رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة السويس.. وشائعات البلهاء أو العملاء!‏


المعدلات التي تسجلها حركة الملاحة بقناة السويس، سواء في أعداد وحمولات السفن العابرة، يمكنك معرفتها من ردود أفعال أعدائك، ومن الشائعات التي لم يتوقفوا عن إطلاقها منذ بدء الإعلان عن حفر ‏قناة السويس الجديدة، والتي لم تتوقف بعد افتتاحها. وتكون مثل من بذل جهدًا لتعريف الماء بأنه ماء، لو تحدثت عن أهمية قناة السويس بالنسبة لمصر والمصريين، ولحركة التجارة العالمية. وعبثًا تقول وتقرأ ‏في «سورة عبس»، لو كررت ما قاله تافه قديم: الأرض أرضٌ والسماء سماءُ.. والماء ماءٌ والهواء هواءُ. ويُقال إن الناس تنطق مثلنا.. أما الخراف فقولها مأماء.‏

أيضًا، لن نضيف جديدًا لو قلنا إن هيئة قناة السويس نجحت في التعامل الإيجابي مع تحديات كثيرة، بمشروعات تطوير المجرى الملاحي للقناة، التي كان أحدثها، وليس آخرها، مشروع قناة السويس ‏الجديدة الذي لن نكشف سرًا لو أوضحنا أنه، مع زيادة أبعاد القناة القديمة وعمقها ومناطق الازدواج فيها، أدى إلى توالي عبور سفن الحاويات الأكبر في العالم، ما جعل القناة مهيأة لاستقبال أحدث وأكبر ‏سفن الحاويات في العالم في أولى رحلاتها البحرية. ولن نبالغ أو نجامل، لو أشدنا بالسياسات التسويقية الجديدة، التي أدت إلى زيادة عائدات القناة بإضافة خطوط ملاحية لم تكن تعبر القناة من قبل. ‏

يمكنك أن تدرك ذلك بنفسك، لو تابعت التقارير الملاحية التي تصدرها هيئة قناة السويس، والتي ستجدها باستمرار على موقعها الرسمي أو في أخبار تنشرها صحف ومواقع إلكترونية عديدة. ولو رجعت ‏إلى تقارير الأيام الخمسة الماضية، مثلًا، ستعرف أن إجمالي السفن التي عبرت القناة خلال تلك الأيام الخمسة وصل إلى ٢٤٩ سفينة بحمولة ١٦.٧ مليون طن: يوم الجمعة ٤٧ سفينة بحمولة ٣.٥ مليون ‏طن.. يوم السبت ٥٧ سفينة بحمولة ٣.٦ مليون طن، الأحد ٥٤ سفينة بحمولة ٣.٣ مليون طن.. الإثنين ٣٧ سفينة بحمولة ٢.٧ مليون طن، والثلاثاء عبرت القناة ٥٤ سفينة بحمولة ٣.٦ مليون طن.‏

بقليل من التركيز، ستجد الأرقام تكشف بوضوح عن أن عدد السفن التي عبرت القناة يوم الثلاثاء، زاد عن عددها يوم الإثنين، وأن الحمولة زادت عن بقية الأيام الخمسة، باستثناء يوم السبت. ومع ذلك، ‏زعمت صحف ومواقع أجنبية، بعضها غير معروف وبعضها الآخر تحت مستوى الشبهات، أن الحركة الملاحية بقناة السويس توقفت نتيجة تصادم وقع بالمجرى الملاحي. والتقط هواة «الهبد» على ‏‏«الكيبورد» تلك المزاعم ونسجوا حولها حواديت تفوح منها روائح نتنة، كريهة، ممزوجة بشماتة، توحي بأنك أمام مجانين أو مأجورين، بلهاء أو العملاء.‏

خرجت تلك المزاعم وانتشرت تلك الروائح، مع أن الحركة الملاحية في القناة تسير بشكل عادي وطبيعي. والكلام على عهدة الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، رئيس الهيئة الاقتصادية العامة ‏لمنطقة القناة، الذي نفى بشكل قاطع حدوث أي تصادم مروري في لانشات أو سفن. والحكاية كلها، أو القصة وما فيها، كما أوضحها «مميش»، هي أن سفينة تحمل جنسية «مالطا»، تعرضت لعطل ‏مفاجئ، فجر الثلاثاء، وهي تمر في قافلة (من ست سفن) قادمة من الشمال إلى الجنوب، وقام رجال هيئة قناة السويس بإنقاذ الموقف وجرى التعامل مع السفينة التي جنحت وإبعادها بواسطة ٨ قاطرات ‏تابعة للهيئة، وتم إخلاء المجرى الملاحي خلال وقت قصير دون تأخير في باقي السفن، وعبرت بعدها بقية سفن القافلة الخمس.‏

حركة الملاحة، إذن، لم تتوقف، ولم تحدث خسائر «قد الدنيا» كما زعم (أو تمنّى) المجانين، أو العملاء. وعليه، رأينا أن نخرج من الشائعة بشيء مفيد، ووجدناها فرصة لإلقاء الضوء على دور القناة ‏الجديدة في زيادة عامل الأمان الملاحي للسفن العابرة، بعد تعزيز قدرة القناة على مواجهة المواقف الطارئة، وتوجيه رسائل طمأنة إلى مُلاّك ومشغلي السفن بأن قناة السويس ستظل، كما كانت، الممر ‏الملاحي الأسرع والأقصر. ومع القناة الجديدة صارت الأكثر أمانًا، بالإضافة إلى أن تطوير المجرى الملاحي للقناة، ككل، عزز مكانتها التنافسية مع الطرق الملاحية الأخرى. وساعد، مع السياسات ‏التسويقية المرنة، في جذب خطوط ملاحية جديدة. ‏

إحصائيات ومؤشرات حركة الملاحة بالقناة، تثبت يومًا بعد يوم الجدوى الاقتصادية والفنية لقناة السويس الجديدة التي حافظت للقناة على موقع الصدارة بزيادة طاقتها العددية والاستيعابية، ورفع كفاءتها ‏في استقبال الأجيال الجديدة من السفن العملاقة ذات الغواطس الكبيرة التي تتجه ترسانات السفن العالمية لصناعتها للاستفادة من اقتصاديات الحجم. كما لعبت القناة الجديدة دورًا مهمًا في مواجهة تحديات ‏المنافسة بتقليل زمن الانتظار والعبور من ٢٢ ساعة إلى ١١ ساعة فقط، الأمر الذي أدى بالضرورة والتبعية، إلى انخفاض التكلفة الإجمالية للرحلة البحرية لملاك السفن وأسهم في خدمة حركة التجارة ‏العالمية.‏

إجمالًا، يمكننا أن نقول إن مشروع قناة السويس الجديدة رفع التصنيف الدولي للقناة بزيادة طاقتها العددية والاستيعابية، ورفع جاهزيتها لاستيعاب نمو حركة التجارة العالمية واستقبال الأجيال الحالية ‏والمستقبلية من السفن العملاقة، خاصة سفن الحاويات، التي تتزايد أهميتها يومًا بعد يوم في صناعة النقل البحري. ويُحسب للفريق مميش أن هيئة قناة السويس بدأت تنتقل من مرحلة الاعتماد على رسوم ‏عبور السفن كمصدر وحيد لعائدات القناة، إلى مرحلة تنفيذ المخطط الشامل لإقامة مشروعات لوجستية وصناعية متنوعة ذات قيمة مضافة، ضمن المشروع الواعد لتنمية منطقة القناة، للاستفادة من الموقع ‏العبقري لقناة السويس. وبالفعل، قطعت الهيئة الاقتصادية شوطًا كبيرًا في تمهيد البنية التحتية للمنطقة، ستؤهلها لتكون في مصاف المناطق الاقتصادية الكبرى وأكثرها جذبًا للمستثمرين. ووضعت ثلاث ‏خرائط استثمارية تفصيلية لكل من منطقة شرق بورسعيد شمالًا، ومنطقة القنطرة غرب، ومنطقة السخنة جنوبًا، تتضمن كل خريطة منها، بشكل تفصيلي، طبيعة الاستثمار والصناعات المتاحة والمساحات ‏المتوافرة.‏

وما دام الشيء بالشيء يذكر، أو لأن الكلام بـ«يجيب بعضه، نشير بالمرة إلى أنه مع انتهاء العام المالي ٢٠١٧ ٢٠١٨، أي في ٣٠ يونيو الماضي، أصدرت هيئة قناة السويس بيانًا عرفنا منه أن عائدات ‏القناة بشكل زادت بشكل غير مسبوق، وحققت أعلى إيراد سنوي مالي في تاريخها (بالدولار الأمريكي وليس بالجنيه المصري) بإجمالي إيرادات ٥.٦ مليار دولار مقابل ٥ مليارات دولار خلال العام المالي ‏‏٢٠١٦٢٠١٧، أي بزيادة قدرها ٦٠٠ مليون دولار أو بنسبة ١٣٪. ‏

‏..ولا يبقى غير الاعتذار لـ«التافه» القديم الذي أشرنا إليه في البداية، وإلى «التافه» القديم الآخر الذي قال: الليل ليلٌ، والنهار نهارُ.. والبغل بغلٌ، والحمار حمارُ. والديك ديك، والدجاجة زوجُه.. وكلاهما ‏طير له منقارُ!.‏