رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق حجي: معظم أئمة المساجد ربع متعلمين وعديمو الثقافة

جريدة الدستور

- الكاتب والمفكر السياسى قال إن الدولة تقف مكتوفة الأيدى فى ملف تجديد الخطاب الدينى
- مصر أوقفت علاقة التبعية للولايات المتحدة.. قطر تنفذ أجندة صهيوأمريكية.. وخطتهما ستفشل فى سوريا
- الأزهر والوزارات لا تؤدى دورها فى تجديد الخطاب الدينى.. وما حدث لفرج فودة وإسلام بحيرى أخاف المثقفين


أشاد الدكتور طارق حجى، الكاتب والمفكر السياسى، بنجاح الدولة المصرية فى إفشال كل المخططات التى استهدفت النيل من البلاد، خلال السنوات الماضية، وتحقيقها الأمن والاستقرار وسط منطقة موبوءة بالحروب والانقسامات.

وقال «حجى»، فى حواره مع «الدستور»، إن الدولة تقف حتى الآن مكتوفة الأيدى فى ملف تجديد الخطاب الدينى ومحاربة الإرهاب فكريًا، مرجعًا ذلك إلى سيطرة التيارات الأصولية على ما سمّاه «مراكز القوى».

ورأى أن مواقف قطر تجاه مصر مبنية على أوامر أمريكية، بداية من وقوفها مع جماعة الإخوان أثناء حكمها مصر، مرورًا بكل مواقفها المعارضة والمناوءة للدولة بعد ٣ يوليو ٢٠١٣.
■ بداية.. كيف ترى الوضع فى مصر مع الفترة الثانية للرئيس والحكومة الجديدة؟
- هناك إيجابيات وسلبيات، فأمن الوطن والمواطن المتحقق بدرجة عالية فى منطقة موبوءة بعدم الاستقرار والحروب الأهلية إنجاز كبير، والمشروعات الكبيرة الكثيرة فى مجال تحديث البنية الأساسية أيضًا إنجاز، ولا يمكن إنكار حدوث تقدم كبير فى محاربة الفساد، وإن كان الشعب يتطلع للمزيد.
ورغم اقتناعى بأن السياسات الاقتصادية والمالية نظريًا صحيحة، وكان ينبغى اتخاذها منذ أربعة عقود، فإننى أعتقد أنها لم تُقدم بأفضل شكل، وكان من الضرورى تدرَّجها، وأن تواكبها خطة تقشف حكومية.
ويكفى أن أذكر عدد المستشارين فى كل الوزارات الذين يكلفون الدولة عشرات المليارات، فى الوقت الذى يمكن الاستغناء عنهم جميعًا.
■ هل تعتقد أن مصر نجحت فى القضاء على فكرة تيار الإسلام السياسى وتحديدًا الإخوان بعد انكشاف وجهها الحقيقى؟
- لا، هذا لم يحدث؛ لأن الدولة المصرية وإن كانت قد استعملت الأدوات الأمنية التى نجحت فى تقليل الإرهاب والعنف وتحجيمه بشكل كبير، وآخرها العملية الشاملة فى سيناء، إلا أن ما قامت به فى مجال محاربة فكر الإسلام السياسى الوهابى الإخوانى كان ولا يزال قليلًا جدًا، فرغم الإعلان أكثر من مرة عن رغبة الدولة الحقيقية فى تجديد الخطاب الدينى، فإن النتائج التى حدثت فى هذا الملف خاصة فيما يتعلق بالفكر قليلة جدًا.
المشكلة أن الفكرة تتجدد مع اختلاف القائمين عليها لنفس الهدف وبنفس الطريقة، فنحن نجد أن كل التيارات التكفيرية الإرهابية سواء «الإخوان» أو «داعش» أو «القاعدة» أو «بوكو حرام» كلها تسعى لهدم الدول من أجل فكرة الخلافة الإسلامية، وتنتهج نفس المنهج القائم على الاغتيالات والتفجيرات والقتل والعنف.
■ ما دام الوضع كذلك.. إذن ما أهم معوقات تجديد الخطاب الدينى فى مصر؟
- الدولة لم تبذل فى هذا الملف ١٠٪ مما تبذله مثلًا فى تطوير البنية التحتية، ونفس الأمر بالنسبة لوزارات الأوقاف والثقافة والتعليم والمؤسسات الأزهرية، التى يجب أن تعمل على أن يتماشى الخطاب الدينى مع العصر والعلم والعقل وقيم الحداثة.
وأود أن أشير إلى أن معظم أئمة المساجد الذين يلقون سنويًا ٥ ملايين خطبة جمعة بمساجد مصر الـ١٠٠ ألف هم بالمعايير العلمية المعاصرة ما بين «ربع متعلم» و«عديم الثقافة» مع تأثير عارم لبيئة معظمهم الريفية البسيطة على أعداد كبيرة معهم.
لذلك، لا يوجد منطق يبرر أن يجلس ملايين المصريين كل يوم جمعة أمام شيوخ ليس لديهم فيما يقدمونه ويروجون له إلاّ الضرر الجسيم بالمستمعين وبعقولهم وبالعقل الجمعى لشعبنا. لذلك فلا بديل عن قيامهم بإلقاء خطبة أعدتها جهة أرقى وأكثر علمًا من هؤلاء البسطاء بكل ما تعنيه كلمة البساطة: معرفيًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا ونشأة.
■ ماذا عن دور الثقافة تحديدًا؟
- الثقافة عليها الدور الأهم فى هدم الفكر المتطرف، وهو أقوى سلاح لمواجهته، وإذا نجحت الثقافة والفن فى القيام بالدور المنوط بها سوف تنتهى مشكلة الإرهاب، لو توسعنا فى تقديم الفن والمسرح والموسيقى فى كل مراحل التعليم منذ الحضانة للدراسة الجامعية فسوف نقضى على ٩٩٪ من الاستعداد لما سميته بـ«الخلل الدينى»، فالإرهابى ليس مختلًا عقليًا، لكنه «مختل دينيًا». والاختلال الدينى لا يتواجد مع حب الفنون والمسرح والموسيقى. وليس من قبيل المصادفة أن يكون هناك إجماع بين كل التيارات السلفية على «تحريم الموسيقى».
■ ماذا عن تجديد التراث باعتباره أحد أهم آليات تجديد الخطاب الدينى؟
- كل من يظن أن المشكلة فى تفكير أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة وليست فى نصوص كتب التراث الإسلامى التى صاغت وشكلت العقل المسلم طيلة ١٤٠٠ سنة، أصنفه فى خانة محدودى ومشوشى المعرفة.
وأنا على يقين أن تنظيم «داعش» الإرهابى هو الممثل الأمثل لفصول غير قليلة من كُتاب «التاريخ الإسلامى»، وأن معظم ما قام به «الداعشيون» سبق وأن اقترفه كثيرون خلال الأربعة عشر قرنًا الماضية، والقدماء والمعاصرون كان لهم دائمًا سند من نصوص التراث يبرر ويسوِّغ أعمالهم فى مجالات القتال والغزو، وما يعقبه من آثار، مثل استرقاق البشر والاستيلاء على أموال وممتلكات ونساء الخصوم.
■ إذن.. لماذا تقف النخبة عاجزة عن إحداث تغيير حقيقى فى وجه الراديكالية الدينية؟
- المناخ العام وموقف الدولة والأزهر وجريمة ازدراء الأديان وبقايا نظام الحَسبة والقضايا التى رُفعت ولا تزال تُرفع على المثقفين بسبب انتقادهم لبعض الأفكار والنصوص والمرجعيات المتصادمة مع العقل والتفكير العلمى، كلها أسباب تجعل المثقفين يترددون فى الدخول فى مواجهة فكرية واسعة مع القوى المحافظة والرجعية.
ويكفى أن نتذكر ما حدث لفرج فودة، وما حدث مؤخرًا لإسلام بحيرى، وغيرهما من الأمور الكفيلة بجعل المثقفين -وأنا لا ألومهم- يترددون فى كتابة وقول كل ما عندهم لنصرة التنوير وهزيمة قوى الظلام.
■ كيف ترى استمرار حزب النور فى العمل السياسى؟
- أنا منزعج من هذا الوجود الذى يجعل كثيرين يعتقدون أن الدولة لا تؤمن بفصل الدين عن الدولة، واستمرار وجود الأحزاب السلفية يؤكد أننا «شبه دولة مدنية»، وعلى المستوى الشخصى فهذا يتصادم مع كثير مما أؤمن به وأروج له فى كتاباتى وأحاديثى.
■ ننتقل إلى الشأن الخارجى.. ما تقييمك لملف العلاقات المصرية الخارجية؟
- الإيجابيات كثيرة والسلبيات قليلة. أهم الإيجابيات إحداث تغيير كبير فى علاقة مصر بالولايات المتحدة ووقف علاقة التبعية، التى دامت طيلة فترة حكم حسنى مبارك، وأيضًا العلاقات الجيدة مع دول كبرى أخرى، مثل الصين.
وأبرز السلبيات عندى أننا سمحنا لدول أصغر من مصر بملايين السنوات الضوئية أَن تتعامل معنا وكأنها صاحبة اليد العليا، فهذه الدول وإن كانت ثرية إلا أنها تبقى وستبقى دولًا صغيرة جدًا بالمقارنة بمصر.
■ كيف ترى أجندة قطر فى المنطقة العربية وتحديدًا مصر؟
- أظن أننى أعرف قطر جيدًا، فقد قرأت كثيرًا عنها وزرتها عدة مرات واستقبلنى أميرها السابق حمد بن خليفة، وقضيت معه ساعات عديدة، وكان ذلك قبل ٢٠١١.
تلخيصى للحالة القطرية أن انقلاب حمد بن خليفة على أبيه كان خطة رسمها مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية واشترك معه فى ذلك حمد بن جاسم، الذى كان آخر منصب له هو رئيس الوزراء، وأنا عرفته أيضًا شخصيًا، ووجدته أكثر ذكاءً وخبرة وعلاقات من «حمد».
فى الاتفاق مع الأمريكيين والإسرائيليين كانت هناك أشياء سيحصل عليها «حمد» وأشياء عليه القيام بها، فحصل على تعهد بحمايته من أى مخاطر عليه وعلى ابنه سواء كانت خارجية أو داخلية، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة على الأراضى القطرية هى قاعدة «العُديد». وحصل أيضًا على شركاء أصحاب بخبرة عالية لتنمية أكبر حقل للغاز الطبيعى هناك.
فى مقابل هذا، تعهد بخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وبتمويل قطرى، لذلك فأنا لا أؤمن بوجود أجندة قطرية، قطر أصغر من أن تكون لها أجندات، ولكن هناك أجندة أمريكية-إسرائيلية تنفذها الإمارة.
ولا شك عندى أن وقوف الدوحة مع نظام الإخوان عندما كانوا فى حكم مصر، وكل مواقفهم المعارضة والمناوءة للدولة المصرية بعد ٣ يوليو ٢٠١، كانت بأوامر أمريكية، حتى تليفزيون الجزيرة كان ولا يزال جزءًا من المشروع الأمريكى الذى نجح فى أماكن كثيرة، لكنه فشل فى مصر، وأتوقع فشله فى سوريا.
■ مَن أكثر من لمست فيه الوعى الثقافى من رؤساء وزعماء العالم؟
- دومينيك دو فيليبان، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، أراه مثقفًا موسوعيًا ومفكرًا وأديبًا وشاعرًا وروائيًا وسياسيًا. قبل رئاسته الحكومة الفرنسية كان ألمع وزير خارجية فى أوروبا، وهو مثقف كبير بالمعيار الصعب الذى صاغه طه حسين، أى أنه طالع معظم إبداعات الإنسانية فى كل مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية. التقيه بموسكو فى شهر أكتوبر من كل عام، وفى لقائنا الأخير حكى لى عن نشأته فى مدينة الرباط بالمغرب، والتى ولد بها سنة ١٩٥٣