رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحروب النفسية.. من النميمة إلى شائعات العمليات العسكرية


للشائعات مستويات عدة، تبدأ بنميمة صغيرة، عن فنان أو سياسى، وتنتهى بالحروب النفسية، التى تصل فى درجات منها إلى التأثير على الشعوب، والعمل على إصابتها بالإحباط أو النقمة على السلطة الحاكمة.
هذا النوع الأخير يخضع لدراسات علم النفس العسكرى، إذ إنه يستخدم فى حالات الحرب، أو حتى فى الحروب الباردة، على نحو ما حدث بين الغرب والاتحاد السوفيتى السابق.
وتطور مصطلح الحروب النفسية، الذى كان رائجًا أثناء الحرب العالمية الثانية، ويقال إن المخابرات البريطانية أول من أنشأت وحدة للحرب النفسية، يعمل بها علماء وأطباء نفسيون متخصصون فى إطلاق الشائعات التى تصدر الإحباط والخوف لدى الأعداء.
منذ الثمانينيات وحتى الآن، تغير مصطلح الحروب النفسية ليأخذ أسماء عدة بدأت بـ«حرب المعلومات» ثم «العمليات المعلوماتية» وبعدها «دعم المعلومات»، وصولًا إلى المصطلح الأخير «إدارة الإدراك».
وأبسط تعريف للحروب النفسية هو التطبيقات العسكرية لعلم النفس، وتعمل على التأثير على الروح المعنوية للجماعات المعادية فى زمن الحرب، حيث المواجهات العسكرية المباشرة، وفيها تُبث الشائعات بكثافة، وكان أول من طبقها أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.
أما العمليات النفسية، فهى عمليات مخططة وممنهجة، من خلالها يتم اختيار معلومات محددة ومعينة، لتوصيلها إلى الأعداء والحكومات الخارجية المضادة، والهدف منها التأثير نفسيًا ومعنويًا على عواطف ودوافع الشعوب، وبالتالى على صُناع القرار، ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية، تجرى دراسات كاملة حول طباع وعادات الشعوب وسلوكياتها، وقد طبقت أثناء الحرب الباردة واستخدمت بقوة أثناء الغزو الأمريكى للعراق وأفغانستان، بدافع فرض الديمقراطية والتخلص من الإرهاب، وهى أفكار نبيلة تلعب على المشاعر، وتحصل على تأييد دولى، بينما الأهداف الحقيقية تكون خبيثة.
بينما بدأت حرب المعلومات فى نهاية التسعينيات، مع تطور تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحواسب الآلية فى تخزين معلومات عسكرية، واستخدام البنوك لشبكات إلكترونية. ومن خلال التكنولوجيا تم اختراق وتدمير مواقع إلكترونية تابعة للبنوك وللبنتاجون وجهات حكومية فى كثير من الدول، ووضع بدلًا منها معلومات مغلوطة، ومن أسلحة هذه الحروب «الفيروسات» التى تصيب آلافًا من أجهزة الكمبيوتر، وأيضًا الهاكرز.
نأتى إلى «العمليات المعلوماتية» وتقوم أيضًا على خطة ممنهجة، ومن خلالها يتم استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى لنشر معلومات كاذبة ومضللة أثناء الأزمات التى تتعرض لها البلاد، خاصة خلال الأزمات الاقتصادية والثورات والحروب، والهدف منها زيادة الفوضى والإحباط، وبث الرعب، وهو ما حدث بشكل واضح أثناء ثورات الربيع العربى.
أما أحدث أشكال هذه الحروب، فهو ما يعرف بـ«إدارة الوعى والإدراك»، وفيها يتم استخدام أحدث وسائل غسيل المخ، واللعب على العقل الجمعى، وإثارة الرأى العام، باستخدام الدعاية والإعلام والمشاهير والأفلام والمسلسلات والصحف والمواقع الإلكترونية، لتوجيه الرأى العام نحو معلومة محددة وهدف معين، وليس خفيًا سيطرة المخابرات الأمريكية وعلاقتها الوثيقة بصُناع الإعلام والسينما فى هوليوود.
باختصار فإن كل الحروب النفسية تعتمد على الشائعات وكيفية توظيفها، وقد نشرت ورقة بحثية أمريكية، عن دور وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر الشائعات وابتزاز الأشخاص وممارسة البلطجة، وخضع للدراسة البحثية، التى اعتمدت على علم النفس، عدد كبير من طلبة المدارس المراهقين، وأكد٦٠٪ ممن أجريت عليهم الدراسة، أنهم استخدموا الفيسبوك فى نشر شائعات وأكاذيب عن زملائهم، ووقعوا فى فخ نشر شائعات ومعلومات طبية وعسكرية وسياسية خاطئة.
ووجدت الدراسة أن أكثر الشائعات انتشارًا، تلك التى تتعلق بموت المشاهير وإفلاس الشركات وانتشار الأمراض وارتفاع الضرائب، والفضائح الجنسية المفبركة، ويزداد الأمر فى أوقات الفوضى والأزمات.
وأشارت إلى أن مروجى الشائعات يلجأون إلى نشر معلومات صحيحة ضمن الشائعة، نسبتها ١٠٪، لإضفاء المصداقية على باقى الأكاذيب، كما أنها تصبح أكثر رواجًا إذا كان وراء النشر مؤسسات استخباراتية أو مؤسسات اقتصادية هدفها ضرب الاقتصاد أو إحداث فوضى.
وتساءلت الدراسة: لماذا يشارك جمهور التواصل الاجتماعى فى نشر الشائعة دون تفكير أو تدقيق؟؛ وأجاب ٦٠ فى المئة بأنهم وجدوا المعلومة منشورة فى موقع إلكترونى كبير، أو نشرها شخص شهير أو موثوق فيه، بينما قال٤٠٪ منهم إنهم أعادوا نشر الشائعة لمجرد رواجها، ومن دون تدقيق.
وإذا نظرنا إلى الداخل، فللأسف تنتشر الشائعات فى مصر على هذا النحو، بهدف الإساءة لمؤسسات الدولة، أو نشر الإحباط، فى محاولة فاشلة لإسقاط الدولة، لذا نجد يوميًا شائعات عن الاقتصاد والدواء وصحة المواطنين، وعن علاقات مصر بالدول الخارجية، ويسهم فى نشرها وخلقها مجموعة أشخاص ومنظمات محترفة ومدربة على اللعب بالدوافع النفسية للجماهير، وجعلهم فى حالة خوف وشعور بالهزيمة، ويستخدم فى ذلك وسائل التواصل الاجتماعى التى وصل عدد مستخدميها لحوالى ٢٠ مليونًا أغلبهم ينشرون دون تدقيق.
ومن ثم نحتاج إلى توعية وتدقيق فى المعلومة ومصدرها، للقضاء على الشائعات التى أصبحت تهدد الأمن القومى، خصوصًا فى الأمور المتعلقة بالصحة، خاصة أنه فى الفترة الأخيرة زادت شائعات متعلقة بالغذاء والدواء وعلاج الأمراض عبر عمليات ممنهجة، للتشكيك فى سلامة المنتجات، بهدف تضخيم الأزمات.