رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضباط الملتحون والدولة الدينية


‏«الدين ما وقر فى القلب وصدقه العمل»، الدين هو العلاقة بين الإنسان والله التى لا يعلمها أحد، أيًا كانت علاقته أو قرابته أو صداقته، هى علاقة ذاتية منفردة وظواهر الدين هى الأعمال الحسنة ‏التى تتوافق مع قيم الدين ومع مقاصده العليا بلا نفاق أو مظهرية أو متاجرة.‏
لكن وبالرغم من أن المصريين هم أول من عرفوا الدين والتدين، فإنه للأسف الشديد ففى العقود العدة السابقة أصاب المصريين مرض يسمى التدين الشكلى، الذى يهتم بالمظهر دون الجوهر، حتى ‏إن هذا الشكل التدينى قد سيطر على الجميع فترى مظاهر تدين، ولا نرى ممارسات دينية. نرى متاجرة واستغلالًا للدين ولا نرى إيمانًا حقيقيًا يصدقه العمل ويؤكده قبول الآخر الذى من الدين نفسه ‏وليس الآخر الدينى.‏
وعلى ذلك وجدنا قضية ما يسمى الضباط الملتحين، فمن المعروف، حسب التاريخ المعروف والمعاش، أن هناك تعليمات وظروفًا ومناخًا تعمل فيه وزارة الداخلية يتسم بداية بالالتزام بهذه التعليمات ‏وبتلك الظروف، فلم نرَ ضابط شرطة يسير بتعليمات ذاتية أو يتمسك بأهواء شخصية أو يعلى من مواقف ذاتية على حساب هذا الالتزام وتلك التعليمات. وجدنا هؤلاء يطلقون اللحية فى عام حكم ‏الإخوان.. لماذا؟ لأن هذه الجماعة ومن يتبعها من المستغلين للدين، الذين حولوا الدينى لصالح السياسى ولمصالحهم الخاصة والتنظيمية، وكان المظهر الدينى هو أهم الأدوات، التى تم استغلالها ‏والقادمة من الثقافة البدوية لإثبات نفوذهم وتأكيد سلطتهم، حتى وجدنا ذلك المظهر، الذى يفرق شكلًا بين مصرى ومصرى باسم الدين.. وبالطبع كانت اللحية أحد هذه المظاهر، حتى إننا وجدنا أحد ‏قيادات السلفية فى عام الإخوان يطالب بأن يرى مليون ملتحٍ خلال شهر. كما أن قضية نفاق الحاكم وموالاة السلطة قائمة فى الضمير الجمعى المصرى، فما بالك لو كان هذا يتم باسم الدين، هنا ‏يكون الضمير أكثر ارتياحًا، حيث الموالاة لله واجبة، وكأن الخلط بين الله وأى سلطة هو من الدين فى شىء. فلماذا لم نرَ هؤلاء يتمسكون باللحية قبل عام الإخوان؟ ذلك لإثبات ولائهم للسلطة الإخوانية ‏من جانب، والتمسك بما يؤمنون به من أفكار تخص الجماعة وأتباعها وتعمل لصالح هذه الجماعة من جانب آخر.‏
ومن المعروف نظريًا وعمليًا ولما حدث وشاهدناه وعشناه فى عام الإخوان كيف يرفض الإخوان الآخر المسلم، الذى لا يقبل فكرهم، فما بالك بغير المسلم!، وقد رأينا ما تم ضد الكاتدرائية كسابقة لم ‏تحدث فى تاريخ مصر المعاصر ورأينا ما تم بعد فض رابعة من حرق كنائس وممتلكات للأقباط وغير ذلك كثير، فإذا كان الضابط هو المنوط به الحفاظ على القانون والأمن حفظًا لحق المواطن، ‏أى مواطن، فكيف يطبق هذا ويلتزم به الضابط الملتحى، أقصد المنتمى إلى من يرفضون هذا الآخر؟. هذا يعنى أنه سيكون هناك خلل لا يصيب مؤسسة الداخلية بل يصيب القانون ويسقط الدستور ‏ويهدد سلامة ووحدة الوطن. هنا سيقول قائل عنهم كيف تتحدث عن الدستور وهو يؤكد أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع؟ حتى إننا وجدنا المحكمة الإدارية تصدر حكمًا لهؤلاء ‏يأتى فى حيثياته موضوع مادة الشريعة فى الدستور، حتى وجدنا أن هذه الحيثيات بعد أن تعطى الحق للمؤسسات أن تصدر من القوانين والتعليمات واللوائح ما يحافظ على نظام هذه المؤسسات وحماية ‏الوطن، وجدنا بعد ذلك مناقشة فقهية حول اللحية باعتبارها سنة نبوية من حق المسلم الالتزام بها، وبالطبع فنحن هنا نناقش الموضوع فى الإطار الدينى أو الفقهى، ولكن فى الإطار السياسى ‏والدستورى والقانونى نعم هناك مادة دستورية تخص الشريعة، لكن حسب أحكام المحكمة الدستورية العليا فقد أقرت أن هذه المادة هى ملزمة للمشرع، وليس للقاضى، أى يلتزم بها المشرع فلا ‏يصدر قانونًا يخالف مقاصد وليس أحكام الشريعة، هنا من حق الدستورية العليا أن تلغى القانون.. ولكن ليس من حق القاضى أن يصدر حكمًا باسم الشريعة، ولكن حسب القانون الذى لا يناقض ‏مقاصد الشريعة وليس حسب رؤية القاضى الذاتية للشريعة. وكما نعلم هناك تنظيمات تسمى إسلامية تقول إنها تتمسك بالشريعة وتدعو إلى تطبيقها، ولكن نرى هذه التنظيمات تختلف وتتناقض فى ‏أحكامها ورؤيتها للشريعة، كل حسب رؤيته وتحقيقًا لمصلحته. كما أن الدستور لا يكون متناقضًا فى مواده إطلاقًا، وإلا يكون قد فقد دستوريته وشرعيته، فمواد الدستور تكمل بعضها البعض، فمع ‏مواد الشريعة، هناك مواد الحريات التى لا تفرق بين مصرى وآخر لأى سبب كان، هناك مواد المواطنة التى لا تفرق بين أحد طالما أنه مصرى يعيش على أرض الوطن يعطى واجباته ويحصل ‏على حقوقه دون تفرقة دينية أو غير دينية. وذلك لأن مادة الشريعة تتحدث عن المقاصد العليا للإسلام، فهذه المقاصد لا تفرق بين مواطن وآخر. فالتعددية الدينية هى إرادة الله فى كونه، والله هو ‏الذى سيحاسب الجميع ولا وصاية لبشر على البشر، فالله وحده، الذى سيحكم ويحاسب الجميع. أى أن مادة الشريعة لا تتناقض مع قبول الآخر غير الدينى ولا مع الحريات والحقوق وحقوق المواطنة، ‏فكيف نترك الفرصة ونتساهل مع هذه الثغرة التى لا تفرق بين المصريين فحسب، بل ستشق الوطن وتفتت وحدته وتضعف قوته وتشتت أفكاره، وهذا بالطبع هو هدف من لا يريد خيرًا لهذا الوطن، ‏ولمن يريدون إسقاط الدولة تحت شعار معارضة النظام. مصر وطن ملك كل المصريين فهو ليس حكرًا على أحد دون آخر، بحجة الدين أو الملكية أو التمايز، ادرأوا الفتنة فهى أشد من القتل، ولا ‏يستقيم قتل المصرى لبناء الوطن، الذى هو ملك لكل المصريين.‏