رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشباب بين الكرة والسياسة


طوال سبع سنوات لم تنجح الأحزاب فى حشد الشباب أثناء الانتخابات أو تأييدها لموقف معين.. الحشد الأكبر كان دون تأثير حزبى سواء فى يناير ٢٠١١ أو فى يونيو ٢٠١٣، وفيما عدا ذلك لم تستطع الأحزاب التواجد فى الشارع بشكل قوى أو ظاهر، وفيما يبدو أن الأحزاب التى ارتفع عددها بعد يناير ٢٠١١ من ٢٤ حزبًا إلى نحو المائة حزب ومثلها من الائتلافات والحركات، كل ذلك تهاوى أمام حشد مباريات كأس العالم للشباب.. السؤال هنا: مَنْ يحرك الشباب الذين تصل نسبتهم إلى نحو٦٠٪ من السكان منهم ٢٥٪ من إجمالى السكان ما بين ١٨ و٢٩ عامًا وهى شريحة الشباب الأولى المخاطبة من الأحزاب؟.
هذه الشريحة التى تصل إلى ملايين الشباب الدارس بالجامعات أو الخريجين، لم تستطع جهات كثيرة الوصول إليهم لغياب وسائل التواصل معهم، وأيضًا لغياب مؤسسات وخطط التدريب الشبابى سياسيًا وثقافيًا.. ورغم كل الجهود التى بذلتها وزارة الشباب فى فترة سابقة من دورات أو مؤتمرات، وكذا وزارات أو هيئات أخرى إلا أن تأثيرها ذاب سريعًا أمام حرارة الأحداث أو تجمد مع خمود الحركة الشبابية.
واليوم ونحن نعيد بناء الدولة، فإنه من المهم أن نلتفت إلى هذه الظاهرة وأن نضعها أمام محللين ونتدارس، لماذا ابتعد الشباب عن العمل السياسى المنظم واتجهوا فترة إلى الأولتراس أو إلى وسائل التواصل الاجتماعى؟.. هل غياب المؤسسة التدريبية فقط، هل لا نستطيع إعادة إنتاج منظمة شباب جديدة، هل غياب المحليات فترة طويلة أثر أيضًا، هل انتهى دور الأحزاب السياسية فى مصر فى الحشد أو التأثير على الشباب أو جذبهم إلى برامجهم؟ كل ذلك أو غيابه سيؤدى بلا شك إلى رحيل أو اتجاه الشباب إلى بدائل أخشى أن تكون مرة ثانية إنتاجًا لتنظيمات دينية أو حركات إرهابية.
استيعاب الشباب وتأهيلهم للعمل السياسى، يجب أن يكون نصب عين الحكومة والوزارات المعنية إلى حين أن نرى فى الساحة مرة أخرى أحزابًا تستطيع التفاعل مع الشباب ودفعهم إلى الانضمام إليها.. خلو الساحة من الأحزاب الفاعلة مؤشر خطير وهو ما يجب أن ننتبه إليه.. وأزعم أن أى حزب لا يستطيع حشد ألف شاب بشكل منظم، فما بالك ونحن نحتاج إلى ملايين الشباب؟.. فى الستينيات كانت تجربة منظمة الشباب ومنها تخرج أغلب السياسيين الذين أثّروا فى الحياة السياسية فى مصر عبر نحو ٥٠ عامًا وامتد تأثيرها حتى نهاية الحزب الوطنى والأحزاب الشريكة فى الحياة السياسية قبل ٢٥ يناير.. وجاءت «يناير» لتبدأ مرحلة من السيولة السياسية فانطلق الجميع ليؤسس أحزابًا وائتلافات وحركات بلغ عددها المئات، وعاد معها حزب الحرية والعدالة ليتصدر المشهد ثم لينتهى كل ذلك مع ٣٠ يونيو، فتختفى كل الأحزاب إلا من أصوات متباعدة كل فترة تعلن اندماجًا لحزب أو أكثر حتى يكتمل الشكل أمام الإعلام أو الشارع.
مع اختفاء الأجيال التى تلقت التدريب على أيدى مفيد شهاب وحسين كامل بهاء الدين ومحمود شريف وعلى الدين هلال، اتجهت الأجيال الأخرى فى نهاية القرن الماضى إلى أحضان دورات المعهد الديمقراطى والجمهورى، لتنتج لنا جيلًا آخر أسفر تدريبه عن يناير وما بعدها.. ولأنه تدرب بشكل خاطئ، وكان الهدف هو تحقيق تغيير لصالح جهات معينة انتهى هذا الجيل سريعًا ليترك الساحة خالية.
اليوم ونحن نعد لانتخابات محلية تأجلت عدة مرات، ونحن نستعد لانتخابات برلمانية قادمة لن يكون فيها ائتلاف حزبى كدعم مصر أو ائتلاف ٢٥ و٣٠ نبحث فى الساحة عن محاولات لتدريب وتنشئة الشباب سياسيًا، فلا نجد محاولات واضحة.. اختفى معهد إعداد القادة ومراكز التعليم المدنى التابعة لوزارة الشباب، والتى نأمل أن يعود دورها مع الوزير النشيط د. أشرف صبحى الذى يواجه تحديًا كبيرًا فى إعداد جيل جديد من الشباب يحمل الراية فى الشارع السياسى.. اختفت أيضًا أدوار مهمة لمراكز النيل للإعلام وغاب دور الجامعات والأهم غابت الأحزاب فيما عدا دورات لمستقبل وطن، ومحاولات إحياء معهد الوفد، وما أخشاه من وجود خفى لمراكز تدريب سلفية أو إخوانية قد تعيد إنتاج جيل نشط للحركات الدينية.. المطلوب اليوم إعداد دورات متتالية تسمح فى برامجها بالتصعيد لمن يشارك فيها، وأيضًا إدراج برامج للتثقيف السياسى فى الجامعات والمدارس الثانوية.. إن التربية السياسية للشباب مهمة جدًا وأذكر أننا فى مدارس الستينيات كنا نحفظ الميثاق ونفهم معانيه وخرجنا ونحن طلبة فى الابتدائى لنؤيد بيان ٣٠ مارس ونرفض تنحى عبدالناصر.. كانت هناك حصص للتربية الوطنية والتوعية السياسية، واليوم مطلوب أن نعود كذلك، فالشباب أصبح يعرف جيدًا عدد فرق الكرة فى مصر والعالم، ولا يعرف عدد محافظات مصر أو عدد الأحزاب فيها.. الشباب يبحث اليوم فى المواقع عن المسلسلات أو أحداث أو لقطات لأهداف ولا يهمه أن جريدة الأهالى المهمة سوف تلحق بشقيقتها جريدة الأحرار فى الإغلاق والاختفاء، وأن أسماء كتاب كثيرين قد اختفت.. الشباب اليوم لا يبحث عن معلومة سياسية قدر بحثه عن مادة ترفيهية، والخطأ يجب ألا يتحمله الشباب فقط بل تتحمله الدولة ومؤسساتها التى غابت عن الشباب والساحة.. ليس عيبًا أن تتدخل الدولة اليوم لدعم الحركة الحزبية ودعم الأسر الطلابية فى الجامعات، ودعم مراكز الشباب النشطة سياسيًا.. خلق جيل جديد من الشباب متدرب سياسيًا ومعد ليتولى مناصب قيادية مهمة ثقيلة، ولكنها الأهم. فغياب الحس السياسى عن مسئولين كثيرين دفعهم إلى تصريحات وتصرفات تعد الأسوأ فى التاريخ السياسى والتنفيذى. غياب الحس السياسى سيؤدى بنا إلى خلق أجيال من الموظفين غير القادرين على اتخاذ القرار، وإذا تورطوا فى إصداره سيكون قرارًا بعيدًا كل البعد عن السياسة والمسئولية.
تدريب وتنشئة الشباب سياسيًا هو البداية الأهم فى إعادة بناء الدولة القادمة.. هؤلاء المتدربون سيشكلون جيل القادة القادم، فانتبهوا قبل أن يفوت الأوان.