رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احذروا.. دخلنا مرحلة "الفقر المائى"


أقلقنى إلى درجة الانزعاج أن التصريح الذى أطلقه الدكتور «محمد عبدالعاطى»، وزير الرى، ونشرته الصحف منذ فترة وجيزة، «جريدة «الوطن»، ٢٨ يونيو الماضى»، قد مرَّ مرور الكرام، ‏ولم يلق الانتباه الواجب، أو يُحدث التفاعل المنتظر، رغم أهميته وخطورة مضمونه، فقد أعلن وزير الرى أن مصر «أعربت عن قلقها من استشعار وجود توجهات لدى إثيوبيا لبدء ملء الخزان ‏‏«والمقصود خزان سد النهضة»، قبل التوافق على التقرير الاستهلالى، بعد فشل المفاوضات الفنية للاجتماعات الثلاثية، التى عُقدت فى القاهرة، نوفمبر الماضى، قبل استئنافها مطلع العام ‏الجارى».‏

سبب القلق، ومصدر الانزعاج، أن هذا التوجه يُعاكس الانطباع الذى ساد بعد استقالة رئيس الوزراء الإثيوبى السابق، «هيلى ماريام ديسالين»، وتولى رئيس الوزراء الجديد، «آبى أحمد على»، ‏ومباحثاته مع الرئيس السيسى، «١٠ يونيو ٢٠١٨»، وما صدر خلال وفى أعقاب اللقاءات معه، من تصريحات متفائلة، تحمل البُشرى للمصريين، بأن الضيف الإثيوبى أكد أن بلاده لن تُقدم على ما ‏يضر بأمن مصر المائى، أو ينال من حصتها المقررة.‏

وقد ضاعف من دواعى القلق ومبررات الانزعاج، تصريح تلا حديث وزير الرى، للسيد مستشار رئيس الجمهورية للزراعة، الدكتور «هانى الكاتب»، «جريدة «الأهرام»، ٢٩ يونيو ٢٠١٨»، ‏أعاد التذكير بأن حصة المواطن المصرى حاليًا من المياه، أقل من ٦٠٠ متر مكعب سنويًا، والمفروض أن تكون ١٠٠٠ متر، وأضاف السيد المستشار أن مصر تحتاج إلى ٢٢ مليون فدان، وحوالى ‏‏١٣٠ مليار متر مكعب مياهًا، طبقًا لعدد السكّان، «أى أكثر من ضعف حصة مصر من مياه النيل، والمقدرة بـ٥٥ مليار متر مكعب»!.‏

ويؤكد هذا الوضع الحرج، ما ذكره الدكتور «هانى رسلان»، رئيس «وحدة دراسات السودان وحوض النيل» بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، من أن نصيب الفرد فى ‏عام ١٩٥٩ كان يبلغ ألفى متر مكعب، انخفض فى عام ١٩٨٥ إلى ١١٣٨ مترًا مكعبًا، واستمر الانخفاض حتى بلغ ٥٥٥ مترًا فى عام ٢٠١٨، «أى أن نصيب المصرى من المياه، تقلَّصَ فى ‏غضون ستين عامًا إلى نحو ربع المقدار»، وبنص كلماته، فهذا يعنى أن مصر: «دخلت بعمق فى مرحلة الفقر المائى»، «جريدة «الأهالى»، ٤ يوليو ٢٠١٨».‏

وفى الوقت نفسه حذَّرَ تقرير لمنظمتى «الأغذية والزراعة»، «الفاو»، و«التعاون الاقتصادى والتنمية»، «جريدة «الأهرام»، ١٠ يوليو الماضى»، من أن «المياه والنزاعات تشكلان التهديد ‏الأكبر الذى يؤثر على مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، ونبّه التقرير إلى مخاطر الآثار المتوقعة «بسبب تغيرات المناخ، وكذا الاستخدام المفرط للمياه السطحية والجوفية، متوقعًا أن تواصل ‏منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التى تُعتبر من أكبر مستوردى المواد الغذائية فى العالم، الاعتماد على الاستيراد، مع تسجيل ارتفاع كبير لهذه الواردات خلال السنوات المقبلة».‏

والمعنى المباشر والصريح لمجمل هذا الكلام، وبعيدًا عن الدبلوماسية وتنميق الألفاظ، أن مشكلة مصر مع المياه مشكلة عميقة، جانب منها بسبب «مراوغة» إثيوبيا، وتملصها من إعلان التزامها ‏الصريح بعدم المساس بحصة مصر من المياه، عن طريق اتفاق ملزم، محدد وقاطع ومضمون، بألا تقل سنوات ملء خزان السد عن سبع سنوات، مثلًا، حتى يظل الضرر الحادث فى أقل ‏المستويات الممكنة.‏

لكن حتى لو تم هذا الأمر، فستظل للمشكلة جوانب أخرى، أهمها الزيادة السكانية التى تحتاج للمزيد من المياه، والزيادة الكبيرة لفاتورة استيراد المنتجات الزراعية لتعويض تقليص مساحات زراعة ‏المواد الضرورية، كالأرز وغيره.‏
والأهم هو لزوم تغيير ثقافة الشعب تجاه المياه والإسراف فى استخداماتها، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير ومستدام، لتغيير عادات وأوضاع سلبية، استقرت من قرون.‏