رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تأكيد أو تكرار.. قطر دعمت الإرهاب.. بمليار دولار


بعد «فاينانشيال تايمز»، «نيويورك تايمز»، في يونيو ٢٠١٧، و«واشنطن بوست»، في أبريل ٢٠١٨، فاجأتنا هيئة الإذاعة البريطانية، «BBC»، الثلاثاء الماضي، بتحقيق مُوثّق، كشف فيه مراسلها في الدوحة، «بول وود»، مزيدًا من تفاصيل ما وصفها بأنها «أكبر فدية في التاريخ لجماعات إرهابية»، وأكّد أن العائلة الضالة، التي تحكم قطر بالوكالة، دعمت تنظيمات إرهابية بقرابة الـ«مليار دولار»، تحديدًا ١.١٥ مليار، شحنتها إلى العراق، في أبريل ٢٠١٧، على إحدى طائرات الخطوط الجوية القطرية!.

اتهام «فاينانشيال تايمز»، و«نيويورك تايمز»، كان مرسلًا، ثم ظهرت مراسلات نصية، مكالمات تليفونية، ورسائل بريد صوتي، قالت «واشنطن بوست» إنها وصلتها عبر حكومة إحدى الدول، اشترطت على الجريدة عدم الكشف عنها. ووصلت نسخة منها إلى «BBC» التي زعمت أنها حصلت عليها من «حكومة مناوئة لقطر». ولا يعنينا المصدر، بقدر ما يعنينا أن هذه الوثائق كشفت بوضوح أن الإمارة كلها شاركت في الجريمة، بجهاز مخابراتها ووزارة خارجيتها وجمعياتها التي تحمل صفة خيرية، والخطوط الجوية القطرية، كناقل لمبلغ الفدية، بالإضافة إلى أميرها (حاكمها بالوكالة) السابق، حمد بن خليفة، ونجله، الأمير (الوكيل) الحالي، وابن عمه بن جاسم، رئيس الوزراء، وزير الخارجية السابق، المشارك في الحكم بالوكالة سابقًا وحاليًا، الذي سبق أن اعترف بأن إمارته دعمت جماعات إرهابية في سوريا، عبر تركيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى.

يمكنك أن تضيف إلى ذلك «التشكيل العصابي»، الفتى محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي يلعب في فيلم الكارتون، دور وزير الخارجية، والذي سبق أن اعترف، هو الآخر، بدعم بلاده للإرهاب، وكشف عن تورط نظامها الحاكم في دعم تنظيم إرهابي في إفريقيا، وبرر ذلك بزعمه أن هذا الدعم وقع عن طريق الخطأ. وبتبريرات أكثر سذاجة، يحاول هو وأسياده الخروج من مأزق المليار دولار، الثابت تورطهم فيه، سطرًا بسطر، في الرسائل النصية والصوتية التي جرى تبادلها بين وزير الخارجية القطري وسفيره في بغداد، زايد بن سعيد الخيارين، الذي كان في الخمسينات من عمره عندما وقعت عملية الخطف، وكان أول سفير لقطر في العراق، منذ ٢٧ عامًا، وقبلها كان يحمل رتبة عقيد في المخابرات القطرية. كما كشفت الرسائل النصية المتبادلة أن ضابط المخابرات القطري، جاسم بن فهد آل ثاني، أحد أفراد الأسرة الحاكمة، كان شريكًا، على الأرض، في العملية أو الجريمة.

ما نشرته «BBC»، في ١٧ يوليو الجاري، أكد وكرّر ما نشرته جريدة «واشنطن بوست»، في ٢٩ أبريل الماضي، الذي كشفت فيه، هي الأخرى، بالوثائق، أن قطر دفعت بالفعل المليار دولار مقابل تحرير تسعة من أعضاء الأسرة القطرية الحاكمة، إلى جانب ١٦ آخرين من المواطنين القطريين الذين كانوا قد تم اختطافهم خلال رحلة صيد في جنوب العراق سنة ٢٠١٥. وكشفت الوثائق (مراسلات نصية، مكالمات تليفونية، ورسائل بريد صوتي) عن أن هذا المبلغ الضخم تم توزيعه على «الحرس الثوري الإيراني»، و«كتائب حزب الله- العراق» و«حزب الله اللبناني»، إلى جانب جماعتين سوريتين على الأقل، بينهما «جبهة النصرة» ذات الروابط الوثيقة بتنظيم «القاعدة»، وغيرها من الميليشيات والشخصيات المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية.

 

لم تكن تلك الفدية، المليار دولار، هي وجه الدعم الوحيد الذي قدمته الإمارة المارقة إلى الإرهابيين، بل كان جزءًا من صفقة أكبر بين الحكومات القطرية، الإيرانية والتركية، سبقتها ولحقت بها، أوجه دعم أخرى كثيرة، أقلها تمويل جماعات إرهابية بمبالغ خيالية، وقيامها مع تركيا بدور الوساطة وإجرائهما اتصالات بين قيادات التنظيمات الإرهابية في ليبيا وتونس والجزائر بشأن ترتيبات عودة مقاتلي داعش والقاعدة إلى بعض مواقعهم السابقة، خصوصًا في سرت، في مسعى من الدولتين، تركيا وقطر، لتحويل ليبيا إلى قاعدة رئيسية للإرهاب الدولي وبناء تحالفات عسكرية بين الميليشيات والجماعات الإسلامية المتطرفة ومنها داعش والقاعدة.

فور الكشف عن الفضيحة في «فاينانشيال تايمز»، و«نيويورك تايمز»، أي في يونيو قبل الماضي، وبعد أن عرض السكرتير العام للأمم المتحدة تقريره الخامس حول استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، أبدت مصر عددًا من الملاحظات، وأشارت في الملاحظة الخامسة إلى الأنباء المتواترة بشأن قيام إمارة قطر بسداد مليار دولار لتنظيم إرهابي يعمل في العراق. وذكرت أنها تتطلع إلى معرفة تقييم السكرتير العام لتداعيات حصول تنظيم داعش (أو تنظيم مرتبط به) على مبلغ بهذه الضخامة. وبعد أن استعرض مندوبنا الدائم لدى المنظمة الدولية قرارات مجلس الأمن، التي تلزم الدول الأعضاء بمنع الإرهابيين من الاستفادة من الأموال التي يتحصّلون عليها من الفدية، دعا مجلس الأمن إلى التصديق على إجراء تحقيق في هذه الواقعة، مضيفًا أن مصر تتطلع إلى تضمين نتائج هذا التحقيق في التقرير السادس للسكرتير العام.

وقتها، كانت مصر عضوًا غير دائم في مجلس الأمن. وبالغت الإمارة، في تبجحها، وتقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تتهم فيها مصر بـ«استغلال عضويتها داخل المجلس لتحقيق أغراض سياسية خاصة»، زاعمة أن تلك الأغراض «لا تمت بصلة لعمل مجلس الأمن ولجانه، حيث تقوم القاهرة بتوجيه اتهامات ومزاعم لا أساس لها من الصحة ضد دولة قطر». وأضافت أن تلك الاتهامات تأتي في إطار ما وصفتها شكوى الدوحة بـ«الحملة المغرضة التي تستهدف دولة قطر والتي تُعد مصر جزءًا منها».

مصر كانت سباقة في إدراكها لأهمية التصدي لخطاب الإرهاب، ولها مساهمتها الجوهرية في التصدي لهذا الخطاب على المستوى الدولي. وهي التي شددت مرارًا وتكرارًا، على أن المواجهة الشاملة اللازمة للإرهاب تستلزم التعامل مع كل المنظمات الإرهابية دون استثناء، والتصدي لمن يقدم لها يد المساعدة سواء بالتمويل، أو التسليح، أو بتقديم الدعم السياسي والأيديولوجي والإعلامي. ونشير هنا، بالمرة، إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته التاريخية أمام «القمة العربية الإسلامية الأمريكية»، قال بمنتهى الصراحة والوضوح إن «الإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح وإنما أيضًا من يدربه ويموله ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي».

 

لم تطالب مصر، فقط، بإجراء تحقيق في المليار دولار التي منحتها قطر لإرهابيين بزعم أنها فدية. إذ سبقت هذه الخطوة خطوات كثيرة. أبرزها، نجاح البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة في استصدار قرار، من مجلس الأمن بإجماع آراء الدول الأعضاء، يرحب بالإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي ووضعه موضع التنفيذ، وهو الإطار الذي سبق أن نجحت مصر في اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، طبقًا للقرار رقم ٢٣٥٤. وباعتماد مجلس الأمن للقرار المصري، ومن قبله إصدار الإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي، تكون مصر قد فعلت ما عليها لوضع مكافحة خطاب وأيديولوجيات الإرهاب على أجندة مجلس الأمن، وبالتالي ضمن أولويات المجتمع الدولي في إطار مكافحة الإرهاب.

كنا نتوقع تحركًا دوليًا يليق بجهود مصر في مكافحة خطاب وأيديولوجيات الإرهاب، لكننا لم نر إلى الآن أي تحرك عملي أو على الأرض. ولم نر أي تطبيق عملي للقرار، الذي شدد على أن تمويل العمليات الإرهابية والتخطيط لها والتحريض عليها ودعم المنظمات الإرهابية، يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. وبالتالي، طالب القرار جميع الدول وجميع أجهزة الأمم المتحدة المعنية بأن تحترم ميثاق الأمم المتحدة عند تنفيذها للإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي، والعمل على زيادة فاعلية تدابير وبرامج الخطاب المضاد للخطاب الإرهابي. كما طالب القرار لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، بمجموعة من التدابير، واقتراح ما يعزز التعاون الدولي في هذا الصدد.

أسمعك تقول إن العبرة ليست باعتماد وثيقة جديدة تُضاف إلى وثائق وقرارات مجلس الأمن، وإنما بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وتوافر الإرادة السياسية للامتثال الكامل لجميع القرارات التي يصدرها مجلس الأمن، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. لكنك لو واصلت القراءة ستكتشف أن مصر (عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة) سبقتك إلى قول ذلك، وأعلنت بوضوح أنه ليس من المعقول أو المتصور أن تنعكس إرادة المجتمع الدولي في القرارات الصادرة من مجلس الأمن تحديدًا، في الوقت الذي تستمر فيه شرذمة وقلة من الدول في انتهاك تلك القرارات بشكل واضح وصريح بدعمها للإرهاب.

مع ذلك، جاء قرار المراجعة الدورية السادسة لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ليؤكد أن المصالح السياسية والاقتصادية، لأطراف ما، تحكم أداء الأمم المتحدة، وتحول دون محاسبة منتهكي قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن على انتهاكاته لقرارات المجلس. بما يعني غياب الإرادة السياسية لدى غالبية الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، وعدم قدرة مجلس الأمن على جعل قراراته فعالة، وعجزه عن وقف انتهاكها أو خرقها. وما من شك في أن الصمت على الدول الداعمة للإرهاب، وتجاهل جرائمها الثابتة، كجريمة قطر مثلًا، يضرب مصداقية الأمم المتحدة ومجالسها وهيئاتها في مقتل، لو افترضنا أن تلك المصداقية ما زال لها وجود.

ما كشفه بول وود، في «BBC»، إذن، ليس جديدًا، لكنه أثبت، من جديد، أن الفتى «تميم»، وأباه وأمه، مجرد دُمى (جمع دُمية) أو «أراجوزات» تلعب دور السمسار المنحط أو الوسيط السياسي القذر. وأن ثلاثتهم، ورابعهم بغلهم، حمد بن جاسم، وخامسهم دميتهم، وزير خارجيتهم، قاموا (ويقومون) بتبديد ثروات الشعب القطري في دعم وتمويل الإرهابيين وتسويقهم إعلاميًا.