رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مياه العاشر بمدينة نصر.. ثم ماذا؟ ‏




لطمتنا مؤخرًا أنباء الفساد متوالية واحدًا بعد الآخر. ورغم دلالات تلك الأنباء، إلا أنها تظل بالنسبة لمعظم الناس كأنما هى أنباء من عالم بعيد، يخص الأثرياء، ومديرى البنوك، والمهربين، وكل ما لا ‏يتصل بالحياة اليومية الاعتيادية.‏
إذا تم حبس مدير مصلحة الجمارك مثلًا لتلقيه رشوة، فإن معظم الناس البسطاء لا يتقلدون مثل تلك المناصب الرفيعة، وإذا قام مدير بنك بالاستيلاء على مبلغ ضخم وهرب به خارج البلاد، فإن ‏الملايين لا علاقة لها لا بالبنوك، ولا بالنقود، أو الادخار. لهذا أقول إن مثل تلك الأنباء تظل تبدو رغم طابعها المفاجئ كأنما تخص بشرًا من عالم بعيد. أما الذى يقضّ مضاجع الناس بشكل مباشر فهو ‏ما يتعلق بالخبز، أو الدواء، أو الماء، وكل ما يرتبط بالفواتير الشهرية التى يدفعونها، ولهذا فإن أوضاع شركة مياه الحى العاشر بمدينة نصر، والتى ضجّ الناس منها، قد تقلق الناس أكثر بكثير من ‏تهريب الملايين. وقد بدأنا مؤخرًا نسمع عن أنباء «العالم الآخر» بقرار نيابة الأموال العامة فى مارس بحبس ثلاثة متهمين بسرقة تسعمائة وستين مليون دولار أمريكى من شركة «تراى أوشن» ‏للبترول. محاسب الشركة المالى اكتشف هذه السرقة أثناء مراجعته الحساب السنوى، وهو الذى ضبط تلاعبًا واضحًا فى المستندات قاد إلى افتضاح عملية الاختلاس الكبرى التى تشبه أحداث الأفلام ‏الأمريكية. وفى أواخر يونيو انتشرت الأنباء عن أن الرقابة الإدارية ضبطت رئيس حى الدقى نادر السعيد وصاحبى شركة مقاولات وأحد الوسطاء من العاملين فى المحاماة، فى رشوة لرئيس الحى ‏بلغت قيمتها مائتين وخمسين ألف جنيه، بالإضافة إلى وحدة سكنية قيمتها مليونا جنيه، وذلك مقابل تغاضى رئيس الحى عن الإجراءات القانونية حيال عقار مخالف يستوجب الإزالة فى منطقة ‏المهندسين. فى يوليو الحالى فوجئنا بالأخبار عن أن ياسر مصباح مدير بنك معروف، اختلس مائة وثمانين مليون جنيه، وفر بها إما إلى باريس أو إلى بلد عربى!، وقد أصدر البنك بيانًا يحاول فيه ‏التملص من الواقعة، لكنه لم ينكر أن ياسر مصباح خارج البلاد مما يلقى بالشكوك على مصداقية البيان إجمالًا. الأخطر من ذلك أن يترافق هذا الحدث مع إشارة د.محمد معيط وزير المالية فى ١٠ ‏يوليو خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إلى حالات اختراق نظام المعاملات المالية المتعلق بصرف رواتب الموظفين، مما يضعنا أمام صورة تثير القلق خاصة بين المستثمرين ‏الذين تسعى الدولة لاجتذابهم. وفى مطلع يوليو الحالى أيضا صدمنا صدور الأوامر بالقبض على رئيس مصلحة الجمارك جمال عبدالعظيم وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، بتهمة طلب وأخذ ‏رشوة مالية مقابل الإخلال بمهام الوظيفة العمومية، وتسهيل دخول بضائع محظور استيرادها دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها. وقيل إن هيئة الرقابة الإدارية ألقت القبض على رئيس ‏مصلحة الجمارك متلبسًا بتقاضى تلك الرشوة بالعملات المحلية والأجنبية، كما أنه وجه مرؤوسيه بإعداد تقارير مخالفة للواقع لتخفيض الغرامات المالية عن بضائع سبق ضبطها فى عدة قضايا ‏تخص مهربين. بالنسبة للناس تبدو وقائع الفساد تلك كلها كأنها من عالم بعيد. لكن الأنباء التى تقلق الناس هى تلك المرتبطة بحياتهم مباشرة، وبذلك الصدد نشرت الصحف فى أواخر يونيو نبأ القبض ‏على حنفى محمد رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب بالجيزة، ومعه موظفان اثنان، مديرة العقود والمشتريات، ومدير الإدارة المالية، لتلقيهم رشوة مالية قدرها خمسة وعشرون مليون جنيه، من ‏خلال إسناد عمليات لشركات بالأمر المباشر دون مناقصة. نبأ مثل هذا يتعلق بمرفق يمس حياة جموع الناس بشكل مباشر وهو المياه. وإذا دخلت الرشوة والفساد إلى مرفق المياه أصبح الوضع ‏خطرًا بالفعل. جدير بالذكر فى هذا المجال أن سكان الحى العاشر بمدينة نصر، قد ضجّوا وفاض بهم من شركة المياه والشرب القائمة فى الحى العاشر، إذ إنها تصدر إيصالات مياه كما يحلو لها، ‏دون قراءة عدادات، وبأرقام مالية جزافية، ويقوم موظفوها بتهديد السكان: إما الدفع أو رفع العداد!، ومن ذهب من السكان إلى الشركة لم يستطع أن يلتقى المدير، لأن حجرته مغلقة بصفة دائمة، ‏ولا وجود له. وقد شكا سكان الحى العاشر جميعًا عشرات المرات دون أن يصل صوتهم إلى أى مسئول، فهل ينبغى أن ننتظر حتى تضع هيئة الرقابة الإدارية يدها على ما يجرى هناك، أم أن واجبنا ‏هو التنبيه مبكرًا، لكى نتفادى الأنباء والمفاجآت؟. ‏