رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يهاجمون ثورة يوليو؟




غدًا تحتفل مصر والعالم العربى وكل الشعوب المحبة للسلام والساعية إلى الاستقلال بالعيد السادس والستين لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. فلماذا وبعد ستة وستين عامًا من قيام الثورة وبعد مضى ثمانية ‏وأربعين عامًا على وفاة الزعيم جمال عبدالناصر نجد هذه الحملات وتلك التقولات وكل هذه التخرسات والشائعات والكلام المغلوط والخاطئ ضد الثورة والزعيم؟. ‏
من المعروف أن الثورة هى حالة استثنائية تتخطى الظروف الواقعية وتسقط الدستور ولا تعبأ بالقانون إذا كان سيعوق مسار الثورة. كما أن الثورة لا تقوم إلا إذا نضج الظرف الموضوعى واكتمل ‏الظرف الذاتى. والموضوعى هنا هو إحساس الجماهير بمدى الظلم وفداحة الاستبداد وكم الاستغلال ونتائج غياب العدالة الاجتماعية والخلل فى توزيع الناتج القومى، فبتراكم المظالم وتفحش المفاسد ‏يحدث ذلك التراكم الذى يولد حالة من حالات الرفض إذا لم ينضج حالة من حالات الوعى للنخبة. أما الظرف الذاتى فهو ذلك التنظيم الثورى الذى يمتلك الكوادر والبرنامج والآليات الثورية حتى يكون ‏جاهزًا للحكم بديلًا للنظام بعد سقوطه. فإذا سقط النظام ولم يحدث تغيير إلى الأحسن كان انقلابا. وإذا حدث تغيير إلى الأسوأ مما كان قائمًا عُد ثورة مضادة. أما بعد سقوط النظام إذا حدث تغيير ‏جذرى فى كل مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأحسن فهذه هى الثورة الحقيقية، كما أن الثورة وأى حدث تاريخى لا يمكن أن يقيّم على ضوء الواقع المعاش الآن. فلكل ‏ثورة وحدث ظروفه الموضوعية المعاشة التى تكون هى الحافز والمساعد بل هذه الظروف هى التى تحدد النتائج. ‏
كما أن أى ثورة وأى تغيير حقيقى فى البنية الأساسية فى المجتمع لا بد أن تكون النتائج لذلك مع من يستفيدون من هذه التغييرات شكلًا وموضوعًا، وفى ذات الوقت تكون هذه المتغيرات ضد من ‏يتضررون من هذا، ولذلك من فى صالحهم الثورة فهم معها قلبًا وقالبًا، ومن تضرروا هم ضدها بنفس المعيار وأكثر، فلا يوجد نظام سياسى فى العالم يحظى بالتأييد المطلق من كل الجماهير، ولكن ‏المعيار السياسى هنا للحكم على أى نظام هو هل هذه الثورة وتلك المتغيرات كانت فى صالح الأغلبية وضد الأقلية أم العكس؟ فإذا كانت فى صالح الأقلية فهذا نظام يصبح فاقدًا للشرعية ‏الجماهيرية، حتى ولو كان صوريًا يمتلك الشرعية الدستورية والقانونية. أما إذا كان فى صالح الأغلبية، وهذا هو الطبيعى سياسيًا ودستوريًا وقانونيًا وأخلاقيًا، فيكون مالكًا لكل شرعية، حتى ولو لم ‏يكن على مزاج تلك الأقلية المستغلة والمستبدة التى لا ترى ولا تريد ولا تسعى لغير مصلحتها ومنفعتها الذاتية.‏
وعلى ضوء قراءة الواقع الموضوعى فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وما قبلها كان الظرف الموضوعى ناضجا كل النضج، فخيرات مصر لنصف فى المائة والشعب يرزح تحت نير الفقر والمرض ‏والحفاء والذل وغياب العدل وسحق الكرامة من قبل المستبد الداخلى، ومن جهة المستعمر الخارجى. ولذا كانت الجماهير تواقة للتغيير آملة فى شبه حياة تليق بالإنسان «نصًا وليس معنى»، ولكن لم ‏يكن هناك وجود للتنظيم الثورى الشعبى لفساد الحياة السياسية والحزبية ولغياب الجماهير الحقيقية عن أى صورة وأى حضور، فكان طبيعيًا أن يكون الجيش بعقيدته الوطنية هو البديل الثورى عن ‏طريق طليعة الضباط الأحرار، أبناء الطبقة المتوسطة والقريبة من الفقراء، وهذا حوَّل الانقلاب إلى ثورة خاصة بعد التفاف الشعب والجماهير حولها بعد أن أيقنت الجماهير بأن الذى يحدث هو فى ‏صالحها وليس فى صالح النخبة والأقلية الفاسدة، خاصة بعد صدور قانون الإصلاح الزراعى فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ وما استتبعه من قرارات لصالح الفقراء من العمال والفلاحين. فالثورة كانت ‏حتمية تاريخية لتحرير المصرى من الظلم والاستعمار. كما أن الثورة كانت فى صالح الأغلبية الغالبة من المصريين، حيث فتحت الطريق لكى يكون المصرى مالكًا حقيقيًا لهذا الوطن الذى قدم ‏العلاج والتعليم والجامعات والوظائف والثقافة وحطم الفوارق بين الطبقات، فلا عبد ولا سيد، حيث الترقى الاجتماعى بالتعليم والعمل وليس بالانتساب الطبقى أو الاستبداد الاجتماعى. كانت المصانع ‏والمستشفيات والمدارس والجامعات والساحات الشعبية والنهضة الثقافية. قادت الثورة حركة التحرر ليس فى مصر فقط ولكن فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، الشىء الذى أوغر صدر المستعمر ‏الذى أدرك أن الثورة لن تتنازل أو تتخاذل. فلذا من الطبيعى أن نجد وحتى الآن من يتقول على الثورة التى توقفت بالفعل بعد وفاة ناصر وبعد سياسة الانفتاح ١٩٧٤. ولكن ما زال السؤال: ولماذا يثار ‏هذا حتى الآن بعد هذه السنوات، وبعد غياب الواقع الثورى على أرض الواقع بعد وفاة عبدالناصر؟ هذه هى عظمة ثورة يوليو. فإذا كان الحدث ذهب فلا يزال الأثر باقيا وخالدا بمواقفه ومبادئه ‏وانحيازه للفقراء وقناعته بالعدالة الاجتماعية وإيمانه بالتحرر والاستقلال الوطنى عن أى نوع من أنواع الاستعمار المتغيرة والمتلونة. هنا لا بد أن نجد من لا يزال يخاف ليس من الثورة ولكن من ‏المبادئ التى أرستها الثورة والتى حوّلتها لواقع معاش لا يزال نهجًا ونبراسًا لكل الشعوب الساعية للعدل والاستقلال. فهل النخبة وأحفادها المضارون سيكونون مع الثورة؟ هل الاستعمار وذيوله فى ‏الداخل سيمجدون الثورة؟ هل المتأمركون والمتأقبطون من أقباط المهجر الذين يلعبون دور ذيول أمريكا سيؤمنون بالثورة؟! ثورة يوليو كانت وستظل هاجسا يخيف من هم ضد الشعب وضد الاستقلال ‏والعدل الاجتماعى وضد من يريدون تقسيم الوطن طائفيًا. ولكن ستظل الثورة هادية للمصرى الأصيل الذى يريد العدل والحرية والاستقلال وتقدم الوطن. حمى الله مصر وشعبها المخلص المنتمى ‏لأرضها.‏