رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فولتير ينتصر على برهامى


النصر لا يتحقق بالعمل ولا بالاجتهاد عند المتواكلين الكسالى المغيبين.. النصر يتحقق لديهم بفضل مرضاة الله ورضاه.. ولا يفوز به إلا عباده الركع السجود، وعندما اجتهدت فرنسا- التى لم تتضرع ولم تتهجد- كان الله فى عونها وعون هؤلاء المجتهدين.. لم ينصر الله المجاهدين فى سبيله بقتل الأنفس فى نيس وباريس وكل ربوع المعمورة.. الإرهابيون يموتون ويلعنون كل يوم.. والغرب الكافر يحتفل ويرفع الكئوس الذهبية ويعلو صوته بنشيد بلاده الذى وصل من أرض روسيا لعنان السماء.
كيف يسمح الله بأن تصل أصوات هؤلاء الكفار إلى عنانه؟ لماذا لم يخسف بهم الأرض ويردهم قردة خاسئين؟ لماذا لم يرسل عليهم طيرًا أبابيل؟!.
لماذا لم تنشق الأرض وتبلعهم فى ملعب روسيا، بلد الشيوعية فى الماضى والكاتدرائيات التى تملأ أراضيها حتى اليوم؟ إنهم يرسمون الوشم على أياديهم وأجسادهم ويشربون الخمر ويحملون الكئوس البلاستيكية الفارغة من أى خمر.. نعم تلك التى رفض حملها الشناوى، حارس مرمى منتخب مصر، الذى اخترقت شباكه مرات ومرات كرات وهزائم، لماذا لم ينصر الله عبده المطيع وشيك الطاعة الشناوى الذى يعانى من وساوس العلب البلاستيكية الفارغة من أى خمور، ففيها شىء من وساوس وهلاوس المحرمات التى يتقى شبهتها، لأنه يتقى الشبهات، وبالتالى حقًا على الله نصره، لأنه ينصر للرب دينه، ورغم ذلك نصر الله الفرنسى الكافر شارب الخمر ولم ينتصر الشناوى؟!
هل يكره الله المجتهد الذى يشرب الخمر ويحمله؟ أم أنه لا يحب المتواكل المتكاسل الذى لا يتقن عمله ويتشبث بالشكليات ويزايد على غيره؟ وهل يحب الله أهل الجد حتى فى اللعب أم يحب الله أهل التبرك والطقوس والمتضرعين له فقط بالدعاء؟ لماذا يفوز منتخب الكفار ويخسر منتخب الساجدين؟ هل السجود هو طريق النصر والرفعة والفوز والسؤدد؟ أم أن الاجتهاد والأخذ بالأسباب هو سر التفوق؟ لماذا يتقدم الغرب الكافر ويتخلف الشرق المؤمن؟ لماذا يعيش غالبية الكفار حياة صحية يلجأون فيها دوما للعلم والمنطق والطب، فى حين يتكل المؤمنون فى الوصول لمبتغاهم على الدعاء والاسترشاد بقصص السالفين الأولين وطرقهم- التى عفا عليها الدهر- فى حل مشاكل مرحلتهم الزمنية الحالية والاستماع لرؤية وتأويلات دعاة اليوم بوصفها حقائق لا يجوز نقدها أو مجادلتهم فيها كى لا يقعوا فى المحظور ويأثموا بأكل لحومهم المسمومة؟!.
لذلك يكتفون بتلاوة الأدعية على المريض ليشفى وكأنهم فى انتظار مسيح أو معجزة أو حتى دجال أو مشعوذ ليحل لهم مشاكلهم العويصة التى عادة ما يكون حلها فى حبة دواء أو متخصص يلجأون إليه بدلا من الداعية أو المشعوذ.. المريض نعالجه بالحجامة وبول الإبل ويد الشيخ المباركة أو الماء المصلى عليه أو الزيت المقدس!! الذى يعانى من الصرع نصرعه بالزار، والذى يعانى من التوتر نصرخ فى وجهه ونقول له إن ما فيه هو ابتلاء من الله له وتخليص لذنوبه وغضب من الله عليه! ومن يعانى من الضيق ندعوه للصلاة فقط ليستريح.. ومن يعانى من الحاجة ندعوه للصيام فهو له وجاء.. ومن يتطلع للفوز أو النجاح ندعوه لأن يتهجد ويتضرع لخالقه ليأتى الفوز إليه مهرولًا، ويقيننا العجيب أننا نحن الأعلون وأنه حقًا على الله نصرة من ينصر دينه الإسلامى فقط، وأننا نحن أهل الجنة وأصحاب الحق وغيرنا باطل وضال، وأننا أبناء الله والدين الأوحد الصحيح، وأن الله ينصر دائما عباده المسلمين فقط، وأن الله يحب المسلمين فقط، ولا يرزق أو ينظر لغيرهم ممن ضلوا عن سبيله فغضب عليهم ولعنهم حتى يوم الدين.. لكنه منحهم اليوم الفوز!! وكلل مساعيهم بالنجاح!! وهذا هو سر فشلنا الدائم.
هذا اليقين العجيب غير المبرر والخالى تماما من أى أسانيد أو حيثيات هو عين الفشل والتخلف والردة والتقهقر، والثقة التامة التى لا تتزعزع فى أن كل شىء نفعله هو مقدر ومكتوب علينا، وأننا فقط مسيرون هو عين الجهل والحمق الأكيد.. التواكل على مثل تلك الأشياء بوصفها حقائق ومسلمات لا تقبل الشك أو حتى مجرد طرحها للنقاش هو بداية كل فشل يستحيل أن يتحول فى يوم ما لنجاح، النجاح لن يكون حليفًا لنا طالما أن الجهل هو حليفنا الحميم وصديقنا الصدوق أو توأمنا الملتصق الذى لا نفارقه ولا يفارقنا، الجاهل لن ينجح ولا يرضى عنه إله أو بشر، الجاهل يجذب إليه المزيد من الجهلة حتمًا.
وهؤلاء جميعا يخلقون تربة ومناخا صالحا ينبت فيه الفشل ويترعرع وينمو ويتوغل وينتشر ويستمر ويعدى ويعطب ويفسد كل ما حوله، الليبرالية بمفهومها الاجتماعى والإنسانى والتى ينصهر فى بوتقتها الجميع دون تمييز.. والفضل فيها يكون للمجتهد الذى له دومًا نصيب وافر من الفوز حتمًا مهما كان اسمه أو لونه أو عرقه أو دينه، مقياس التفاضل الأوحد فى فرنسا العلمانية وجميع الدول المتقدمة التى تنتهج النهج العلمانى هو الاجتهاد والجدية والالتزام بالقوانين وإعلاء شأن الوطن ورفعة أبنائه دون تفرقة أو تمييز، مبادئ فولتير الإنسانية الرحبة التى زرعها فى أرضه وأسقاها لأهله.. خلصتهم وخلصت بلادهم من أى شرور أو عنصرية.. ليبراليتهم الإنسانية جعلتهم يحتضنون الغريب ويغيثون الملهوف ويدافعون عن حق المظلوم.. حتى الظالم أو المعتدى يدافعون عنه ويلتمسون له الأعذار ويحاولون فهم دوافعه ومعالجتها ليصح ويحترمون ثقافة المختلف ولا يعتبرون الاختلاف خلافا.
فى حين يقصى ويكفر الأصولى والسلفى المختلف معه فى الرأى أو منهاج التفكير وتكال لذلك المختلف ترسانة من الاتهامات التى توصله عادة للحبس أو السجن بوصفه عدو الله والدين.. وقد يحل دمه فيقتل نصرة لله ودينه، وكأن الله فى حاجة لأن ينصره أحد أو ينتصر له أحد وهو من خلقنا جميعا فى أحسن تقويم لننصر بعضنا البعض ولننتصر لبعضنا البعض دون اعتداء أو جور، ولكن البعض أحب أن ينسلخ عن إنسانيته ويخرج من رحابتها لمناطق أكثر ضيقًا ووعورة يظنها هى الأفضل ويحكم فيها ومن خلالها على غيره، ويتحول ذلك الخصم الجهول إلى حكم غير عادل لا يعرف معنى الإنصاف، وفى النهاية تكون الغلبة للأرقى ويكون الفوز لمن أحب أخاه وقبله وحققا معًا أعلى لقب يفوز به أحد فى هذا العالم.. لم تنتصر فرنسا وحدها فى كأس العالم، لقد انتصرت معها قيم الحق والخير والجمال.. قيم العمل والجد والاجتهاد.. لقد انتصر فولتير وبوشكين وتشيكوف فى كأس العالم، فى حين فشل برهامى وحسان ووجدى غنيم وغيرهم ممن سمموا عقول وأفئدة الشباب وجعلهم يعتقدون أن الموت ودخول الجنة هو المراد وجل الأمانى، وأن الدنيا فانية غرورة لا نفع فيها ولا تستحق منا أن نعيشها ونفوز بها أو نفوز فيها، المجد والفوز دومًا وللأبد سيكون لفولتير وأتباعه.. هؤلاء هم حقًا السلف الصالح والخزى والهزائم ستكون من نصيب من يكفرهم عن جهل يقينى لا تقوى على زعزعته مجلدات أرسطو كاملةً وكل ما ساقه من نظريات تخضع للتجربة وتحكمها قواعد المنطق.. فالجهلة يعتبرون المنطق عدوا، والتفكير شيئا ضارا، والعقل يوصل للضلال، والقلب يحيد ولا ينفع صاحبه.. الشىء الوحيد الذى يعرفونه ويقبلونه هو الاتباع.. فإن تتبعهم وتكن تابعا لهم فهذا فقط ما يرضيهم.. عدا ذلك هو والعدم سواء ونحن أتباع الحق والمنطق والعقل والخير والجمال، نحن ورثة فولتير فى الإنسانية.. فقد أورثنا فولتير نبلًا يكفينا حتى قيام الساعة.