رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ السري لمصر.. "الدستور" تتجول داخل "المطابع الأميرية".. من هنا تخرج وثائق الحكومة

جريدة الدستور


أن تعيش بين جدران التاريخ وتمسك أيامه بيديك ليس أمرًا مستحيلًا.. هذا ما اكتشفناه عندما ذهبنا فى جولة ميدانية لخمس ساعات متواصلة، داخل الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، تنقلنا خلالها بين ممرات المطبعة الأعرق فى تاريخ المحروسة.

قد لا يدرك بعضنا أهمية المكان، رغم كونه المسئول الوحيد عن طباعة أغلب المطبوعات التى نمسكها يوميًا، سواء نماذج الامتحانات أوالجريدة الرسمية أو الوثائق الحكومية السرية والمعلنة، لذا، نحاول خلال هذه السطور، وضع «المطابع الأميرية» بين يديك، لتتعرف على أهميتها عن قرب.

بين الوِرش والإدارات المختلفة والمكتبة والمتحف والمدرسة، تحدثت «الدستور»، هناك إلى العاملين والمسئولين خلال يوم كامل من العمل الشاق داخل
«صندوق وثائق الدولة».



5 شباب مكفوفين يعملون داخل «قسم برايل» لطباعة 45 مليون ورقة لـ«التربية والتعليم»
داخل موقع لا يقل صخبًا عن باقى الورش، يحوى ماكينة طباعة واحدة بطريقة «برايل»، يجلس خمسة من الشباب المكفوفين المعينين حديثًا قبل نحو شهر، بعضهم يضع فى أذنيه سماعات صغيرة، ويتحسس بأنامله «الكيبورد» ليخطّ ما سمعه من جهاز الكمبيوتر، بينما يمسك البعض الآخر صفحات مطبوعة بنفس الطريقة «برايل»، لمراجعتها قبل إكمال طباعة النسخ المطلوبة منها.
«إحنا لسه بنبدأ، والبداية دايمًا هى أصعب حاجة».. بهذه الجملة استقبلنا عبدالرحمن أحمد، خريج قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن جامعة عين شمس، أحد المنضمين مؤخرًا لفريق عمل قسم الطباعة بطريقة «برايل».
يجيد «أحمد» اللغة الألمانية إلى جانب العربية والإنجليزية، ويعمل مصححًا لغويًا للثلاث لغات.
يقول: «بدأت بتصحيح كتب اللغة العربية والتربية الدينية، بعدما تعاقدت المطابع الأميرية على طباعتها لصالح وزارة التربية والتعليم.. أنا سعيد جدًا بعملى لأننى مؤمن بتقديم خدمة كبيرة لزملائى من ذوى الاحتياجات الخاصة عندما أتيحت لهم القراءة الصحيحة».

ويلفت العامل الشاب إلى أنه بعد «محاولات عشوائية» للطباعة بنفس الطريقة من قبل جمعيات أهلية، يهتم كيان كبير مثل المطابع الأميرية للمرة الأولى بتلبية متطلبات واحتياجات المكفوفين بهذه الجودة.

ويتفق إبراهيم عبدالفتاح الشعشاعى، خريج قسم اللغة العربية بكلية الألسن، أحدث عضو داخل قسم «برايل»، مع ما قاله زميله، مشيرًا إلى أن سبب موافقته على العمل كمدقق لغوى هو إحساسه بضرورة مساعدة الطلاب المكفوفين على تعلم اللغة العربية.

وتعليقًا على استخدام هذه التكنولوجيا داخل المطابع الأميرية، يشرح المهندس محمود سرور، مدير إدارة المطبوعات المؤمَّنة بالهيئة، إن هذه الماكينة هى الأولى من نوعها فى مصر وإفريقيا، وتتميز بالطباعة بنظام «الويب كونتنيوس فيد».

بعد شراء المطبعة، كما يستكمل «سرور»، تعاقدت الهيئة مع وزارة التربية والتعليم على طباعة ٤٥ مليون ورقة، متوافقة مع مواصفات الكتاب المدرسى للتربية والتعليم، مشيرًا إلى أن إدخال هذه النوعية من الطباعة لم يكن بشكل عشوائى، ولكنه جاء وفقًا لحاجة الدولة لنوعيات جديدة من الطباعة، وتلبية احتياجات المكفوفين.

ولأن التجربة فى مهدها ولم يتم تقييمها حتى الآن، يقول: «استعنا بمجموعة من الشباب المكفوفين لمراجعة وتقييم المنتج وتفادى العيوب التى يمكن أن تحدث فيما بعد، لأننا كمبصرين لن نستطيع الحكم على جودتها».

«هيدلبرج» العريقة تعمل بعد عمرها الافتراضى.. «بوسطن» الإنجليزية توقفت.. و55 ماكينة «أوفست»
رغم انتهاء عمرها الافتراضى، تعمل ماكينات الطباعة العتيقة بكفاءة ظاهرة، وفى الخلفية يطرب صوت محمد عبدالوهاب آذان العمال الذين يسيطرون على المعدات كبيرة الحجم بالخبرة والمهارة.

يقول يوسف عفيفى، أقدم العاملين فى المطابع، إنه يعمل على هذه الماكينات منذ اليوم الأول له داخل الهيئة، وكان ذلك قبل أربعين عامًا تقريبًا.
ويشير إلى أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين العمال والمَكن، إذ يعلمون جيدًا كيف يتعاملون معه ويحصلون على أعلى إنتاج منه، بالإضافة إلى خبرتهم فى معالجة أى أعطال طارئة.

من هذه الآلات آلة الطباعة «هيدلبرج»، التى يؤكد «عفيفى» أنها قادرة على طباعة ١٥٠٠ ورقة فى الساعة الواحدة، لكن هذا المعدل- كما يشير- مع ذلك- بطىء للغاية، إذا ما قورن الأمر بالآلات الحديثة التى أدخلتها المطابع الأميرية لورشها فى السنوات الأخيرة.

رغم ذلك، كان إصرار العمال على استمرار العمل بالآلة وراء رغبة المسئولين فى الحفاظ على قيمة الماكينة، خاصة أنها تعود إلى أكبر شركات الطباعة فى العالم، والخطوط المنتجة لها أُغلقت. ويلخص «عم عفيفى» تاريخ رفيقته فى العمل: «هيدلبرج أقدم آلة طباعة موجودة فى المطابع الأميرية، عمرها يقترب من عمر تأسيس الهيئة نفسها، وبدأ العمل بها سنة ١٨٥٠، وصنعتها أكبر شركات الطباعة الألمانية».

هذه الماكينات التاريخية يعتز بها العاملون فى الهيئة، منها ماكينة صغيرة توقفت عن العمل، يطلقون عليها اسم «بوسطن»، إنجليزية الصنع ويعود تاريخ إنتاجها إلى عام ١٩٣٠، وجدناها فى منتصف أحد الطوابق وتزينها لوحة بها تفاصيل نشأتها، فيما يشبه الأثر المحفوظ داخل متحف.

رغم كل ذلك، لم تتوقف الهيئة عن تطوير وتجديد الآلات، وإدخال التكنولوجيا الحديثة فى الطباعة، إذ استعانت بتكنولوجيا الطباعة الرقمية، لما توفره من سهولة ومرونة وسرعة فى الأداء، وذلك من خلال ماكينتى طباعة رقمية «٤ لون»، تعمل بسرعة ٧٠ صفحة فى الدقيقة، تطبع على مقاسات مختلفة، تبدأ من مقاس A4 وتصل لـ٣٣ فى ٤٨ سم، بالإضافة إلى ماكينة طباعة رقمية «لون واحد» بسرعة ٩٥ صفحة فى الدقيقة.

محمد دويدار، مدير عام التخطيط ومتابعة الإنتاج، يقول «إن الهيئة بها ٥٥ ماكينة (أوفست)، ١٠ منها (ويب أوفست)، بخلاف ماكينة (كومباكتا) من النوع التجارى اشترتها الهيئة حديثًا، والتى تضاهى فى جودتها طباعة ماكينات الأفراخ، علاوة على إضافة الهيئة العديد من الوظائف والإمكانيات للماكينة».

أوراق قيِّمة بالمكتبة أبرزها «الأوامر الملكية» و«مجموعة الفرمانات».. وإعلان الوحدة فى أول أعداد «الجريدة الرسمية»

على جانب آخر، تقبع مكتبة الهيئة، التى لا تتسع ممراتها للأفراد، بقدر ما تتسع أرففها إلى مئات الكتب القيمة، التى قد لا توجد فى أى مكان آخر.

هنا أرشيف كامل من الجريدة الرسمية التى تصدر أسبوعيًا، وملحقها الذى يصدر يوميًا باستثناء أيام الإجازات الرسمية.

تحتفظ مكتبة هيئة المطابع الأميرية بعدد هائل من الكتب التراثية، رغم نقل أمهات الكتب التى كانت تحويها إلى معرضها الدائم لتاريخ الطباعة، والموجود داخل مكتبة الإسكندرية، والذى اُختير عضوًا فى الجمعية الدولية لمتاحف الطباعة، التى ستدشن خلال العام الجارى.

تتولى الهيئة مسئولية طباعة كتب مجلس الدولة، ورئاسة مجلس الوزراء، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة الثقافة، والأزهر الشريف، والمصحف الشريف، ودستور الجمهورية، بالإضافة إلى كتب القوانين، والجريدة الرسمية.

وجدنا داخل المكتبة كتاب «الأوامر الملكية»، الخاص بالرتب المدنية والنياشين والأنواط، وطبع عام ١٩٢٦، مكتوبًا على غلافه الخلفى «السعر ٥٠ مليمًا»، وكتاب «مجموعة الفرمانات»، ويضم القرارات الصادرة عن ولاة مصر وخديوييها، وتم جمعه بأمر الملك فؤاد الأول، وكُتب باللغة التركية بالحروف العربية.

وحصلت «الدستور» على نسخة من العدد الأول من الجريدة الرسمية، الذى صدر فى ١٣ مارس عام ١٩٥٨، وبه بيان إعلان الجمهورية العربية المتحدة، فى جلسة تاريخية عُقدت داخل قصر القبة، فى القاهرة، ويضم إعلان الرئيس جمال عبدالناصر الوحدة مع سوريا والمبادئ التى تقوم عليها فى مجلس الأمة المصرى فى ٥ فبراير لنفس العام.

ونص الإعلان الذى أدلى به الرئيس شكرى القواتلى أمام مجلس النواب السورى بمناسبة ميلاد الوحدة، على تأييد الوحدة بين مصر وسوريا، وترشيح جمال عبدالناصر رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمة المصرى بتأييد الوحدة وترشيح جمال عبدالناصر رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة.

كما شمل قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٨، دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على وحدة سوريا ومصر فى الجمهورية العربية المتحدة، وعلى رئاسة هذه الجمهورية.

وتقول المهندسة منى يونس، مدير إدارة المعلومات والتوثيق بالهيئة العامة للمطابع الأميرية، إن الجريدة الرسمية هى أقدم صحف الشرق الأوسط، وتطبعها الهيئة وتصدر يوم الخميس من كل أسبوع، لافتة إلى أنه يجوز فى الحالات العاجلة إصدار أعداد غير عادية، وينشر بها القوانين والقرارات الجمهورية، بالإضافة إلى قرارات رئيس مجلس الوزراء المفوض بها من رئيس الجمهورية.


تأمين أوراق الحكومة بالحبر السرى.. و100 خريج سنويًا فى مدرسة الطباعة
«أكثر من ٤٢ نموذجًا ذات قيمة مؤمنة تستخدم فى الهيئات الحكومية والوزارات: شهادات الميلاد وشهادات الوفاة وإيصالات التحصيل ونماذج الصحة والداخلية وغيرها، وحدها المطابع الأميرية هى التى لها حق إنتاج هذه المطبوعات، وفقًا لأحدث تكنولوجيا فى هذا المجال».. بهذه الحقائق التى يبدو أنها تُقال بفخر مستحق، يتحدث المهندس محمود سرور.

يشرح «سرور» طبيعة هذه «المطبوعات المؤمنة» فيقول: «هى التى لا يستطيع أحد تقليدها أو نسخها، وتحمل قيمة مادية أو معنوية للمعاملات التى تمس أمن واستقرار الدولة، وتصدر من خلال المنافذ الرسمية، وحق إنتاجها لا يتاح إلا للهيئة العامة للمطابع الأميرية».

هناك وسائل تأمين مختلفة لهذه الإصدارات، يوضح «سرور»: «منها الأحبار الحرارية والسرية التى لا ترى بالعين المجردة، والترقيم والتسلسل واستخدام خامات طباعية خاصة، بالإضافة إلى استخدام عناصر تصميمية يصعب إعادة إنتاجها أو تزييفها ببرامج مخصصة».

من أجل ذلك، وقعت الهيئة بروتوكول تعاون مع شركة البويات والصناعات الكيماوية، لإنتاج الأحبار المستخدمة فى الطباعة المؤمّنة بخامات مصرية بنسبة ٨٠٪.

داخل أحد مبانى الهيئة، ثمّة ممر صغير يفصلك عن مدرسة فريدة من نوعها، ضمن ٥ مدارس متخصصة فى الطباعة وفروعها على مستوى الجمهورية.
ورغم أن خريجى هذه المدارس ١٠٠ طالب فقط فى العام الدراسى الواحد، إلا أن القائمين عليها يرون أن العدد كبير جدًا، إذا ما قورن باحتياجات سوق العمل، وكذلك ورش التدريب ومكن الطباعة المتواجد بها.

خلال جولتنا، داخل المطابع الأميرية فى منطقة الوراق مع مدير مدرسة الطباعة الملحقة بالهيئة، المهندس عبدالله الفقى، أوضح- لنا- أن نظام المدرسة ٣ سنوات، وإذا حصل الطالب على مجموع عالٍ، يحق له الالتحاق بكلية تربية تخصص زخرفة، ومن خلاله يستطيع التخصص فى الفروع التى يرغب بها، وجميعها متعلقة بالطباعة، فيما عدا ذلك لنا تنسيق خاص ومجاميع خاصة.



ويضيف مدير المدرسة: «على سبيل المثال، التعليم الفنى هذا العام يبدأ تنسيقه من ١٧٧ درجة، أما نحن فنقبل من ٢٠٠ درجة، لأننا مدرسة نوعية، ليس لنا سوى ٥ فروع على مستوى الجمهورية، هى مدرسة المطابع الأميرية، والهرم، وشبرا والفيوم، والإسكندرية، وبناء عليه لنا تنسيق خاص لأن العدد محدود ونقبل فى السنة الواحدة ١٠٠ طالب فقط».
وعن تخصصات الدراسة، يذكر «الفقى» أن «الطالب فى الثلاث سنوات الأولى يدرس شعبة عامة، أى أنه يمر على جميع التخصصات عكس ما كان يتم قديمًا بتقسيم التخصصات منذ العام الأول، وهذا يساعدنا على توفير كل احتياجات سوق العمل، وتكون لديه وفرة كبيرة فى المعلومات والخبرة، بالإضافة إلى فرص عمل أكبر مما كانت عليه قبل ذلك».

مدير المدرسة أكد أيضًا أن هناك قرارًا بإلغاء التعيينات منذ مدة كبيرة، موضحًا: «نعتمد على أن تأتى لنا طلبات تعيين من الخارج، مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر فى الكثير من الأوقات تخاطبنا لإرسال كوادر مدربة للتعيين لديّها، على حسب احتياجات مطابعها، لأن سوق العمل نادرًا ما يخصص بها فنيو طباعة، فـأسهل طبيعة بالنسبة لهم أن يطلبوا منا مباشرة».

بالنسبة لفرص العمل فى الهيئة، يقول «الفقى» إنها محدودة للغاية، وتكاد تكون مقتصرة على أبناء العاملين، مشيرًا إلى أن هناك مدارس أُنشئت خصيصًا للطباعة، مثل مدرسة نهضة مصر فى أكتوبر.

وعن أعداد الطلاب ومدة الدراسة، يشرح: «لدينا مدارس حكومية على مستوى الجمهورية، كل مدرسة تخرج ١٠٠ طالب فى السنة، ما يعنى أن لدينا ٥٠٠ طالب كل عام، وهذا العدد كافٍ لتلبية احتياجات سوق العمل فى الفترة الحالية».

ويختم بأن الطلاب غير مسموح لهم بالتعلم على آلية العمل والإنتاج الخاص بالمطبوعات السرية، خاصة أن «المكن فى المطابع السرية هو نفسه المكن العادى الذى يتعلم عليه الطالب فى الورشة يوميًا، لكن الفرق أنها سرية، غير مسموح بالدخول إليها إلا للقائمين عليها فقط، كما أنها موجودة فى مبنى خاص منفصل عنَّا».

محمد على افتتحها ١٨٢١.. سعيد أهداها لمدير السكك الحديدية وإسماعيل استعادها.. وتغيير الاسم حسب المالك
لأكثر من مرة، تغيّر اسم الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، فكان «دار الطباعة» هو أول اسم أطلق على هذا المكان الذى يقترب عمره من مائتى سنة، كما تقول اللوحة التذكارية لإنشائها.

بعد ذلك أُطلق عليها اسم مطبعة «صاحب السعادة»، حسبما جاء فى أولى مطبوعاتها، الذى كان عبارة عن قاموس «عربى- إيطالى»، وكان بأوامر من محمد على باشا، والى مصر، الذى افتتح المطبعة عام ١٨٢١، فى ذروة الانفتاح المصرى على أوروبا، لاقتباس أسباب تقدمها.
اسم آخر حملته أيضًا كان «المطبعة الأميرية» كما جاء فى إصدارات أخرى بعد ذلك، وأيضًا «مطبعة صاحب الفتوحات السنية ببولاق مصر المحمية»، كما جاء فى أول عدد من «الوقائع المصرية»، أو كما عُرف اختصارًا بـ«مطبعة بولاق».

تعددت الأسماء وتوحّد الهدف، وكسبت مصر صرحًا كبيرًا، أرسى أسس صناعة الطباعة فى الشرق الأوسط، فقبل إنشائها أوفد محمد على أول بعثة إلى مدينة ميلان الإيطالية، برئاسة نيقولا مسابكى، لتعلم فن الطباعة، ومنذ ذلك الحين بدأت المطابع فى العمل من أجل إحداث نهضة تعليمية.

وفى عام ١٨٦٢ أهدى سعيد باشا المطبعة إلى عبدالرحمن بك رشدى، مدير مصلحة السكك الحديدية بالبحر الأحمر، فتغيّر اسمها إلى «مطبعة عبدالرحمن رشدى ببولاق»، وفى عهد الخديو إسماعيل عاد اسمها إلى «المطبعة السنية ببولاق» أو «مطبعة بولاق السنية»، وظلت بعيدة عن قبضة الحكومة المصرية، تؤول ملكيتها من شخص إلى آخر، ويتغير اسمها حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، ثم إنشاء وزارة الصناعة فى عام ١٩٥٦.

حينها، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارًا بإنشاء هيئة عامة للمطابع، تلحق بوزارة الصناعة ويطلق عليها «الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية»، وتخصص لها مبنى جديد على مساحة ٣٠ ألف متر مربع فى إمبابة، لتلبية جميع طلبات الهيئات والمصالح الحكومية، وكذلك مسايرة التقدم فى فن الطباعة بتزويد الهيئة بماكينات حديثة ذات سرعات عالية آنذاك.

المتقاعدون:«خدت عمرنا وإدتنا كل حاجة»

فى الهيئة، تبدو نظرة أرباب المهنة من أهل المعاشات، الذين أحيلوا إلى التقاعد، مختلفة.. هذا ما يوضحه حسنى راتب، الذى عمل بين جدران الهيئة لمدة ٤٠ عامًا كاملة، وواكب مراحلها المختلفة، بداية من العمل بإمكانيات بدائية، وحتى التطوير الذى شهدته الهيئة مؤخرًا.

دخل «راتب» المطابع الأميرية وهو ابن ١٩ سنة، وعمل فى قطاع الطباعة الخاصة بالوقائع المصرية منذ البداية، يقول: «كنا نطبع الجريدة عن طريق تجميع الحروف جنبًا إلى جنب، الأمر لم يكن سهلًا أبدًا، خاصة أنها كانت جريدة يومية، لكن أهميتها كانت تمنحنا الدافع للاستمرار فى العمل دون تراجع».

سيد عرفان، الذى التحق بالمطابع منذ صغره، ووصف لنا الهيئة فى كلمات قليلة، ربما تعبر عن إحساسه بالمكان بعد كل الفترة التى عاشها بين جنباته، حينما قال: «رغم أنها خدت عمرى إلا أنها حياتى وبيتى وأكل عيشى».


رئيس هيئة "مطابع الأميرية": لا علاقة لنا بطباعة امتحانات الثانوية العامة و60% من الورق المستعمل محلى
قال المهندس عماد فوزى، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للشئون العامة للمطابع الأميرية، التابعة لوزارة التجارة والصناعة، إن الهيئة لا تطبع امتحانات الثانوية العامة، ‏وغير مسئولة عنها من قريب أو بعيد. ‏
وكشف «فوزى»، فى حواره مع «الدستور»، عن إعداد «المطابع الأميرية» دراسة جديدة تُعرض على وزير التجارة والصناعة خلال أيام، تستهدف مكافحة الفساد، والحد من ‏الرشاوى، وتقلل التعامل بين العميل والموظف.‏

‏■ بداية.. كم تبلغ نسبة الورق المحلى المستعمل؟
‏- ٦٠٪ من الورق المستعمل فى الطباعة محلى، خاصة أن توجيهات الحكومة فى الفترة الأخيرة تعتمد على التوجه نحو الصناعة المحلية، وفى هذا الإطار توجهت الهيئة لتوقيع بروتوكول مع ‏إحدى الشركات لإعادة تدوير ورق الدشت والاستفادة منه مرة أخرى، فى ظل أن مصر تنتج حوالى ١٨٠ ألف طن فى السنة، ويتم استهلاك حوالى ٥٠٠ ألف طن، والفرق يتم استيراده من الخارج.‏
‏■ ماذا عن استراتيجيتكم للتطوير؟ ‏
‏- لدينا خطة تطوير خاصة نعمل عليها، وتم عرضها على وزير التجارة والصناعة، ضمن استراتيجية ٢٠٣٠، وهى تعتمد بالأساس على تطوير الماكينات، وتنويع المنتجات، وتعميق صناعة ‏الطباعة فى مصر. ‏
‏■ إلى أين وصلت الخطة؟
‏- توجد لدى المطبعة نحو ٦٣ ماكينة طباعة، منها ٧ ماكينات بطريقة الويب، و٥٦ ماكينة بنظام الشيت، بالإضافة إلى معدات المساعدة، ولدينا ٣ ماكينات طباعة رقمية تم شراؤها منذ حوالى ‏شهرين، بالاضافة إلى ماكينة «برايل» التى تم شراؤها حديثًا وماكينات الحفر بالليزر. ‏
وقد استحدثنا بعض الماكينات، واستقدمت الهيئة ماكينات خاصة بنظام «برايل»، الذى يتيح للمكفوفين القراءة بسهولة، كما تم شراء ماكينتين «ديجتال»، بالإضافة إلى ماكينات خاصة بحفر الليزر.‏
هذا إلى جانب صيانة أغلب الماكينات التى نمتلكها، وبنهاية العام الجارى سننتهى من الصيانة بشكل كامل، وجارٍ التنسيق مع وزارة التخطيط ومجلس الوزراء لشراء ما تحتاجه المطبعة. ‏
‏■ ما الذى ينقصكم؟
‏- ينقص المطابع عمالة فنية، رغم أن التطوير الذى حدث فى الفترة الأخيرة مفترض به أن يقلل العمالة، إلا أن بعض الصناعات لا يجيدها سوى العمالة اليدوية.‏
‏■ كم يبلغ عدد العاملين؟
‏- حوالى ٢٨٠٠ عامل، ونحن بحاجة إلى عدد أكبر من العاملين، لأن العدد غير كافٍ تمامًا.‏
والقوة الرئيسة فى المطابع الأميرية والثروة الحقيقية هى العمال، وأقل عامل لدينا مدته الزمنية فى المطابع تصل إلى ٢٠ عامًا، ما يضمن الاحترافية، وكل استحداث تحتاجه الهيئة يعقبه تدريب، ‏حتى لو تم شراء ماكينة واحدة جديدة، ولدينا مركز تدريب خاص بالهيئة، وقبل شراء أى ماكينات يتم إرسال عدد من مهندسينا لتقييمها وإعداد تقرير حولها.‏
‏■ ماذا عن تدريب العاملين؟
‏- تم توقيع بروتوكول تعاون مع إحدى الشركات الكبرى فى مجال الطباعة فى ألمانيا، ويوجد هناك وفد من العاملين منذ شهر يونيو الماضى، وأول دفعة ما زالت فى دورة تدريبية هناك، ويبلغ عدد ‏المتدربين بها ٢٢ مهندسا، منهم ثلاثة مهندسين من الهيئة، ولدينا توصيات بإنشاء أكاديمية خاصة للتدريب وتعليم الطباعة الرقمية.‏
‏■ إلى أين وصلت إجراءات الميكنة؟
‏- نحن أول الهيئات المطبقة للدفع الإلكترونى، وقد بدأ العمل بنظام الميكنة فى المطابع الأميرية منذ عام ١٩٧٠، ونعمل على ميكنة باقى الإجراءات.‏
وكان هناك مؤتمر مع وزيرة الاتصالات لوضع نظام ميكنة جديد للسيستم الخاص بالمطابع، كما نعد دراسة خاصة سوف تُعرض على وزير التجارة والصناعة بنظام جديد يستهدف مكافحة الفساد ‏الإدارى ومنع الرشاوى، تماشيا مع سياسية الشمول المالى. ‏
‏■ هل تحقق الهيئة أرباحًا؟
‏- المطابع جهة اقتصادية حكومية، تنفق على نفسها، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة حققت الهيئة إيرادات وفائضا كبيرا، ففى السنة المالية ٢٠١٥٢٠١٦ حققنا إيرادات بقيمة ٣٤٢ مليون جنيه، ‏وفائضا بقيمة ٢٢ مليون جنيه، وفى السنة المالية ٢٠١٦٢٠١٧ حققنا إيرادات قدرت بـ٤٠٣ ملايين وفائضا بـ٤٤ مليون جنيه، وفى السنة المالية ٢٠١٧٢٠١٨ حققنا إيرادات ٦٦٠ مليون جنيه، ‏وفائضا بقيمة ١١٠ ملايين جنيه.‏
‏■ كيف كان انعكاس قرار تحرير سعر الصرف على الهيئة؟
‏- تأثرنا للغاية بقرار «التعويم»، إذ كان من المفترض التعاقد على شراء ماكينة معينة تحتاجها المطبعة، وبعد تحرير سعر الصرف تضاعف سعرها، والميزانية لم تكف لشرائها حتى الآن، كما ‏ارتفعت أسعار الورق والأحبار، ما أثر على إنتاجنا.‏‏■.. وبالنسبة لفرض رسم صادر على ورق الدشت؟
‏- القرار كان لحماية الصناعة، خاصة أن ورق الدشت تستخدمه مصر فى صناعة المناديل والكرتون وإزالة الأحبار، وبعض الشركات تعيد تدويره وإعادته لورق أبيض مرة أخرى، وقبل ذلك ‏القرار كان يصدر للخارج ويعاد تصنيعه وتستورده مصر مرة أخرى، ووقعت المطابع بروتوكولا خاصا مع إحدى الشركات، لإعادة تدوير هذا الورق والاستفادة منه.‏
‏■ لماذا أدخلتم طريقة «برايل» إلى المطابع الأميرية؟
‏- لسببين، أولهما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن أن عام ٢٠١٨ هو عام ذوى الاحتياجات الخاصة، والثانى هو أن العام الماضى وزارة التربية والتعليم عندما كانت تطبع كتبا للمكفوفين حدثت ‏عدة مشكلات فى الطبع، وتأخرت وتسلمها المكفوفون فى الفصل الدراسى الثانى من العام الدراسى، لذلك درست الهيئة الموضوع، وتوجهنا لحل تلك المشكلة، إذ أدخلت المطابع الأميرية ماكينة ‏الطباعة بطريقة «برايل» فى شهر مايو الماضى، لأن عدد المكفوفين فى مصر يبلغ حوالى ٣ ملايين، وهو رقم لا يستهان به.‏
‏■ هل تطبع الهيئة امتحانات الثانوية العامة؟
‏- لا، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ليست مسئولة عن طباعة امتحانات الثانوية العامة.‏