رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحاديثُ العرّافةِ

جريدة الدستور


مكالمة
قلْتُ للعرّافةِ: حتَّى الآن لم يتصلْ بى أحدٌ ليخبرنى إنْ كنتُ على قيدِ الحياة أمْ أن الخبرَ الذى تصدَّر ثرثراتِ المقاهى عن وفاتى كان صحيحًا.. قالت: انتظرْ حتى الصباح.. تعددت الصباحاتُ والمساءاتُ ثم هطلتْ أمطارٌ غزيرةٌ وأحرقتِ الشموسُ بقايا عيدان الحطب وأنا أضعُ هاتفى أمامى.
لمسة
أعطيتُها كفِّى لتقرأ لى الطَّالعَ.. نظرتْ فيه طويلًا ثم رفعتْ رأسها وثبتتْ عينيها فى عينىّ وقالت: ينال الحياة من ينال المنال، لم أفهم كلامها لكنَّ ملمسَ يديْها لا يزالُ على يدى.
أمنية
ليستْ لدىّ إلا أمنيةٌ واحدةٌ.. أمنيةٌ واحدةٌ فقط.. قالتْ لىَ العرافةُ: تَمَنَّ يا عادلُ.. أجبْتُها: تمنَّيتُ.. أَخذتْ تضربُ ودعَها ثم بكتْ ولملمتْ جرابها وأركبتْنى قاربًا وتركتنى على الضفة الأخرى من النهر أتطلّعُ.. أبحثُ فى عيون العابرين عن أمنيتى.
حديث آخر
العرّافةُ التى لجأتُ إليها لتُخبرَنى بطالعى لم تخبرْنى بأننى سألقاها فى هذا العام، أكّدتْ لى غيرَ مرةٍ أن لقاءَنا الآن من المستحيلات.. لم أعبأْ بكلامها مطلقًا.. ذهبتُ للضفة الأخرى حيث كانتْ والتقيْنَا.. نعم التقينا ولمسْتُ يديها فى حينِ أن العرّافة ما زالتْ تُصرُّ على موقفها مما جعلنى أراها جالسةً أمام جرابِها المملوءِ بأشياءَ كثيرةٍ فأُنادى على القابعة عند الضفة الأخرى وأُمسكُ بيدها وأمُرُّ معها أمام العرافة مخرجًا لها لسانى بينما كانتْ تضحكُ بملءِ فيها وتُردّدُ: كلُّ شىء بأوان.. فتغيم السماء وتختفى كل أصوات العصافير.
نور
على ناصية مقهى حياتى انتظرتُها.. مرتْ أمامى.. جميلةٌ حقًّا.. جميلةٌ جدًّا كحوريّات الحكايات التى تسبق النومَ مباشرةً.. هى ماء الحياة.. سألتُها رشفة تبلّل شفتىَّ الجافتين فأعطتنى.. أعطتنى الكثير حتى ثملتُ.. فما أحسستُ إلا نورًا يغمر الأكوان وينطلق مخترقًا الحُجُب.
صخب
العرّافة التى تركتْ جرابَها سكتتْ تمامًا ولم تعدْ لديها الرغبةُ فى ضرب الودع، إنها تستمتع بالجلوس وحيدةً تداعب خصلاتِ شعرٍ متعددة الألوان ثم تطيّرها فى الهواء وتضحك مالئةً الدنيا بالصخب.
المُباح لى
قلتُ للعرافة: أتمنى أن أنام لأراها فى الحُلم قالت: هذا مستحيل ثم لملمت أشياءها وهى تؤكد: مستحيل، مستحيل، لن تنام ولن تراها.. تركتُ العرافة ورحتُ فى نوم عميق ورأيتُها تُطلُّ بعينيها من قلب زهرةٍ وحادثتُها حديثًا طويلًا وحادثتنى حديثا طويلًا وعندما استيقظت كانت رائحتها تملأ المكان بينما كانت العرافة تنزوى فى ركن بعيد.