أفكاره مرتبطة بالأساس بحب اللاعبين له وإيمانهم الدائم بأفكاره، وهو ما يدفعهم لبذل كل ما لديهم من أجل تنفيذه.

رونالدو خضع لتأهيل نفسى لفك عقدة ميسى.. وبيل استعان بطبيب لكسر خوفه من الدون
ما يفعله «صلاح» الآن ليس بالأمر الغريب، ولكنه انتهاج لنفس الطريق الذى سلكه نجوم كبار مثل كريستيانو رونالدو، الذى استعان بإخصائى نفسى قبل ذلك لمساعدته فى التغلب على أزمة الضغوط التى سقط أمامها فى بداياته مع ريال مدريد.
عندما انضم «رونالدو» إلى النادى الملكى كانت بداياته صعبة للغاية، وشهدت تلك المرحلة سقوطًا كبيرًا للبرتغالى، أمام إنجازات ضخمة ومتعددة للخصم برشلونة ونجمه ليونيل ميسى.
فى تلك المرحلة، لم يكن هناك قصور فنى أو بدنى عند «رونالدو»، فالغريب فى الأمر أن اللاعب، وبمردود فنى وبدنى أقل، ظهر وحقق نتائج أفضل، خاصة فى الفترة مع انطلاقة عامه الثلاثين وحتى اليوم، عما كان عليه الأمر فى ريعان شبابه وعنفوانه البدنى.
الأمر عند «رونالدو»، كما وصفه الإسبانى أوليفر مارتينيز، المتخصص فى العلوم النفسية للاعبين - فى ٢٠١١ وعقب خسارة مدريد أمام برشلونة فى إحدى مواجهات الكلاسيكو- كان مرتبطًا بالجوانب النفسية.
«الدون» الذى يسجل فى خيتافى وسرقسطة وفالنسيا وغيرها من الأندية، هاتريك وسوبر هاتريك بسهولة كبيرة، يعانى فقط أمام برشلونة ولا يستطيع مجاراة الفريق الكتالونى، فقط لأن تركيزه المبالغ فيه أحيانًا وبحثه عن مطاردة «ميسى» يزيد الضغوط عليه، ويجعله غير قادر على التحكم فى موهبته بشكل جيد.
أجمعت الصحافة الإسبانية - آنذاك- على أن «رونالدو» فى حاجة إلى إعادة تأهيل نفسى على كيفية مواجهة الضغوط النفسية، خاصة فى المواجهات الكبيرة، وهو ما لجأ إليه اللاعب، حتى ظهر تركيزه وتفوقه على الضغوط فى السنوات الأخيرة، وكان أهم الأسلحة التى صنع بها التفوق.
كل من تابع «رونالدو» فى صغره يعرف أن عطاءه الفنى والمهارى أروع وأمتع وأفضل مما كان عليه فى سنواته الأخيرة، لكن النتائج تقول عكس ذلك؛ فالإنجازات صنعها البرتغالى بمردود أقل عبر روشتة نفسية ساعدته على ذلك، للتغلب على محاصرة خصومه له بضغوط أثقلته وأعاقته رغم عظم موهبته وعدم اقتراب أحد منها.
جاريث بيل، لاعب ريال مدريد ذاته، استعان بالطبيب النفسى جيمى إدواردز، للتغلب على الضغوط الجماهيرية الكبيرة التى تعرض لها فى إحدى الفترات، وكيفية التعامل مع نجم بحجم رونالدو، إذ إنه يكون حائرًا دائمًا ما بين التمرير له تحت أى وضعية أو اللجوء إلى الحل الفردى الذى يمكنه من صناعة الفارق والظهور بشكل أفضل.
عثمان ديمبلى، لاعب برشلونة، الذى انتقل الصيف الماضى من بوروسيا دورتموند الألمانى مقابل ١٢٠ مليون يورو، لم يتحمل الضغوط الجماهيرية الكبيرة وسقط فى فخ الإصابة مبكرًا، وعندما عاد لم يقدم المردود المنتظر منه.
تخيّل.. «ديمبلى» مقابل ١٢٠ مليون يورو من دورتموند إلى برشلونة، و«صلاح» بـ٤٥ مليون يورو من روما إلى ليفربول، الأول لم يقدم شيئًا والثانى أفضل لاعب بالدورى الإنجليزى.
هذا لا يعكس أبدًا أن الجانب المهارى لـ«صلاح» أفضل كثيرًا من «ديمبلى»، بقدر ما كان الأخير ضحية لضغوط الجماهير التى تنتظر أهداف ومهارات وأسيسات تعادل الـ١٢٠ مليون يورو من اللحظة الأولى.
تلك الضغوط التى لم يتحملها اللاعب الشاب وظهر بسببها فى أوقات كثيرة فاقدًا حتى أساسيات كرة القدم، دفعت إدارة النادى الكتالونى للجوء إلى طبيب نفسى يعالج نجمه، ويساعده فى مواجهة تلك التحديات.
كثيرة هى النماذج التى استعانت بالطب النفسى كسلاح ساعد فى مهمتين رئيسيتين: التغلب على الضغوط، وتجديد الدوافع والحوافز. وسنحتاج لمساحة أكبر للحديث عن تفاصيل بعض الأمثلة فقط، بينما تُعد خطوة «صلاح» الأخيرة انتهاجًا لسبل الأساطير.
فى سن معينة يعرف اللاعب كل شىء فيما يتعلق بكرة القدم، ويصل إلى الحد الأقصى لما يمكن أن يقوم به، لذلك تجد نفس اللاعبين يسجلون نفس الأهداف بنفس الطريقة. يحدث ذلك بين «ميسى وألبا» فى كثير من المشاهد، وبين «صلاح وفيرمينيو»، واستقبال «رونالدو» العرضيات أو التمركز داخل منطقة جزاء الخصوم، لكن التركيز والعامل النفسى لا المهارة، يلعب الدور الأبرز فى تحديد النتائج والمصائر.
صلاح يُثبت يومًا تلو الآخر أنه حالة استثنائية بين اللاعبين المصريين؛ يعمل بشكل مغاير ومختلف، لم يستسلم للعقلية والثقافة الرياضية المصرية، ويخطو بمجهود فردى نحو أمجاد الأساطير، بمعزل عما يدور فى الكرة المصرية التى مازالت تنظر إلى الطب النفسى كخرافات.
أتذكر الآن وأنا أربط بين احترافية «صلاح» وفهلوة المصريين، عندما استقبل أحد المذيعين الذين يقدمون فقرة فى أهم برنامج رياضى - الذى يحظى بمتابعة كبيرة- طبيبًا نفسيًا، قبل ٢٤ ساعة من مباراة الصعود للمونديال أمام الكونغو، ثم تحدث إلى ضيفه قائلًا: «تحب أسالك فى إيه عشان مفهمش يعنى إيه علاقة الطب النفسى بالكورة»!!!