رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فعلًا.. إنهم يأكلون البلاستيك!‏


حكم علينا الهوى، والهوى غلاّب، أن نخرج من الشائعات البلاستيكية، بشيء مفيد. وإلا ستكون صدفة «زي قلتها» أن تتزامن تلك الشائعات مع حملة دولية تستهدف الخلاص من لعنة البلاستيك، التي لا ‏تقل خطورتها عن لعنة الشائعات. وبهذا الشكل، كان عنوان مقال أمس، حرفيًا وليس مجازًا، إنهم يأكلون البلاستيك.. ويستوردون الشائعات.‏

كنت قد أوضحت، أمس، أن شائعات الأرز الصيني البلاستيكي، خرجت من كوريا الجنوبية سنة ٢٠١١، ولم يتم تداولها إلا في عدة دول، عربية وإفريقية، لأسباب يمكنك استنتاجها. وانتهينا إلى أن تلك ‏الشائعات تستهدف، على الأرجح، سمعة السوق الصينية الغذائية. إذ سبقتها سنة ٢٠٠٩ تقارير عن قيام «بكين» بإنتاج ‏حليب مصنوع من مادة «الميلامين» ونفايات كيميائية من مخلفات صناعة الدباغة، ‏وتلتها شائعات عن اختراعها جوز هند «أسمنتي»، وبيضًا من مواد صناعية. بل إن الأمر وصل إلى حد الزعم بأنها قامت ‏بتصدير لحوم مجمدة، زاد عمر تخزينها على ٤٠ سنة. الأمر الذي يجعلك تتشكك ‏في أن لمن يصدقون هذا النوع من الشائعات عقولًا من الأساس!.‏

الأرقام المفزعة تقول إن سنة ١٩٥٠، كان سكان العالم ٢.٥ مليار نسمة، وأنتجوا ١.٥ مليون طن من البلاستيك. وفي سنة ٢٠١٧، تخطى عدد السكان السبعة مليارات وزاد إنتاجهم من البلاستيك إلى أكثر ‏من ٣٠٠ مليون طن. وفي حال استمرار أنماط الاستهلاك الحالية، صار من المتوقع أن يصل حجم النفايات البلاستيكية إلى نحو ١٢ مليار طن بحلول سنة ٢٠٥٠. ومن باب العلم بالشيء، نشير إلى أن ‏البلاستيك يتكون من سلاسل طويلة من الجزيئات تُسمّى «البوليمرات»، تتشكل من ارتباط جزيئات صغيرة اسمها «المونومرات». وعادة ما تحتوي على الكربون وعناصر أخرى. وقد تُضاف إلى ‏‏«البوليمرات» مركبات أخرى لتغيير خصائص المنتج النهائي وجعله أكثر ملاءمة للغرض الذي تم تصنيعه من أجله، كتغيير لونه أو لجعله أكثر قوة أو ليونة.‏

ولأن البلاستيك لا يتحلل بشكل كامل، بل يتكسر إلى أجزاء أصغر وأدق، فقد صارت تلك النفايات لعنةً، لعنة حقيقة، حلّت بكوكب الأرض. والأكثر من ذلك، هو أن دراسة نشرتها جامعة «جورجيا» ‏الأمريكية، ذكرت أن كل متر من الخطوط الساحلية حول العالم، يحتوي على ١٥ كيس بقالة محشوّة بالنفايات البلاستيكية، تم تقدير وزنها الإجمالي بحوالي ٨ ملايين طن، سنويًا في المتوسط. لكن لم يتم ‏التوصل بعد إلى الوقت الذي تحتاجه لكي تتحلّل بيولوجيًا إلى الجزيئات المكوّنة لها، إذ قالت تقديرات إنها تحتاج إلى ٤٥٠ سنة. وقالت تقديرات أخرى إنها قد لا تتحلل على الإطلاق. وستدرك حجم الكارثة، ‏أو خطورة تلك اللعنة، لو عرفت أن دراسة نشرتها دورية «ساينس أدفانسيس»، ‏Science Advances، سنة ٢٠١٧، أوضحت أن النفايات البلاستيكية يتم تدوير نسبة ٩٪ منها وحرق نسبة ١٢٪، أما الـ٧٩٪ ‏الباقية، فيجري التخلُّص منها في مدافن النفايات أو تركها في الطبيعة.‏

هذه الأرقام، أكدها تقرير نشرته الأمم المتحدة، الشهر الماضي، كشف أيضًا أن نحو ٥ آلاف مليار كيس بلاستيكي يتم استهلاكها سنويًا، وهي كغالبية منتجات البلاستيك لا يعاد تدويرها سوى بنسبة ضئيلة ‏للغاية. وكشف التقرير أن ٩٠٪ من المياه المعبأة و٨٣٪ من مياه الصنابير تحتوي على جزيئات من البلاستيك. وفي تقرير سابق، توقع البرنامج أنه «بحلول سنة ٢٠٥٠، سيكون وزن البلاستيك في البحار ‏والمحيطات أكثر من وزن الأسماك. وستكون ٩٩٪ من الطيور البحرية قد ابتلعت مواد بلاستيكية، ستشق طريقها من خلال سلسلة الغذاء إلى موائد الطعام، وسينتهي المطاف باستقرارها في بطون البشر».‏

والوضع كذلك، كان منطقيًا، وضروريًا، أن يعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الحرب على البلاستيك، وأن يحذّر من الآثار الضارة لما وصفه بـ«التلوث البلاستيكي» على النباتات والحيوانات والإنسان ‏وعلى البيئة ككل. وأملًا في الخلاص من تلك اللعنة، أو ذلك الكابوس، عقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤتمرًا، خلال الفترة من ٥ إلى ٩ يونيو الماضي، بمقر المنظمة في نيويورك، انتهى بإعلان دولي ‏يناشد الحكومات بتطبيق سياسات تحدّ من استخدام البلاستيك.‏

استجابة لتلك المناشدة، تعهدت دول بالقضاء على صناعة البلاستيك بالكامل، والتزمت دول أخرى بتخفيض نفاياتها البحرية. وهناك دول فرضت ضريبة على الشركات والمصانع التي تنتج المواد ‏البلاستيكية غير القابلة للتدوير أو تستخدمها في تغليف وتعبئة منتجاتها، لحثّها على استخدام أنواع أخرى يسهل تدويرها. وسبقت تلك الدول ٢٠٠ دولة، قامت في ديسمبر الماضي، بالتوقيع على قرار يسعى ‏إلى تحقيق الهدف نفسه، خلال اجتماع عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في العاصمة الكينية، نيروبي.‏

كينيا، كانت أكبر الدول المصدرة للأكياس البلاستيكية في المنطقة. ووصل معدل استهلاكها السنوي إلى ١٠٠ مليون كيس. قبل أن تقوم في أغسطس الماضي بإصدار قانون يعاقب على إنتاج أو بيع أو ‏حتى استخدام الأكياس البلاستيكية، بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات أو دفع غرامة تصل إلى ٤٠ ألف دولار. ومع أن هذا القانون يتيح للشرطة الكينية ملاحقة كل من يحمل كيسًا بلاستيكيًا، إلا أن جودي ‏واكهونجو، وزيرة البيئة، قالت لوكالة «رويترز» إن القانون سيتم تطبيقه على المصنعين والموردين، ولن يتضرر منه المواطن العادي. ومع الريح، ذهبت تحذيرات المتحدث باسم اتحاد المصنّعين في كينيا ‏من أن هذا القانون سيؤدي إلى فقدان ٦٠ ألف مواطن لوظائفهم وسيتسبب في إغلاق ١٧٦ مصنعًا.‏

بهذه الخطوة، انضمت كينيا إلى أكثر من ٤٠ دولة حظرت استخدام الأكياس البلاستيكية، كليًا أو جزئيًا، من بينها فرنسا، والصين التي يحاولون إقناعك بأنها أنتجت الأرز البلاستيكي، الذي مرت سبع ‏سنوات دون أن يرى «كائن حي» هذا الاختراع. وعليه، وبدلًا من أن تشغل بالك، بأي كلام فارغ، حاول قدر إمكانك ألا تستخدم أكياس البلاستيك.. وألا تستعمل عبوات الماء والعصير البلاستيكية مرة ‏أخرى.. وألا تتناول مشروبات أو أطعمة في أكواب وصحون بلاستيكية. وقبل الأكل وبعده، عليك أن تتوقف، تمامًا ونهائيًا عن تناول الشائعات.